رأي ومقالات

د. عارف عوض الركابي : ” دق السوط ” في الأعراس ، المفاسد الشرعية والأضرار الصحية


[JUSTIFY]عادة دق السوط في الأعراس والتي يصطلح لها البعض بـــ (البُطَان) عادة قديمة لدى كثير من قبائل السودان ، وهي ليست لدى قبيلة الجعليين فقط ؛ كما هو المفهوم الراسخ لدى بعض الناس ، وإنما تمارس هذه العادة عند كثير من القبائل السودانية من أقصى شمال السودان عند أهلنا المحس والدناقلة والركابية والبديرية والشايقية وغيرهم إلى وسطه وبطانته ولدى الهواوير والحسانية وغيرهم من قبائل الوسط وحتى أقصى غربه لدى أهلنا الزغاوة وغيرهم. بعد ظهور التقنيات الحديثة حيث أصبحت كاميرا التصوير متاحة في أغلب الهواتف المحمولة ، كما أصبح رفع مقاطع الصور الثابتة والمتحركة من أي قرية أو مدينة على الشبكة العالمية (الانترنت) من أسهل الأمور كان لمقاطع دق السوط والجلد في الحفلات وجود كبير في المقاطع المتداولة على الشبكة العالمية (اليوتيوب) ، وهو ما لم يكن ميسوراً قديماً ، وبعد اطلاعي على مجموعة من تلك المقاطع رأيت ضرورة الكتابة والبيان في هذه العادة المتوارثة السيئة ؛ المتعددة الأضرار ؛ وبيان حكمها الشرعي من باب أداء فرض كفائي ، ولمكانة النصيحة في دين الإسلام ؛ ولأن (النصح لكل مسلم) مما كان يبايع عليه الصحابة الكرام عليهم الرضوان نبي الهدى والرحمة محمد عليه الصلاة والسلام.

إن الواجب أن يعرض الناس جميع عاداتهم وموروثاتهم وتقاليدهم على الكتاب والسنة وينظروا في موافقتها أو مخالفتها لدين الله تعالى ؛ وبالنظر لعادة الجلد بالسوط في الحفلات يمكن ذكر أبرز محاذيرها الشرعية في ما يلي :

1/ في عادة الجلد بالسوط في الحفلات ضرر بالجسم والبدن ، وهذا ضرر واضح محقق ، فإن المجلود يعرِّض جسده للأذية والتقطيع ، وإسالة الدم ، ويبقى أياماً عديدة وربما أسابيع على الفراش يقوم أهله بتطبيبه ، وتلطيخه بالعقاقير والقرض !! وهذا الضرر محرم في دين الله تعالى وهناك قاعدة فقهية بل هي إحدى القواعد الفقهية الكبرى الخمس في الإسلام وهي قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وهذا التعبير هو نص حديث نبوي رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه الألباني ، فإلحاق الضرر بالنفس أو الغير محرم في دين الإسلام ، وفي هذا الجلد ضرر يلحق البدن ، ولا يختلف في ذلك اثنان ، وفي هذا العمل (الجاهلي) تعذيب للنفس ، والإسلام نهى عن ذلك ، بل نهى عن تعذيب الحيوان ، وجعله من المحرمات فكيف بتعذيب الإنسان نفسه ؟! ولا يشفع في تبرير ذلك وتجويزه كون الشخص المجلود يرغب في ذلك ، ويرضى به ويحبه بل يفرح به ، ويستمتع في تلك اللحظات بأن يجلد بالسوط ، لا يشفع له ذلك وغيره في جعل هذه العادة الجاهلية عملاً مشروعاً .. وذلك لأن الإنسان لا يملك بدنه وروحه ، فهي ملك لله تعالى ، لذلك مما هو معلوم للعامة أنه يحرم على الإنسان الانتحار ، وإضرار النفس بما هو دون الانتحار كذلك في الحكم.. وهذا فيما إذا كان الضرر المترتب على جلد السوط في الحفلات في ما دون النفس ، وهو الغالب ، لكن أحياناً يصبح الضرر بتلف النفس وهلاكها وموت الشخص المجلود ، سواء كان في نفس الوقت أو بعد حين بسبب تلك السياط .. وهو فعل محرّم وجريمة كبرى وقد قال الله تعالى : (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، وقال الله تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم). والمجتمع بجميع أطيافه يعرف ويدرك هذا المحذور العظيم في هذه العادة الباطلة ، فلماذا إذاً السكوت أو الإقرار وضعف الإنكار ؟! بل لك أن تعجب أن يباهي بهذه العادة السقيمة المنكرة بعض الناس !! وبدلاً من الستر والكتمان يأبى أناسٌ إلا فضح أنفسهم ومجتمعهم بنشرها في العراء وعبر شبكات (الانترنت) لتتلقفها أمم العالم وشعوبه وتصبح مظهراً من مظاهر (التخلّف) الذي يرمى به مجتمعنا.

