عند عودتي النهائية من الغُربة قبل أربع سنوات ، إلتقيت بصديق وأخ عزيز شاب خلوق معدنه نفيس ، من القِلة الذين لم تغير طباعهم تقلبات الحياة ونعيمها الزائل والزائف وأمثاله الخير فيهم أصيّل وليس بدخيل كبعض الأصدقاء الذين يستغنوا ببحبوحة عيشهم عن الناس ، وينسون أن دوام الحال من المحال ، فمن روائع الامام علي كرم الله وجهه لا تعاشر نفسا شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل، وعاشر نفسا جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل ، تجاذبت مع صديقي الودود أطراف الحديث بعد سنوات من الفراق ، وفؤجئت أنه لازال بالدرجة السابعة في عمله رغم ترقيّة زملائه الذين كانوا معه بل إعتلوا الدرجات العلى ووصلوا إلى الخامسة وبعضهم قفزوا إلى الرابعة بقدرة قادر ! وهو لازال يراوح مكانه منذ سنوات ، دُهشت من قول صديقي ، لعلمي التام أنه مخلص ومجد و صادق وأمين في عمله ، وشهادتي فيه ليست مجروحة إنما هي حقيقة يعلمها القاصي والداني حتى مرؤوسيه ، سألته عن السبب أجابني بطرفة وزهد غير مكترث لما أصابه من ظلم فقال لي : السبب أنني مابعرف أكسر تلج ! ، صمت برهة لأنني كنت أجهل معنى المصطلح ، وشعرت أن الرجل يحاول أن يطوي الحديث في هذا الأمر مفوضاً أمره لله ، فأدرنا حواراً آخر ، و بعدها إستقال صديقي عن العمل وأبدله الله بخير منه ، ولاحقاً ولأول مرة أعرف معنى المصطلح ، وفي ظنّي أنه بمعنى النفاق الإجتماعي وهو أن تبالغ في المدح والتودد والإطراء والمداهنة و الكبكبة لرئيسك في العمل لتنال حظوته لأننا وللأسف في بلادنا غالباً ما ننال الدرجات العلى بقدر محبة و مزاج مديرك ومدى قربك منه بتكسير التلج أوبلوراته ، ولن تشفع لك أحياناً مؤهلاتك و أداؤك ولا أمانتك و صراحتك وجرأتك في قول الحق بل قد تبقيك كما كنت هذا إن لم تذهب بك إلى التوج ، والغريب في الأمر أن مدير شؤون العاملين في مؤسسة صديقي الذي يمسك بملف الترقيات حسب درجة مزاجه معك ، لازال متربعاً على عرشه منذ نحو ربع قرن أي والله قرابة الربع قرن مديراً لشؤون العاملين وكأن حواء السودانيّة عجزت أن تلد مثله ! وهذا داء آخر يُعرف بمصطلح الكنكشة ، والرأي العام دوماً مايسلّط الأضواء على المكنكشين في أعلى الهرم ، وينسى من هم أخطر منهم وهم المكنكشون أو الديناصورات من مدراء المصالح والمصارف والمؤسسات والهيئات الحكومية وغيرها ، وهؤلاء ضررهم أشد لأنهم يغلقون سقف الطموحات والتطلعات ويقتلون الهمة ودافع التقدم للإمام وسط الشباب ، فالإعلام والرأي العام منشغل بالنظر في أعلى الهرم وينسى أن أسفله من هو أشد فتكاً وإضراراً بالمجتمع ، التغيير مطلوب وعاجل لهذه الديناصورات إبتداءً من رؤوساء الأقسام مروراً بمدراء الإدارات ثم المدراء العامِّين الذين التصقوا بكراسيهم لسنوات ويتحكمون في خلق الله بالمزاج ويغلقون كل الأبواب ولايعطون متنفساً للشباب ، هؤلاء هم الداء الذي يجب إستئصاله ، فقد تلذذوا بالمخصصات وتنعموا بالبدلات ومصوّا دماء المؤسسات ، فأصبحوا عالة وإستنزاف لموارد البلاد ، وهم في الظل دون أن ينتبه لهم مسؤول أو رأي عام ، فلابد من ضخ دماء جديدة وعقول منفتحة بديلاً عن هذه الديناصورات البيروقراطية المقاومة للتغيير ، فالقيادة هي القدرة على التأثير وتحفيز الأفراد بدلاً عن تثبيطهم وإدارتهم على المزاج . فالخدمة المدنية في بلادنا تحتاج منّا للكثير فأمثال من ذكرت هم الذين يأخرون مدد السماء بظلمهم وحبهم لنفسهم وتميزهم عن غيرهم وعدم عدالتهم مع موظيفهم في الحوافز والترقيات والبعثات والمأموريات والتدريب الخارجي الذي يجلب الدولارات ، فمتى نتعافي من كسير التلج ونستأصل داء الكنكشة لمديرين ومديري إدارات كأنهم ملتصقون مع كراسيّهم بلحام .
إلى لقاءبقلم : محمدالطاهر العيسـابـي
[email]motahir222@hotmail.com[/email]
صحيفة السوداني
[SIZE=5]صدقت ديل عايزين بلدوزرات عشان تقلعهم [/SIZE]
رحم الله شاعرنا اسماعيل حسن عندما قال لوالدتة وهو صادق
(كان نجحت بجيك غانم وكان فشلت بجيك ضراعي )
فكانت الوظيفة هي حلم الناجحين اما الان كل الفاشلين يتربعون على كرسي الوظيفة رحم الله الخدمة المدنية
مقال رائع يحكي حالة الخدمة المدنية لديناولكن غالبا ما نطرح المشكلة ولكن الحلول تظل الحلول في حكم النسيان، ان عدم المبالاة والتخطيط وعدم الترقي والنظر الي المستقبل هي آفة المتعلمين ولا حرج علي الجهلاء.
وشكرا
عبداللطيف حسن
يا عيسابي البنوك دي معروف عنها ان مدير شئون الموظفين فيها مسئول التنظيم في البنك .
لذا الصحيح انه صاحبك غير تابع للجماعة و لو كان تابع للجماعة لكان رقي واصبح مدير فرع كمان
لذا قول لصاحبك احمد الله انه ما شالوك للصالح العام .
[SIZE=6]يعجبني سردك الجميل يا استاذ العيسابي اتوقعك مشروع لكبار الكتاب في بلادي [/SIZE]