تحقيقات وتقارير

رمضان في السودان.. غلاء فاحش وأنفس طيبة

[JUSTIFY]تعيش الأسر السودانية أرقها الخاص، ومعاناتها المريرة، بعد تزامن شهر رمضان هذا العام مع بداية العام الدراسي، في ظل ميزانية محدودة أصلا

لعب تراجع سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية دور «كعب أخيل»، في جعلها لا تساوي شيئا، ولا تسد رمقا لصائم ولا تشبع طفلا جائعا. تزامنت عودة التلاميذ إلى مدارسهم، والاستعداد لصيام شهر رمضان، وهما موسمان يوليهما المواطن أهمية كبيرة، ويكلفه الاستعداد لهما «الكثير من المال»، ولأن المواطن أصلا منهك فإن التقاء الموسمين زاده إنهاكا.

* رمضان والمدارس

انطلق العام الدراسي الجديد، وهو موسم يفرض على الأسر أعباء كبيرة، خاصة أن التعليم فارق مجانيته منذ وقت بعيد في السودان، والسوق قد غادرتها الرحمة منذ وقت مبكر، والدخول تراوح مكانها حسابيا، وتفقد قدرتها الشرائية تباعا كلما «تفرعن» الدولار الأميركي على حساب الجنيه السوداني، ووجه له ضربة أخرى في أسواق العملات.

لهذا السبب ولأسباب أخرى، فإن استعدادات السودانيين لرمضان هذا العام شابها الكثير من الصعاب، ولكن لأنهم يولونه أهمية وخصوصية لافتة، فقد بذل الكل جهدهم لصيامه على «أحسن ما يكون».

بدت سمية، ربة منزل، أكثر عبوسا مما كانت عليه العام الماضي، ويبدو أنها لم تتهيأ للشهر الفضيل كما ينبغي، فزوجها موظف حكومي لم تفلح ميزانيته في توفير مستلزمات رمضان هذا العام، بعد أن كان قد عود أسرته، مثل الموظفين كافة، الإيفاء بالمستلزمات الاستهلاكية كافة للشهر الكريم منذ وقت مبكر، قالت سمية إن زوجها أرجع الوضع وارتفاع الأسعار الجنوني الذي تشهده الأسواق إلى فشل السياسات الحكومية.

وبتنهيدة عميقة، أضافت: «ماذا يفعل؟! فقد كان عليه توفير متطلبات المدارس من شنط وكراريس ودفاتر وملابس، في الوقت نفسه الذي عليه توفير مستلزمات رمضان فيه».

وقبلها، كان أحد أعضاء التحالف المعارض قد ذكر في ليلة سياسية أن الحكومة كان بمقدورها تأجيل بداية العام الدراسي لما بعد شهر رمضان المعظم، للتخفيف على الناس من تزامن الشهر والمدارس، وقال محمد ضياء الدين: «فشلت الحكومة في مواجهة الوضع الاقتصادي والأسعار، فلماذا لم تؤخر بدء العام الدراسي، على الأقل بمنطق تقسيم الأضرار على دفعات، أو إرجائها؟».

* كساد وطلب وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية كافة قبيل حلول رمضان بشكل جنوني وغير مألوف، مما أدى إلى حالة كساد كبيرة في البلاد، بسبب عدم قدرة المواطنين على تلبية «طلبهم المرتفع».

وزادت فجأة أسعار التمور بشكل لافت، رغم أن أسعارها كانت تشهد ركودا كبيرا في مناطق الإنتاج، وبلغ سعر «كيلة القنديلة»، وهو أجود أنواع التمور السودانية قرابة 400 جنيه سوداني (9.5 جنيه للدولار الواحد)، بينما ارتفع سعر «كيلو السكر»، ليبلغ سبعة جنيهات، ودقيق القمح إلى خمسة جنيهات، وارتفع سعر زيت الطعام بنسب تقارب 50%، فضلا عن الارتفاع الصارخ لأسعار التوابل والخضر والفواكه، فيما «جنت الطماطم»، وقارب سعرها سعر كيلو اللحم، الذي «طار» هو الآخر.

* «الحلو مر» قبيل أسابيع من شهر رمضان، تصعد إلى عنان السماء روائح ذكية من كل البيوت معلنة قرب الشهر، هذه الروائح تنتج عن صناعة مشروب تقليدي يميز رمضان السوداني يطلق عليه «الحلو مر»، تصنعه النساء عادة مجتمعات، لكن تلك الرائحة اختفت أو كادت في رمضان هذا العام من معظم أنحاء العاصمة الخرطوم.

تقول نفيسة محمد أحمد، وقد اعتادت صناعة «الحلو مر»، ويطلق عليه أحيانا «الآبري الأحمر»، إنها ظلت على مدار قرابة نصف قرن تصنع الحلو لها ولبناتها وزوجات أبنائها، لكنها هذا العام لم تفعل، وترجع الأمر إلى الارتفاع الحاد في تكلفة صناعته ومواده

وتوضح أنها حاولت صناعة كمية محدودة لبيتها الصغير، وتجاهل أبناء بناتها لأول مرة، لكنها لم تستطع، فقد وجدت أن تكلفة صناعة «حلو مر» يكفيها الشهر تقارب الألف جنيه، وهو مبلغ كبير بحكم أن زوجها متقاعد.

