مؤتمرات “الوطني” واختبار الإصلاح.. رغم التحذيرات والدعوة لمحاربة التكتلات إلا أن بعض المواقف تستبين معها صعوبات الحزب في الفكاك من مسألة “طبخ” النتائج
لكن بالمقابل هناك مؤتمرات تجدها غارقة في بعض التفاصيل التي تحيل المؤتمر أحياناً إلى فوضى، يصل بعضها للشتم والضرب، وإن كانت ولاية الخرطوم لم تشهد مؤتمراً تبادل فيه المؤتمرون اللكمات، لكن هناك مؤتمرات لا تخلو من الشد والجذب، يقول كامل مصطفى نائب رئيس المؤتمر الوطني بالولاية في تصريح سابق ما معناه أن ما يحدث هو اختلاف في وجهات النظر حرصاً من الأعضاء لتجويد الأداء”.. حرصت بنفسي على حضور عدد من المؤتمرات، لكن ما خرجت به في بعض منها أن الكثير من قواعد الحزب الحاكم بعيد جداً عما تموج به مجالس القيادات العليا بما يعرف بالإصلاح.. فلا زال الشق واسعاً لتنزيل تلك الوثائق إلى أرض الواقع، الكثيرون سيما البسطاء من الذين ينتمون إلى الوطني لا فكر لديهم بما عُرف “بالوثبة”، يحرصون على حضور المؤتمرات انطلاقاً من أنهم أعضاءً في “الوطني”، بعضهم طامع في تصعيده إلى مستوى أعلى.. وآخرون ينظرون للأمر من زاوية أن يتم اختيارهم. رغم التحذيرات والدعوة لمحاربة التكتلات إلا أن ثمة مواقف يمكن أن تبين مدى الصعوبات التي تواجه الحزب في الفكاك من مسألة “طبخ” النتائج وإخراجها جاهزة.. في بعض المؤتمرات بشرق النيل، عندما فتح باب الترشيح تخيلت أن الأمر يأخذ منحى التدافع والتنافس في ترشيح الأسماء، لكن في النهاية جاء أحدهم يحمل ورقة فيها ما لا يقل عن خمسة عشر اسماً دفع بهم كمجلس شورى منطقة، وآخر استكمل الباقي بورقة أخرى فانتهى الأمر، لا أحد يعترض ولا أحد يبدي رأياً في الترشيحات، وهو ربما جاء في إطار (الإجماع السكوتي).
قل ما تجد نقداً مباشراً يمكن أن يوجهه عضو في الحزب للسياسات التي يعتبر هو جزء منها، لا أدري إن كان للأمر علاقة بأدبيات الحزب ونظمه في إطار الالتزام الحزبي، ولكن في منطقة الشهداء التي تضم الصحافة ومربعاتها، وفي مؤتمرها الذي انعقد مساء أول أمس داخل نادي الشباب بالمنطقة، وبعد أن قدم ممثل الدائرة في المجلس التشريعي ورئيس المؤتمر بالمنطقة خطابيهما، قال رئيس الجلسة “نفتح الباب لفرصتين فقط للمداخلة ” لكن الذين أخذوا الفرص تحدثوا بشيء من المرارة، قال أحدهم مخاطباً معتمد الخرطوم اللواء عمر نمر الذي كان يجلس في المقدمة: “إن أكبر مشكلة تواجه الخرطوم هي النفايات التي تسبب تردياً بيئياً، وتظهر مدى تطور المجتمع ورقيه”، بعدها أخذ “المايكط شخص آخر يبدو من ملامحه أنه رجل متقدم في العمر بما يعرف بالقيادات القديمة، قال الرجل: “المشكلة أننا دائماً نقول كلاماً ممتازاً ومنمقاً ويحمل القيم والرسالة، ولكنّا لا نعمل به”، وأضاف: “نتحدث عن الشورى، لكن أنا واحد من الناس كنت مصعداً من شعبة الأساس ولكن بكل أسف لم أجد اسمي وهذا يسمى تهميشاً ويجب محاربته”، وزاد الرجل غير مبال بقيادات الحزب التي تواجهه مباشرة: “كل الحديث نضرب به عرض الحائط ولا قيمة، كفاية كذب وكفايا تضليل وكل التقارير لا تحمل كملة صدق”، من خلال نبرة الرجل يبدو أنه يتحدث عن مشكلة شخصية واجهته، ولكن كلمته وجدت تجاوباً من قبل الحاضرين.
