تحقيقات وتقارير

مستشفى الخرطوم : صراعات.. وضياع حقوق!! (1)

مستشفى الخرطوم التعليمي.. أحاديث عن اشكالات.. وصراعات.. وتخبّطات إدارية.. وأوضاع صحية متردية.. ومصالح تدار من وراء الكواليس.. ما قصة المستشفى الجنوبي وهل صحيح إنه يقوم على أكتاف مستشفى الخرطوم.. وأجهزة «اللودكس» التي استجلبت من جنوب أفريقيا والتي يقال إنها كلّفت أكثر من مليون دولار ولم تستفد منها المستشفى.. ولماذا استقال عدد من الاختصاصيين من المستشفى.. ولماذا تتراكم المديونيات عليها.. هذه الأسئلة وغيرها حاولنا الحصول على إجابات لها عبر استقصاء الأمر من داخل المستشفى بالجلوس إلى العاملين الذين يصفون أنفسهم بأنهم «واطين الجمرة»، وإدارة المستشفى..

? ثلاثة أيام قضيتها داخل مستشفى الخرطوم متنقِّلة بين أقسامه المختلفة استقصاءً للحقائق وتثبتاً مما سمعته عن ما يدور داخلها.. وقد ركّزت هذه المرة على أن يكون الحديث مواجهة بين أهل البيت الواحد أي من يعمل بالمستشفى ومن يديره، انطلاقاً من مقولة «أهل مكة أدرى بشعابها».. لذلك أغفلت المرضى المتلقين للخدمة متعمدة.. وربما لا يخفى على أحد كثرة الأقسام الموجودة بالمستشفى التي لا يستطيع هذا التحقيق أن يغطيها كلها فركّزت على بعض الأقسام وبعض الاشكالات الأخرى والاستفهامات الكبيرة التي تحتاج إلى إجابات قاطعة وحاسمة..
? ولنبدأ بالأوضاع داخل المستشفى وبأسوأها من وجهة نظري وهو مجمع العيادات المحوّلة التابع للمستشفى المسمى بمجمع فتح الرحمن البشير، حيث وجدت أن أسوأ هذه العيادات هي عيادة العظام التي يعاني فيها المريض والمرافق والعامل على حدٍّ سواء.. سألت الاختصاصي الدكتور نزار النور استشاري العظام والإصابات بمستشفى الخرطوم التعليمي عن ما يحدث فأوضح أن المجمع يحوي عيادة الكسور والمفاصل وعيادة الاصابات والكسور، حيث تعد أكبر عيادة في السودان لأنها تتلقى التحويلات من كل أنحاء السودان نسبة لقلة خدمات العلاج والاصابات بمعظم مدن السودان وحتى مدن العاصمة ببحري وام درمان حوادث العظام والاصابات ليست بفعالية الخرطوم، بالتالي العدد الذي يتم تحويله إلى فتح الرحمن البشير عيادة العظام والاصابات كبير جداً.. وعن أعداد مرضى العظام، أوضح أنه «على أسوأ الفروض يتراوح العدد ما بين (80-90) مريضاً يومياً عدا الجمعة والسبت مقارنة بعدد (15) حالة كنا ننظرها عندما كنا بإنجلترا»..
? وعن أوضاع العيادة قال «نحتاج إلى ترميم البنية الداخلية حتى نستطيع أن نؤدي عملنا ونقدّم خدمة تليق بالمرضى».. ومضى ضارباً مثلاً بالقول «يفترض أن تكون هنالك غرفة منفصلة للجبص وأخرى لغيار الجروح، ولكن الآن توجد غرفة واحدة للمهمتين وهي عبارة عن غرفة (4*4) أمتار لا توجد بها تهوية وتنعدم فيها الظروف البيئية الملائمة لعمل الكوادر الطبية.. لا توجد شبابيك أو تكييف، توجد مروحة متحرّكة لا تعمل في معظم الأحيان، ونجد أن الجروح غير النظيفة يتم تغييرها في غرفة الجبص مما يساعد على نقل العدوى من مريض لآخر». وانتقل نزار للحديث عن الفريق الطبي العامل قائلاً: «لدينا اثنان (فنيا جبص) أحدهما مريض يلزم الآن السرير، ولن يرجع إلى العمل مرة أخرى، وآخر لديه خبرة (35) سنة وهو على أبواب المعاش، لا يوجد أي شخص مدرّب كي يحل محله أو حتى يساعده، كما أنهم يعملون في ظروف عمل صعبة وحوافزهم ضعيفة فالمرتب يبلغ (300ج) والحوافز لا تتجاوز (30-40ج) في الشهر، وهم يقدمون الخدمة لشريحة كبيرة من المرضي».
