منى سلمان
جقيمات الموية
أهل علينا الشهر الكريم وشمس الظهيرة الحنينة تمد أشعتها الباردة بحنان لتمسك بها ألسنة الصائمين وتنشف ريقهم قبل أن ينتصف نهار اليوم، وبعد أن نعمنا بصيام الشتاء لسنين عددا، استدار الزمان كهيئته الأولى وعادت إلينا سنين الصيام في الصيف.
لرمضان في ذاكرة الطفولة شئون وشجون ولقد ارتبطت ذكريات الاستعداد لرمضان باجتماعات الراكوبة في شعبان التي تجتمع فيها نسوة الحي ل (عواسة الآبري) عواسة جماعية، وتقطيع وتجفيف البصل وطحن البهارات، كان ذلك يمتد لأيام نعيش فيها الفرح الطفولي باللمة والونسة واللعب غير المحدود، كما ارتبطت بعبق الروائح المصاحبة لبهارات الآبري ودموع تقطيع البصل الممزوجة بضحكات النساء.
وعندما يهل الشهر الكريم تتغير مع تغير مواعيد الوجبات فيه الكثير من العادات، فتتغير قوانين مواعيد اللعب فبعد أن كانت آخر أوقات اللعب المسموح بها هي مغيب الشمس فيصيح فينا الكبار:
خلاص يا شفع .. بطلوا اللعب الشمس غابت.
تصير أوقات اللعب في رمضان بدون نهاية، فبعد السفسفة بغير (وعي) والتي تنتهي بالقيء أحيانا لكثرة ما نحشو بطوننا به من مشروبات ومأكولات، ننتقل للعب والبرطعة في الشارع على (البروش) المخصصة لإفطار الرجال الجماعي في الحي حتى تحين مواعيد صلاة العشاء والتراويح في (الزاوية) التي نسعد فيها باختراق الصفوف ومحاولة شد انتباه أمهاتنا بجر أيديهن والدخول تحت أثوابهن أثناء السجود، ثم يمتد سهر الأنس الذي لا يقطعه سوى سلطان النوم الذي يداهمنا فجأة فننام كيفما اتفق، على الأرض وفي البروش وعلى حجور أمهاتنا وتحت أقدام الآباء فننقل لأسِرتنا لننعم بالنوم الهانئ حتى صباح يوم جديد.
كانت بداياتي مع الصوم الفرض في أقسى شهور الصيف، فكنا نقضي نهار الصوم تحت المروحة بعد أن نقوم بفرش بطانية على الأرض لنتمدد عليها وجردل من (الموية الباردة) يقبع بيننا في الوسيط، نقوم ببل ملابسنا وتوب الغطاء ثم نتدثر به من قمة رؤوسنا حتى أصابع أقدامنا ونركن للنوم، الذى لا يقطعه سوى لسعة الجفاف والتصحر الناتجة من جفاف التياب، فنعاود تبليلها ثم نواصل النوم، لكننا كنا نجبرعلى الاستيقاظ قرب المغيب بعتاب أمي:
هو ده صيام شنو ده يابناتي .. الا فيهو صلاة ولاعبادة .. قومن صلن!!
فنستيقظ محمري الأعين، مع عتمة في الرؤية مصحوبة بدوائر سوداء تظهر أمام العيون بسبب (الدوشة والزغللة)، وطنين في الإضنين. أما الريق فـ(دقيق)، ولولا القليل من (جقيمات المويه) التي نختلسها لبلع الريق أثناء الوضوء، لكنا قد رحنا فيها .. على قولة أحد المتأبلسين!!
ومع التلاوة التي تسبق الأذان، كنا نتهيأ للإمساك بكبابي الموية ثم نقربها من أفواهنا مع كركبة المايكرفون لنعب منها عباً مع الأذان حتى تخور قوانا ونكاد نهلك غرقا في الآبري، ولذلك كان مشوار فريق المويات ضرورة حتمية في الأمسيات الرمضانية.
وعكة صحية طارئة منعتني من تهنئة الاصدقاء والاهل والاحباب بحلول الشهر الكريم .. كل عام ونحن وإياكم بخير تصوموا وتفطروا على خير ويمن وبركات.
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]