منى سلمان

يا بركة المغارب وسيدي علي أبو طالب

[ALIGN=CENTER]يا بركة المغارب وسيدي علي أبو طالب[/ALIGN] ساعة الشروق من أحب أوقات اليوم الى قلبي، وأعظم متعة لي هي الاستمتاع بمشاهدة شروق الشمس ساعة بزوغها وصعودها نحو الأفق، فساعات الفجر مربوطة برباط من الحميمية مع كل ما هو ايجابي وجميل في حياتي .. لا اعي منشأ وبداية احساسي بمحبة الشروق ولكنه نما وتبلور إبان دراستي في الخارج لارتبطه دائما بمواعيد عودتي للسودان، فـ بعد شهور الغربة والعنت والجفاف العاطفي تكون العودة دائما في ساعات الفجر الأولى، ولكم أسعدني الحظ بمتابعة جمال شروق الشمس وسط الغيوم من خلف نافذة الطائرة قبل هبوطها في مطار الخرطوم .. غايتو كان ما الظروف كنا بقينا شعراء عديل !
بعد طول الجفاف ومحل الغربة يأتي الري مع نسائم الصباحية متمثلا في حضن أبي الدافئ المشرع لاستقبالي في المطار، ثم انطلاقي معه في عتمة الفجر بالسيارة التي تنهب بنا الطرقات الخالية نهب المشتاق لتوصلني لحضن أم درمان ومن ثم حضن أمي وإخوتي الحنان.
بـ قوة تماثل قوة مشاعري نحو الشروق ولكن تعاكسها في الاتجاة، كان وما زال احساسي بالغروب .. فأنا اتشارك مع شاعر المهجر (جبران خليل جبران) الشعور بالقتامة والكآبة الذي تحمله ساعة غروب الشمس، والذي ابدع في التعبير عنه وصياغته في قصديته (اني اقمت على التعلة بالمنى) .. فقد شبة في القصيدة قتامة مشاعره بكآبة الغروب والذي اعتبره مصرع للنهار وضوئه كما في قوله:
تغشـى البرية كـدرة وكأنـهـا .. صعدت الى عينى مـن احشائي
والافـق معتكـر قريـح جفـنـه .. يغضيى علـى الغمـرات والاقـذاء
يا للغروب ومـا بـه مـن عبـره .. للمستـهـام وعـبـره للـرائـى
او ليـس نزعـا للنهار وصرعـه .. للشمـس بيـن ماتـم الاضــواء
أوليس طمسا لليقين ومبعثا للشك بين غلائل الظلماء؟
أوليس محوا للوجود إلى مدى وإبادة لمعالم الأشياء؟
يرتبط غروب الشمس بالكثير من الاعتقادات والتقاليد النسائية، فـ نفض الاسبار يتم ساعة المغرب، وإجراءات فك الكبسة تتم في غالبها ساعة الغروب وفي مواجهة القمر ساعة ظهوره، ويحظر على زوجة الميت مغادرة خدرها ساعة الغروب، كما يرتبط الغروب في الوجدان الديني بساعات قبول الدعاء وحضور الملائكة، ولكم رأينا أيدي حبوباتنا ترتفع بالدعاء تضرعا لله ساعة سماعهن لاذان المغرب، وتبركا بـ (يا بركة المغارب وسيدي علي ابو طالب) أو(يا بركة الليل الأمسى والاوقات الخمسة).
كما يحتل الغروب موقعه المتميز في قلوب الشعراء من زوي القلوب والاحاسيس المرهفة، والفنانيين والتشكيليين والعشاق .. وطبعا المشوكشين المكتويين بفرقة الاحباب والدليل (ألولو) التي تغنى بها ابراهيم حسين:
مع ساعة الغروب مشيت أسأل عليكم .. حليلكم يا أحبة وحليل آمالنا فيكم
وان خالفها حمد الريح عندما تغنى:
( نحنا راجعين في المغيرب للديار لا حد يشوفنا لا نشوفو) ..
ومثلها كانت العودة من الحقول والعمل لحضن البيوت بعد الاجتهاد في السعي لكسب الرزق.
لا استطيع ايضا أن أميز بدايات سعي الدؤوب لتجنب ساعة المغارب، ولكنه طغى وتمدد حتى صار كـ محطة (قف تأمل مغرب العمر وإخفاق الشعاع) في سنة برلمتي الأولى، فقد كانت بلكونة غرفتي تواجة جهة الغرب مباشرة، لذلك كان لون الضوء فيها يتحول لحمرة دموية ساعة الغروب، التي تتزامن مع عودتي من الكلية مجهدة وتعبانة وطابعا فاقدة حنان أهلي ناس السودان، لذلك كنت اسعي لتجنب رؤية مشهد الغروب بغلق ستائر الغرفة واضاءة الانوار حتى يكتمل دخول الليل، وتلك عادة صاحبتني حتى اليوم فما أن (الواطة تمعصر) .. دي جاية من تبقى عصر! حتى اسرع باضاءة كل الانوار وأتضايق بشدة اذا ما اغلقها احد قبل دخول الليل.
يقال أن الممثلة العالمية (ناتالي وود) كانت تكره البحر وتخافه بصورة غريبة، ورغم اجادتها للسباحة إلا انها كانت تتجنب البحر وتكتفي بالبلبطة في حمامات السباحة، ويقال انها اسرت لبعض خلصائها انها تخاف البحر لاحساسها بأن نهايتها ستكون فيه وهذا سبحان الله ماحدث بالضبط، فقد زلت قدمها وسقطت في البحر من على يخت في رحلة بحرية، ولأن الوقت كان ليلا لم ينتبه لها احد وظلت تصرخ طلبا للنجدة حتى خارت قواها وغرقت كما تنبأت لنفسها ..
عندما اتذكر مأساة (ناتالي) وتتردد في خاطري ابيات جبران:
مـرت خـلال غمامتيـن تحـدرا وتقطـرت كالدمـعـه الحـمـراء
فكأن اخردمعـه للـكـون قــد مزجـت بآخـر ادمعـى لرثائـى
تمتلكني فكرة انو ساعة انقراضي ان شاء الله بعد عمرا طويل – حا تكون في المغرب .. غايتو لو ده حصل لما نقبال يوم القيامة حا اذكركم كلامي !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫10 تعليقات