الملاحظة الأكثر بروزاً هي أن رد قيادات الحزب لمداخلات المؤتمرين لا تحمل أي شيء من التهديد أو الوعيد بحسبان أن ما قالوه لا يتسق مع الخط العام، وهذا ربما يعود لسببين: الأول أن المناسبة مؤتمر في نهاية دورته وهو أمر يتطلب الحديث بشفافية نقداً وتصويباً وتوجيهاً، كون الناس في درجة واحدة من المسؤولية، والسبب الثاني هو القيادات التي تشرف المؤتمر تتحدث بشيء من اللين وعيونها على المؤتمرات الأعلى، لجهة أن أي حديث قد يطيح بهما في نهاية المطاف، بحسبان أن الكلمة للقواعد، بالتالي يأتي الرد فيه شيء من الحكمة والتأني.. معتمد الخرطوم اللواء عمر نمر كان حاضراً في الكثير من المؤتمرات التي عقدت في محليته كونه رئيس الحزب في المحلية، ما يشي بأن الرجل يرمي بصره بعيداً إلى حيث المواقع المتقدمة في المؤتمرات المقبلة. في مؤتمر سابق، قال الرجل لعضوية الحزب: “أرفعوا راسكم فوق.. لأن قياداتكم غير فاسدة”، لكن نمر في رده على مداخلات الأعضاء في مؤتمر منطقة الشهداء المشار إليه تحدث بصورة مباشرة داعياً القيادات إلى ترك التشكيك في بضعها، لأن ذلك أمر يهدد وجود الحزب، لكن في قضية النفايات قال نمر إن ما وفرته المحلية في موضوع النفايات والخدمات كاف، وأضاف: “الآن وأنتم قادمين في الطريق ألم تروا الإنارة والشوارع النظيفة.. ما هي الخدمات التي تتحدثون عنها؟”، أقسم الرجل بأنه لم يتبق له إلا أن يدخل بيوت الناس لينظفها، وحمّل المسؤولية في النفايات للمواطن وعضوية الحزب الذين قال إنهم ينبغي أن يكونوا على قدر المسؤولية وسنداً للحكومة.
لأول مرة يظهر منذ فترة بعيدة، فالحاج آدم يوسف نائب الرئيس السابق، آثر الاختفاء عن الأنظار، ليس معروفاً أن حدث ذلك بفعل فاعل أم برغبة الرجل؟.. مساء أمس الأول، لم يخرج الحاج عن طريقته في توصيل الرسائل التي تحمل قدراً من التخويف، فاعترافه “أنا دائماً بعض الناس يقولوا لي أنت تصعب الأمور، ولكن نحن أمام تحديات تتطلب منا الوقوف”، الحاج كأنه يعمل بنظرية.. “أصعب الفروض لأفضل نتائج”، كثيرون ممن عاشروه في العمل يجزمون بأن الرجل صعب المراس، لا يميل إلى أنصاف الحلول، يدفع بالصعوبات أمام العضوية، قال في ذاك المؤتمر: “إن الحزب لا زال يعاني من مشاكل التمسك بالمواقع” وأضاف: “نقول للإخوة تأدباً وتمشياً مع وثيقة الإصلاح يجب أن يذهبوا ويتركوا المواقع لآخرين”، فالحاج هنا يتحدث بلسان المجرب كونه ترجل عن موقعه طوعاً، وزاد الرجل قائلاً: “ما عندنا رئيس أو والي أو عضو مجلس تشريعي يدخل الحكومة بشطارته أو ماله أو قبيلته إلا بقرار القيادة” وزاد: “ما في قبيلة تستطيع أن تلوي يد الحزب وتفرض شخصاً إلا بموافقة القيادة”، ويبدو واضحاً أن رسائل الرجل ترمي بعيداً إلى حيث الانتخابات المقبلة، وبصورة أدق يقصد الذين يترشحون بصورة مستقلة ويخرجون عن النظام.
صحيفة اليوم التالي
أ.ع