أما المشروبات الشعبية الأخرى، مثل «الكركديه، التبلدي، القضيم، العرديب»، فقد ارتفعت أسعارها كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة.

ويحمل تجار مسؤولية ارتفاع الأسعار للحكومة، ويقول حاج حامد تاجر تجزئة: «الأسعار نار فعلا، لكن الحكومة هي من أشعلتها بزيادة الرسوم والجبايات، وعدم قدرتها على الحفاظ على سعر الجنيه السوداني، مما جعل السلع المستوردة ترتفع بشكل كبير».

وأدى ارتفاع الأسعار وضعف قدرة الناس الشرائية، إلى ركود كبير في الأسواق التي كانت تزدحم بالمشترين قبل الشهر وأثنائه، وهو الأمر الذي يثير قلق تجار واقتصاديين من انهيار السوق. كما أدى «الهلع» من حدوث ندرة في بعض السلع إلى زيادة أسعارها.

على الرغم من الغلاء، فإن طقوس الاحتفاء الشعبية برمضان تحاول البقاء رغم أنف كل شيء، وما زالت أسر كثيرة تحرص على تناول إفطارها على «قارعة الطريق»، حتى يتسنى للفقراء ومن تقطع بهم الزمن تناول الإفطار، بيد أن إفطارات «الغاشي والماشي» لم تعد كما كانت عليه سابقا، لكن الكل متشبث بها، يقدر أو لا يقدر هذا شيء آخر.

كما ما زال أهل الأرياف يقطعون طريق حافلات النقل البري ساعة الإفطار لإجبارها على تناول الوجبة عندهم و«تقاسم البركة»، قد تكون الوجبات أقل دسامة وحلاوة، لكن من تذوقوا طعم بذل الطعام في رمضان على مر السنين لن يتركوه مهما كانت الظروف قاسية والأسعار مرتفعة.

صحيفة التغيير
أحمد يونس
ت.إ[/JUSTIFY]

‫3 تعليقات

  1. اغرب حاجة انو ناس الخرطوم محل القروش والرأسمالية ما عندهم غبر البكاء كل يوم عندهم نوع جديد واخر حاجة رمضان في الخرطوم غلاء فاحش حتى الحاجة غلبها تعمل الحلومر لبناتها وزوجات ابناءها وتقول ناس الاقاليم يقطعوا الطريق للعربات السفرية والبصات لتناول الافطار يا اخوانا قولوا الحمد لله وختو الرحمن في قلبكم عشان ربنا الفتح علي ناس الاقليم ويقدموا الفطور ان شاء الله مويه يفتح عليكم كما خلونا من كترة البكا في الفاضي والمليان وبالمناسبة ناس الاقاليم صبرهم هو الذي يجعلهم في هذا الحال وطبعا مساكين ما عندهم زول يكورك ليهم في الراديوهات والتلفزيونات والقنوات الفضائيه المختلفه كلها شغالها في الفاضي ناس كسير تلج ديل عليكم الله زول عمرو قرب الستين غنا شنو ليهو . في رمضان كمان غايتو الله يكون في عوننا وعونكم واعوذ بالله من غضب الله .

  2. انجع طريقة لمحاربة غلاء الاسعار هو تركها ( الغالي متروك) و الاقتصاد في استهلاك الضروري منها,ثم ثانيا ان الاوان ان يترك السودانيون بعض العادات الاستهلاكية السيئة في رمضان,حلو مر ,ابري,رقاق,بلايل…….الخ, جعلنا من رمضان موسما للاكل بدلا من ان يكون موسم للعبادة…الاسر السودانية تعلن الطوارئ قبل رمضان بشهور و ترهق نفسها ماليا و معنويا….ياما خربت بيوت بسبب الاعداد لرمضان – فلسفة رمضان (و الله تعالى اعلم) ,هي ان الانسان يتكون من بدن و روح, و لكل طعامه,البدن يحتاج الى الطعام (مادي) و الروح تحتاج الى غذاء المعانى (الايمان و التقرب الى الله)…لكي يكون الانسان سويا فلا بد من الاتزان في تغذية الروح و البدن,لكن الواقع اننا كثيرا ما نغذي البدن على حساب الروح طوال العام,لذلك شرع الله لنا رمضان لنعوض الروح ما فاتها من غذاء طوال العام و ذلك بالصيام و القيام و الذكر و الاعتكاف والاكثار من الطاعات و التخفيف من الغذاء المادي حتى يرق القلب و يقوى الجسد على العبادة و نخرج من الشهر باعلى قدر من التقوى(القصد الاساسي من رمضان….,كتب عليكم الصيام….لعلكم تتقون) – اما نحن الان,عكسنا الاية,رمضان موسم للتباهي و التباري في اعداد صنوف الطعام و السهر مع الافلام و المسلسلات و لعب الورق و غيرها من اللهو