2/ إن هذه العادة المنكرة الذميمة وسيلة لنقل الأمراض المعدية والفتّاكة ، كالإيدز والكبد الوبائي B و C وغيرها من الأمراض ، فالشخص الذي يتولى مهمة الجلد سواء كان (العريس) نفسه !! أو غيره يقوم بالجلد بسوط واحد ، فيدخل السوط في ظهر المجلود الأول ويتلطخ بالدم ثم يقوم بجلط ذلك الدم المحمول في السوط في ظهر الثاني وهكذا ، والشخص الذي يتولى مهمة الجلد ليس لديه معقم يدخل فيه السوط قبل أن ينتقل من ضحيته الأولى إلى ضحيته الأخرى !! وهذا – كما هو معلوم لا يخفى – من أقوى أسباب نقل الأمراض ، ولا أدرى أين جهات مكافحة الإيدز وانتشار الأمراض المعدية عن هذا السبب؟! وإذا ثبت أن هذا الفعل من أسباب نقل الأمراض فإنه لا تخفى حرمته بناءً على ذلك. وفي هذا المحذور والذي قبله يقول الإمام الشاطبي المالكي في حديث »لا ضرر ولا ضرار«: (إنه داخل تحت أصل قطعي في هذا المعنى, فإن الضرر والضرار مثبوت منعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات وقواعد كليات .. ومنه النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض وعن الغصب والظلم وكل ما هو في المعنى إضرار أو ضرر, ويدخل تحت الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال فهو معنى في غاية العموم لا مراء فيه ولا شك).

3/في الزواج شرع الإسلام الفرح المقيد بطاعة الله تعالى ، وحثّ النبي عليه الصلاة والسلام على الوليمة وقال لعبد الرحمن بن عوف : (أولِم ولو بشاة) متفق عليه .. هذا هو المشروع ، أما إحداث عادة مضرة مهلكة تؤذى بها الأبدان فهو من تبديل المشروع بالممنوع ، ومن مخالفة ومناقضة المقصد التشريعي في ما شرع في أحكام الزواج. والعريس الواجب عليه إكرام ضيوفه وتقديم طيب الطعام لهم وتوفير الضيافة الكريمة لهم لا أن يقوم بجلدهم وتقطيع ظهورهم.

4/ هذه العادة ارتبطت بالفخر والخيلاء وهو من المحرمات في الشريعة ، فكثيرون يقدمون عليها من باب الفخر والخيلاء وإثبات الذات ، فالبغي والفخر والخيلاء من منهيات الشريعة الإسلامية ، فالفخر هو التعالي والتكبر بما يكون للإنسان من صفة أو ما يكتسبه من معنى. والخيلاء هو التعاظم في النفس وكذلك الإباء عن بذل الحق، واللجوء إلى ما تزينه النفس والشيطان.

وبعضهم يسمي هذه العادة تراثاً !! وبالتالي يرى وجوب المحافظة عليها ، فتبّاً لهذا التراث .. وبئست العادة والعرف السقيم ، وإن محل هذه العادة الذميمة ليس الاحتفاء بها والمحافظة عليها وإنما محلها الصحيح أن توضع (تحت الأقدام) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ) رواه مسلم. وعجبي لأناس لم يجدوا أن يثبتوا للناس وخاصة النساء !! رجولتهم وشجاعتهم ومروءتهم إلا في كشف ظهورهم وتعريضها للجلد كما يجلد البعير الشارد ، فيسيلون دماءهم ويؤلمون أجسادهم ، فليست الرجولة تثبت بذلك : أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل***ما هكذا يا سعد تورد الإبل!! وحُقّ في وصف المتعاونين على الإثم والعدوان في تنفيذ هذه الجريمة والمشتركين فيها وهم (الجالدين) و(المجلودين) و(الحاضرين من الرجال والنساء) و(المزغردات والمغنيات من النساء!!) حُقّ في وصف هؤلاء جميعاً قول القائل :

يقضى على المرء في أيام محنته***حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وحضور النساء وزغاريدهن بحضرة الرجال في تلك الحفلات منكر آخر لا تخفى أدلة تحريمه.

الرجولة الحقيقية هي التي جاء وصفها في القرآن الكريم (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).

إن التكييف الفقهي لهذه العادة يبين تحريمها وترتّب الإثم على الواقعين فيها ، هذا من جهة النظر الفقهي ، وهي جريمة جنائية لا مرية ولا جدال ، وجريمة تتعلق بالصحة ونقل الأمراض المعدية ، وعليه فإن على الجهات المختصة في المجالات العدلية والشرطية والصحية مهمة إدراج هذه (الجريمة) ضمن الجرائم التي يجرِّمها القانون ، ويعاقب عليها ، وأتمنى أن تطول العقوبة من يصورونها ومن يرفعونها على المواقع الإلكترونية..