? وواصل نزار متحدثاً عن أوضاع العيادة قائلاً: «الجزء المخصص لانتظار المرضى مساحته لا تسع أعداد المرضى المترددين يومياً، كما أن غرفة الكشف والكراسي التي يجلس عليها الأطباء والاختصاصيين بالية ولا توجد ترابيز والجهاز الذي نرى منه صور الأشعة لا يعمل، والفريق العامل غير محفّز وخدمات الرضى مثل شرب الماء سيئة وحتى الأطباء لا يجدون ما يشربون منه الماء، مع أنهم يقضون قرابة الأربع أو الخمس ساعات بالعيادة.. والمنشار الوحيد الموجود لقطع الجبص (وهو هبة أحضرناه من إنجلترا) أصبح بالياً ولا يعمل منذ قرابة العشرة أشهر والآن نستخدم مقصاً بالياً لقطع الجبص يستغرق زمناً أكثر بكثير، وحتى معدات قطع الجبص لا توجد ونستخدم موساً أشبه بالمشرط بها درجة من الخطورة.» ويرى نزار بضرورة إدخال تحسينات في البنى التحتية للعيادة خصوصاً مع تزايد معدلات حوادث المرور حيث تُجرى تقريباً على أسوأ الفروض ما لا يقل عن (15) عملية يومياً.. ولكن هل تم رفع مذكرة تحوي بهذه الاشكالات والمطالب لإدارة المستشفى؟ نزار رد بالقول: «نعم، تم رفع هذا الكلام للإدارة قبل عام تقريباً من قبل العاملين والإدارة على علم به».
? كان لا بد من وضع ما رأيته وما قاله نزار أمام إدارة المستشفى فقصدت مكتب الإعلام والعلاقات العامة الذي سهَّل لي مديره الأستاذ جمال مبارك مشكوراً مقابلة نائب مدير المستشفى الدكتور مأمون محجوب أحمد الذي قابلني برحابة وسعة صدر وأجاب عن أسئلتي مدعِّماً حديثه معي بالمستندات.. بدأت مع مأمون من النقطة السابقة وهي مجمع فتح الرحمن البشير حيث ذكرت له الإشكالات السابقة فعلَّق قائلاً «أقر تماماً بأن المجمع عموماً بحالته الراهنة دون المستوى والطموحات، وقد قمنا بزيارته منذ ما يقارب الشهرين وبصحبتنا جهة استشارية تتبع لوزارة الصحة وأجرينا تقديرات لإعادة تأهيله بصورة كاملة وطرحنا عطاءً عبر الصحف قدمت له ثلاث شركات تأهلت واحدة منهن لإجراء التأهيل بكلفة «660» ألف جنيه، تكفّلت بها الوزارة والآن الأمر في طور توقيع العقد. ومن المقرر أن يبدأ العمل الأسبوع القادم وقد أعطتنا الشركة وعداً بتسليمه بعد (4) أشهر وستتم به إضافات، لأن الشركة الاستشارية التي أجرت التقديرات أوصت بتخصيص جزء بالطابق الثاني للمرافقين».. وعن عيادة العظام قال «أنا شخصياً قمت بزيارة العيادة لأن عيادتي المحوّلة أيضاً بالمجمع وقلت إن الغرفة «سيئة» تحتاج إلى تصليح لرفع مستواها وهي من الأشياء التي تحتاج إلى مجهود، ولكن هنالك خطة للعمل سيتم تنفيذها قريباً».
? قلت، حتى قسم جراحة العظام بالمستشفى يحتاج إلى تأهيل وصيانة؟ قال «عندما حضرت إلى إدارة المستشفى قبل (4) أشهر فوجئت بأن القسم دون المستوى فمستشفى الخرطوم أكبر مستشفى بالبلاد، وبدأنا بوضع خطة لتأهيله وصيانته بشكل كامل وقدر أن أتانا شخص خيِّر من الخارج يدعى عاطف عبدالقادر مدير المصنع السوداني الماليزي وتبرع بصيانة وإعادة تأهيل كاملة للعنابر ونحن من جانبنا قمنا بتركيب مصعد جديد لأول مرة وعن معينات العمل استوردنا (4) درلات أو مساقط يتم العمل بها في القسم وتعاقدنا على شراء ترابيز للعمليات بقيمة (43) ألف جنيه».. هذا عن العنابر وماذا عن العمليات؟ أجاب مأمون «الجهة الخيِّرة لم تلتزم بصيانة العمليات وننتظرهم للفراغ من الصيانة حتى نصينها على حسابنا صيانة كاملة، ونحن الآن في طور التعاقد مع الإمدادات الطبية لاستيراد مستهلكات العظام بأكثر من (80) ألف جنيه».