  1. بالمناسبة هذا العنوان يذكرنى المرحومه والدتى ويثير فى نفسى اشجان لاننى اتذكر كلما يحل المغرب تردد العبارات المذكوره فى المغارب انها حقيقه لحظة غريبه المغرب وانا نفسى تعودت ان لا اكون فى مكانى فى المغرب وخاصة وانا ملازم الغربة الموحشة طيب الله ثراها والدتى .. ان المغرب لحظات فيها اندفاع وجدانى غريب مرتبط بنفسية الانسان وهو لحظة تثير الشجن فى نفس الانسان وتعطى احساسا بان الليل قد دنا باسراره لان هذه اللحظة ما بين غروب الشمس وظهور الليل تعنى الكثير للا نسان الذى يتامل قدرة الخالق فى الكون هى لحظة ايمانيه ثره مملؤة بالمشاعر الدفاقه لدى الانسان واننى لاعجب بالكتابه التى لمست هذا الجزء من اليوم مستدله بقول الشاعر جبران خليل جبران ونحن ندرس هذه القصيدة خلال المرحلة الثانوية هذا يدل على ان الكاتبه ذات احساس عالى واضيف فى لحظة المساء رائعة الفنان سيد خليفه ولى المساء ولى المساء ورائعة محمد وردى يا اماسى الغربه فد يوم فريحنا كل هذه الاشياء تظل فى ذاكرة الانسان لحظة المساء وكانما لحظة وداع حزينه لليوم وهنا تتجلى عظمة الخالق وهذا الملكوت الرائع الذى لا يمكن ان تبتدعه ريشة فنان لانها هى هنيهة من الزمان سريعة تترك اثار عميقه فى نفس الانسان وكل يوم هو فى شان حقيقة ان ترجمة هذه الاشياء تثير فى النفس شجن لا يمكن ان ينسى من الذاكره وهى جزء فى تكويننا الداخلى هذه اللحظات تعنى اشياء كثيرة لا يمكن للمرء ان يتناسها وتتجلى العظمة فى ريفنا الحبيب حيث تخبو انوار المدينة وكما قال الشاعر :-
    هضاليم الخلا البنجاطن والبندر فوانيسو البيوقدن ماتو
    ان المساء هو احساس ضبابى جميل

  2. 😎 😎 😎 نهارك سعيد اخت منى وربنا اذيد وابارك واجمل شئ وقت الغروب فعلى كل شخص ان يتامله لان له صدى عجيب فى النفوس وانا واحدة من الناس بحب ساعة الغروب وبحب دائماً الاقانى فى البحر لان المنظر بكون اجمل بكثير وبنودى اخواتنا بعد اتمام الاربعين حسب التقاليد المعروفة لدى بعض الاسر بنمشى مع المغيرب حتى نستمتع بغروب الشمس ودعوات الامهات والحبوبات بركت المغارب وعلى ابن ابى طالب والشمس جميلة فى غروبها وشروقها وسبحان الله المصور البديع تجلت قدرته.

  3. الاستاذة منى اطال الله فى عمرك وامد الله فى ايامك انا من المتابعين لمقالاتك اليومية
    حيث تشدنى مواضيعك ياريت لو حاولتى تدخلى مجال الرواية والقصة القصيرة فنراك ضليعة فى هذا المجال نرجو تدرسى الامر والى الامام استاذتنا الغالية:cool:

  4. اني اقمت على التعلة أمني النفس بالمنى
    فما كل عزمي في رجاه وما ونى
    وما غابت الشمس ولا أصابها العنا
    ولكن نور محياك أخجل منها السنا
    فمضت في الأفق البعيد وولت عننا
    وتركت لنا ما نستضيء به إذ الليل جنى
    منى السلمان كوكب دري وجدته ها هنا

  5. وينك ابو عبدالله- ما تاخذ الامور بحساسية شديدة فبعض التباين في الافكار و الرؤي لا يفسد للود قضية ونحن عايزين ننظر للاشياء من كل الزواياو نريد ان نري كل الالوان التي تزين اللوحة حتي ولو كانت ضبابية- قرأت تعليقك في مقال سابق وشعرت بانه اصابك بعض رزاز القول من انك تبقي في الحلق- فانك ان بقيت في الزور فذلك دليل عافية فلا تتقاعس بتقديم رأيك و تعليقاتك و اضاءتك تنشر بعض البهار في بعض ما يثار. لك التحية و للكاتبة الرائعة التقدير و الاحترام .

  6. احى فيك اخت منى هذه الكتابات الشيقة والتى تنقر اوتار احسيسنا التى كثيرا ما نفقدها مع احداث الحياة المتسارعة الاليم منها والمفرح وهذا مقالك الثالث الذى اطلع عليه وفعلا كتاباتك شيقة اعانك الله

  7. لم افهم اخر فقرة من السطر الاخير( غايتو 0000:confused:
    ارجو الافادة للاهمية حتي اتواصل معكم 000