وأتمنى أن من يصله نصحي من الواقعين في هذه (الجريمة) أن يقلعوا عنها ويتجردوا من الهوى فإن في ذلك خيرهم في دينهم ودنياهم وأجسادهم ..

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]


‫6 تعليقات

  1. نفعنا الله بك وبامثالك من العلماء الذين هم ورثة الانبيا، ورزقك الله تعالى العلم مع العمل والاخلاص

  2. واضافة لما عددت اخي دكتور عارف كل هذه السلبيات والمفاسد الاجتماعية والشرعية ، انا لا ارى مبرر في وقتنا الحالي بعد التعليم والتطور الاجتماعي ان يكون الرجل كما جمل او اي حيوان يضرب بهذه الطريقة ليبدي فراسته في حين اذا طلب منه صد العدو او الخروج توارى واندس مع الخوالف ..
    الى جانب ماذكرت دكتور عارف فقد انتفت في وقتنا الحاضر ميزة اعجاب البنت بالذي يجلد او يضرب ، واغلب حفلات السوط اصبحت رجالية ويعزفن عنها الفتيات ولا يحضرنها ما عدا القليل لاشمئزازهن منها ومن منظر الدم ..
    المصيبة في ان المضروب بالسوط وتقيّح ظهره يظل اياما بل اسابيعا نائما على بطنه ولعمري وكاني سمعت انها من الاوضاع التي نهى عنها الرسول عليه الصلاة والسلام ..
    وكذلك اخي الدكتور عارف هذا الذي يظل طريح الفراش لا يزوره ولا يسأل عنه لا من صفق له ولا من زغردت من اجله ، الى جانب انه تعطل عن العمل واصبح عالة لغيره ليطعمه ويسقيه لفترة من الزمن لعدم مقدرته على العمل ..
    الى جانب ايضا ما يمكن ان يحدث او ينتقل من الامراض التي يمكن ان تنتقل عن السوط ومن اكبرها مرض نقص المناعة المكتسب .. الايدز ..
    الى جانب كما ذكرت انتشار هذه الصور في الشبكة اوسمنا بوسم الجهل والبلادة للسعي للضرب ..

  3. [COLOR=#0A00FF][SIZE=4]وما هي المفاسد الشرعية والأضرار الصحية للفساد وسرقة الأراضي وأكل أموال الشعب
    يا علماء السلطان[/SIZE][/COLOR]

  4. جزاك الله خيراً فقد تطرقت إلى أمر كان عندنا يفعل بطريقة متواترة وعادية في منطقة دارحامد ش/ كردفان ويتباهى به الناس في الأعراس ومن الأمور التي كان تصاحب القشاط ( وهذا هو الاسم الذي كان يطلق عليه عندنا) هو أنبعض العرسان أو غيره يعد السوط بطريقة مؤذية فيحرق رأس السوط حتى يكون قاسياً ويغور داخل الجلد وكان بعضهم يسمم رأس السوط بدم السحالى وغيره حتى يكون أكثر إيذاء وحتى يقال بأن فلاناً ضربع شديد !! وهي بلا شط عادة جاهلية يجب التخلص منها ومعاقبة من يعاقرها وتسجيلها من التراث البائد الذي يجب أن يذكر بسوء لا أن يذكر بخير البتة !! كما يجب أن يمنع الاعتداء على (أفراس النهر) التي تجلب منها هذه السياط وتباع في الأسواق كسوق ليبيا وغيره وبعضها يصدر إلى الخــارج ليعاقب به المناوئون السياسيون ك:مصر ويسمونه الكرباج , كما يجب معاقبة المعتدين على الحيوانات البرية كالأفيال , كيف يتبرع السودان بكذا رطل من العاج ليصدر إلى بيت المقدس ؟ ما الفائدة من ذلك ؟ هل في ذلك ثواب ؟ حاشية : هناك بعض الأشياء الشكلية أود توضيحها ,1/ في قول الركابي : بدل الشرعي بالممنوع والمراد من كلامه تفضيل الممنوع , فصياغة العبارة خاطئة , والصحيح أن يقال : بدل الممنوع بالشرعي , لأن الباء تدخل على المتروك , قال الله تعالى( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) 2/ بيت الشعر صحته 🙁 أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ,@@ ما هكذا تورد يا سعدُ الإبل) وإلا فإن الوزن العروضي سينكسر لمجرد التقديم والتأخير !! والله أعلم

  5. جزاك الله خيرا، لكن عندي ملاحظة مهمة على كلامك وهو انك قلت قانون ما قانون، رايئ لو تستخدم كلمة الشرع احسن (ولا شك) بما أنك زول شريعة، يعني لو في حد نؤمن به ونصدقه ونتحاكم ليو، لو ما في يجعل تعزير لكل قاضي وعلى حسب الحاجه،
    وانصحوني وافيدوني لو كان في كلامي خطأ حتى اتراجع واتوب الى ربي منه، والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم