روشتة إصلاحية
ما رأيكم إذا قلت ليكم: إنني قد أؤيد رفع الدعم عن المحروقات؟
قبل أن تلعنوني وتلحقوني بذمرة المغضوب عليهم هذه الأيام من دعاة هذا الأمر، اسمحوا لي بتقديم مرافعتي، واحكموا عليها!
برر وزير المالية وكثير من الخبراء الاقتصاديين الحكوميين والحزبيين، دواعي رفع الدعم عن البنزين وغيره بحجج منطقية ومقبولة اقتصادياً، ووضعونا أمام خيار (هذا أو الطوفان)، وبنوا حجتهم على أرقام لا تقبل القيل ولا القال ولا كثرة السؤال، لكنهم نسوا أن يذكروا الأمور التي يجب أن تأتي قبل (الأمر) واجب التنفيذ هذا، ولذا سنقول ما غفلوه.
في عقدنا الخاص مع الشعب السوداني، تعهدنا أن نحمي حماه ونذود عن قيمه وأن نعطيه كل ما نستطيع، فصدقنا وآزرنا ودفع لنا ماله وبنيه وهتف لنا، واعتبرنا المنقذ العصري الذي يحمله إلي بر الأمان، وبهذا العقد حكمنا وجمعنا المال ونلنا الامتيازات وانتقلت وأسرنا من درجة عامة الشعب إلى طبقات تتواصل مع أسر حكمت العالم وسادت الدنيا، عبرنا المحيطات والبحار باسم الشعب فرأينا الدنيا وسمعنا عجائبها، وطفنا بالسهول والجبال والحقول والحدائق الغناء، على سيارات مراسم العرب والعجم، فأكلنا ما كنا لا نعرف اسمه، ولبسنا ما كنا نسمع به حينما تروى لنا قصص السادة وليالي شهرزاد وشهريار، وأسسنا الشركات وبنينا العمارات ورفهنا عند الأنهار والبحيرات، وتعاملنا بالدولارات، وتداوينا في أغلى وأرقى المستشفيات، وتعلم أبناؤنا في أعظم الجامعات، كل ذلك بتفويض العقد الاجتماعي بيننا والشعب وما نستحقه بموجب ذاك العقد!
صاحب هذا العقد يطالبنا بالوفاء بالالتزامات التي علينا، فقط يطالبونا، بمحاربة الفساد، محاربته محاربة فعلية لا غش فيها ولا تدليس، فالفساد ليس لله، بينما (هي لله)!.
البعر يدل على البعير والأثر يدل على المسير، أفلا نستطيع أن نميز بين من أثرى (خدمة يمين وعرق جبين) ممن أثرى حراماً وفساداً وغشاً وتدليساً وبيعاً للأخلاق والقيم؟.
الناس لا يريدون منا أخذ البرئ بجريرة المذنب ولا أخذ الناس بالشبهات، الناس يريدون فقط محاربة الفساد الواضح الذي ظهر لعامة الناس وألا نخليها مستورة!.
ثم هذا الشعب يرجونا رجاء أن ندفع من فضول أموالنا لخزينتنا المهددة بالإفلاس واقتصادنا المهدد بالانهيار، يشير إلينا أن نكتفي بعمارة أو اثنين ونهب البقية لوجه الله وجهاداً في سبيل الله، وأن نتنازل عن نثرياتنا وبعض امتيازاتنا وبعض فارهاتنا لدولتنا لكي تثبت أقدامها (فنستمتع) بالحكم، وهو إذ يفعل ذلك يذكرنا أنه أعطي فلذات أكباده مجاهدين في سبيل برنامجنا وشهداء لسيادة أفكارنا!
وصاحب هذا العقد _ الشعب السوداني البطل _ من حقه أن يمن علينا، فقد كنا ضعفاء فقوانا الله به، وكنا فقراء فاغنانا الله به، وكنا محكومين فصرنا حكاماً، وكنا أبناء فقراء بسطاء فصرنا أغنياء وصار أبناؤنا أبناء الأثرياء، فلماذا نبخل عليه بالقليل المستحق؟.
إخوتي: فلنكن غير حريصين على شيءٍ سوى كراسينا، ولا نريد سوى الدنيا والجاه_فضلاً عن أي شيءٍ آخر، فإن الحكمة تقتضي أن نحافظ على أشيائنا بمحاربة الفساد، فهو دابة الأرض التي تأكل منسأة الحكم!
إذا طبقت الدولة هذه (الروشتة) فهي الأجدر بثقتنا والأحق بوقفتنا ولترفع الدعم عن كل السلع، لأنها ستكون _فعلاً_ دولة القوي الأمين!.
[/JUSTIFY]
حلو مر – د. فتح الرحمن الجعلي
صحيفة السوداني
تسلم اخوي الجعلي ، دائما عند حسن ظني ولا أزكيك على الله ، ولكنك نطقت با في داخلي كأنك تقرأه. لو فعلنا ما قلت لأستحقينا الريادة ولكن !!!!!