? قسم العلاج الطبيعي يعاني العديد من الاشكالات ويحتاج إلى تأهيل كامل؟ أقر مأمون بأنه في حاجة لإعادة تأهيل. وقال «القسم وضعه الحالي دون الطموحات وقد أبرمنا عقداً لتأهيله مثل مجمع فتح الرحمن البشير ولدينا خطة لنقل العلاج إلى داخل المستشفى ونقل قسم النفسية والعصبية مكان العلاج الطبيعي.. وتبلغ تكلفت تأهيله (168) ألف جنيه ضمن مرحلتين الأولى شركة استرونق التي رسا عليها عطاء التأهيل تحت رقابة عماد الاستشارية وسيبدأ فيه العمل الاسبوع القادم وقد زودناهم بأجهزة ومعدات لتسيير العمل في الفترة الأخيرة (جهاز موجات صوتية، أجهزة علاج بالأشعة الحمراء)».
? الدكتور الطيب العبيد أحمد اختصاصي الأشعة بالمستشفى يرى أن هنالك اشكالات عديدة تم الحديث عنها قبل الآن مثل الوضع في الحوادث وأجهزة «لودكس» التي تم استجلابها من جنوب أفريقيا والتي كلّفت الدولة أكثر من مليون دولار.. سألته عن اشكالية الأجهزة فقال: «الأجهزة أتت بطريقة غير صحيحة دون استشارة أهل الاختصاص ولم تعمل حتى هذه اللحظة بمستشفى ام درمان والخرطوم، كما أن القسم به ماكينة التصوير الطبي عن طريق التلفزيون والتي تقبع في صناديقها لأكثر من عامين وما زالت شركة الفاكسير تعطي الوعود تلو الوعود لتشغيل الماكينة، ولكن (هيهات)».. نقلت حديث الطيب إلى مأمون وسألته عن حقيقة الأجهزة فقال: «هنالك جهاز الأشعة الملوّنة وجهاز الأشعة المقطعية تم توفيرهما عن طريق لجنة المشتروات بوزارة الصحة الاتحادية في إطار مشروع توطين العلاج بالداخل وأنا اعتبرها من أكفأ الأجهزة وذات درجة عالية من الجودة (ماركات عالمية) تتحمَّل ضغطا عالياً ولكني سأوضح لك لماذا يشكو الناس من هذه الأجهزة»..
? هنالك حرب ضد أجهزة الأشعة الجديدة.. كانت تلك أول جملة يبدأ بها مأمون إجابته عن الكلمات التي ختم بها حديثه في الفقرة السابقة وتابع قائلاً: «أول جهاز أشعة مقطعية تم تركيبه بمستشفى عام، كان بمستشفى الخرطوم ومصدر المرضى للعيادات الخاصة هو مستشفى الخرطوم، وأكبر عدو لمستشفى الخرطوم هو شارع الحوادث (العيادات الخاصة) لأننا أوقفنا عملهم فبدلاً عن إجراء الصورة خارج المستشفى بمبلغ (250-300) جنيه.. نجريها في المستشفى بـ(125) جنيهاً. نقطة مهمة في حديث الطيب عن أجهزة لودكس التي لم تستفد منها المستشفى.. أجاب عنها مأمون بالقول «الجهاز أتى ضمن التوطين، وبه جزء (ناقص) لذلك لا يعمل، ومن جانبنا خاطبنا الشركة التي استجلبته عبر الإيميل بعد أن تحصلنا على عنوانها بمجهودات فردية وطلبت منا الشركة مبلغ (5) آلاف دولار حتى يرسلوا الجزء الناقص، وقد طالبناهم بمستند مالي يثبت أن هذه هي قيمة القطعة الحقيقية ومع أن الجهاز تجاوز فترة الضمان إلا أنهم كجهة موردة ملزمون بتسليمنا الجهاز كاملاً».. وأضاف أن قسم الأشعة الآن حديث، وكل الأجهزة التي به جديدة تعطي الأشعة بثلاثة أبعاد استجلبت كلها بعد العام 2000م، وهنالك جهازان للموجات الصوتية من أحدث الأجهزة سعرها أكثر من (80) مليوناً.
? جلست إلى بعض عمال الوحدة الهندسية الذين تحدّثوا لي عن بعض الإشكالات التي يواجهونها، قال لي أحدهم «الوحدة الهندسية تربط كل أجزاء المستشفى، ومن إشكالاتنا أننا غير مقيمين، وقد أمضينا ما بين (11-12) سنة في الدرجة العمالية، وقد طالبونا بالخضوع لكورسات تأهيل مهنية لأكثر من سنتين، ولكن دون فائدة ولم نترق، ولم يحدث أي تغيير. كما أن الترقيات تتم عن طريق الواسطات، ونحن كعمال بالمستشفى لنا ما يقارب الـ(5-6) سنوات لم يتم اعطاؤنا حتى لبسة واحة (بدل لبس)». وتابع «الكوابل القديمة كثيراً ما (تضرب) ونقوم بمعالجتها معالجات مؤقتة.. والآن الجناح الخاص للولادة (سستر اسماء) به كابل موجود عبارة عن سلوك يمكن أن يتعرّض لأي شيء وتحدث مشكلة وهو مؤقت له الآن قرابة الـ(3) أشهر.. إضافة إلى عنابر جراحة الأطفال التي بها كابل آخر مؤقت له أكثر من شهرين».. ويعتقد أنهم في حال أصيب أحدهم أثناء تأدية عمله فلا توجد لائحة أو قانون يضمن له حقوقه وضرب مثلاً بزميل لهم أصابته صعقة كهربائية بقسم غسيل الكلى وقد رفض الأطباء الذين عالجوه بالحوادث أن يملأوأ أورنيك (8)، حتى وصل الأمر للمدير الطبي الذي حدثت بينه والمريض مشاداة، إلى أن تدخل د. مأمون نائب المدير ووقف معنا وأعطى زميلنا إجازة أسبوع وهو أي د. مأمون أكثرهم تفهماً ودائماً ما «يأخد ويدي معانا».
? سألته إن كان ما سمعته صحيحاً حول أن مستشفى الخرطوم ما زالت تمد المستشفى الجنوبي بالكهرباء فأجابني «نعم، ما زالت الجنوبية تأخذ الكهربا من المستشفى الشيء الذي يجعل الضغط أعلى على كهرباء المستشفى، وقد حدثت مشكلة مؤخراً بسبب كهرباء الجنوبية التي تضرر منها المرضى وخاصة بعنابر غسيل الكلى».
? مأمون بدا مهاجماً وهو يرد على الحديث السابق.. قائلاً «الوحدة الهندسية بها عمالة زائدة نتحمّلها نحن والكورسات التي ذكروها عبارة عن كورسات تأهيلية مبرمجة ضمن برامج تدريب متكامل ونحن غير راضين عن أدائهم ونضطر في كثير من الأحيان لاستجلاب مقاولين وشركات صيانة من الخارج ورغماً عن ذلك فهم مرصودين ضمن خطة تدريبية متكاملة».. وعن الترقيات والحديث عن الواسطات فيها قال«لا توجد أي وساطات بالترقيات ونقوم نحن برصدها، ولكن هنالك مشكلة في تغذيتها من المالية وظللنا نطالب بها المالية وفي الفترة الأخيرة تمكنا من حل إشكالات العام 2008م وتبقت الإشكالات التي قبلها.. لذلك أرجع مشاكلنا مع العاملين في الترقيات والحقوق لوزارة المالية التي لا تفي بالتزاماتها المالية».. وأكد حرص الإدارة على حقوق العاملين، وأضاف قائلاً: «لدينا ما يسمى بإدارة سلامة المرضى والعاملين برئاسة طبيب.. وأنا كنائب مدير مسؤول عن أي عامل بالمستشفى بأن أقف معه وأساعده، ولكن لم تصلني شكاوى من جهات أخرى ونحن كإدارة مستشفى متكفلين بعلاجهم وتوفير الحماية لهم».. وفي ما يخص الكابلات أوضح أن الكابل بالقرب من عنبر (سستر اسماء) به اشكالات لأنه تمت الاستعاضة عن المحطة القديمة بمحطتين الأولى بالجزء الشمالي (40%) من كهرباء المستشفى والثانية بالقرب من سستر اسماء (60%).. وتابع «نحن في مرحلة انتقالية، فالمحطات تحتاج لكوابل جديدة أنجزنا ثلثيها وبصدد تغيير الخط المؤقت، فالتوصيلات المؤقتة موجودة نسبة لأن العمل ما زال مستمراً، وكلّفت المحطتين (500) ألف جنيه.
? فتحت نقطة الحديث عن كهرباء المستشفى الجنوبي الباب أمام أسئلتنا عن هذا المستشفى الاستثماري الخاص الذي بدأ عمله في 17 نوفمبر من العام الماضي، وبدأت طرح الأسئلة عنه إبتداءً من مسألة الكهرباء.. كيف تتحمَّل المستشفى ومرضاه فاتورة كهرباء المستشفى الجنوبي؟ وهل صحيح إن بعض الأشخاص المتنفذين داخل وخارج المستشفى لديهم علاقة بالأمر؟
نواصل،،
سلمى فتح الباب :الصحافة

تعليق واحد

  1. اخوتىجزاكم الله عنا كل خير وكتر الله امثل هولاء الخيرين
    اريد ان افيدكم بان الشخص الذى ساهم فى تاهيل جراحة العظام بمستشفى الخرطوم هو رجل الاعمال السودانى عاطف عبدالقادر . مالك المصنع السودانى الماليزى وهو سودانى الاصل ولم ياتى من الخارج كما ورد بالمقاله

    وجزاكم الله خيراً

    وســـــــــــــــــــــيلة;)