منى سلمان

كُل .. وأشكر نقدا

[ALIGN=CENTER]كُل .. وأشكر نقدا ![/ALIGN] النقطة أو الموجب أو الكشف، نظام تكافل اجتماعي أصيل لو شئت أن تأخذ الجانب الايجابي منه، أو دين آجل واجب السداد لاحقا إذا شئت النظر له من زاوية المعاملات التجارية بدفاتر الدائن والمدين، فـ في دنيا العلاقات الاجتماعية (كل شيء دَين حتى المشي على الرجلين).
يقال والعهدة على الحكى لي – أن الأصل في عزومة حنّة العريس زمان، كان هو استعادة ما ظل يدفعه العريس في المناسبات طوال سنين انخراطه في منظومة المجاملات الاجتماعية .. حلوها ومرّها، لذلك لم يكن من المستغرب في تلك الدعوة جلوس أحد أصدقاء أو اقارب العريس الشباب في مكان ظاهر من الخيمة الواضح ما فاضح – لتحصيل رسوم المجاملة من المعازيم بعد تناول الوجبة، تحت شعار (كُل وأشكر نقدا) و(العاقبة عندكم في المسرات) وذلك المصطلح الأخير إذا ما زيّل به كرت الدعوة فهذا يعني أن المجاملة واجب قسري، ولا خيار أمامك أيها المعزوم سوى الدفع بمزاجك أو الدفع وكراعك فوق رقبتك.
ويكون اختيار (المتحصل) بشروط ومواصفات أخلاقية أهمها أن يكون من الثقات، أي أن لا يكون قد سبق اتهامه بالتعدي على المال العام أو الخاص حتى لا يقوم بخنصرة نصف العائد .. بحيث يحمل هذا (المتحصل) كراس وقلم .. وقد يضيف للملحقات علبة حلاوة لزوم حفظ المسهمات النقدية، وقد يكتفي بحشرها في جيوب الجلابية وتلك اشارة سالبة تدل على نية مسبقة منه لـ خيانة الأمانة.
أما في مجال العمل فـ يكون نظام التكافل الاجتماعي في صورة كشف يحتوي على اسماء العاملين ومقدار مساهماتهم، ويتم تحصيل المساهمات غالبا بالقرب من شباك الصرّاف، فـ مع الظروف الاقتصادية الضاغطة التي تجبر الموظفين على الاستعانة بالبركة وفهلوة اللعب بالبيضة والحجر لاكمال الشهر، يأتي الكشف لـ كشف حال الماهية ويلحّقا الغطس، خاصة إذا ما أجتمع بالقرب من الشباك كشف زواج وكشف وفاة مع كشفين تلاتة ولادة وحج وأعانة متعسرين.
ولعل نظام الصندوق الاجتماعي قد اراح الكثيرين من كشف الحال، فخصم جزء يسير من مرتب الجميع ليوزع على المستحقين من أصحاب المناسبات حسب الحالة، يوفر درجة أعلى من العدل في توزيع الموارد ويكفي الموظف المسكين شر المزازة هربا من سيوف الكشوف، ولكن يظل ميزان القسمة بالعدل لتلك الاستحقاقات في أمرا ضيق .. قولوا لي ليه؟!
لتوضيح تلك المسألة فالنضرب المثل بـ (سين) ولنقل أنها موظفة أربعينية فات فيها الفوات .. فـ (سين) تلك تظلت تدفع في كشوفات الزملاء والزميلات طوال عشرين عاما هي سنين خدمتها في تلك المصلحة، فقد دفعت مثلا لزميلتها (صاد) في كشف وفاة ابيها وقبل أن يكمل بضع اشهر لحقت به أمها فـ الحقوها بكشف آخر، ثم بعد سنتين دفعت لها في كشف زواجها وبعدها صارت تدفع كل عامين في كشف ولادة طفل جديد يضاف لعائلة تلك الزميلة، ولو جمعت ما دفعته فقط في مجاملة تلك الزميلة لكفّاها لـ دق غويشة (أحفظ مالك) وخاتمين (نص) .. وبعد كل تلك السنوات التي قضتها في الدفع الثقيل تكرمت عليها المصلحة و تمت (الناقصة) باحالتها للصالح العام، فأجتمع الزملاء والزميلات لعمل كشف سلموه لها على استحياء ساعة مغادرتها، وعندما وصلت البيت فتحت ورقة الكشف وانحدرت بعينيها تتابع الاسماء الواردة فيها، فوقع بصرها على اسم (صاد) وأمامه مبلغ عشرة جنيهات بالجديد!
تنقلنا تلك الحادثة الافتراضية ما عايزين مشاكل لنظام الموجب أو المواجبة عند النساء، فهو يختلف عن ظلم كشوفات العمل في أنهن يحرصن أشد الحرص على حساب كل مليم تلقنّه في مناسباتهن المختلفة، ولذلك تقوم المدفوع لها بردّ الدين كاملا عندما تحدث مناسبة لمن سبق وجاملتها في أكثر من مناسبة .. بالاضافة لوجود برتوكول اساسي يحكم تلك الدفعيات كانت أمي رحمها الله – قد علمتني له بعد زواجي.
فلنقل مثلا أن هناك سيدة دفعت لجارتها في مناسبة ما مبلغ خمسين ألف بالقديم، فعندما يأتي الدور على تلك الجارة لترد لها المبلغ في مناسبتها يجب أن تزيد أو تنقص مبلغ الخمسين ألف قليلا، كناية عن العشم في مواصلة المجاملات المالية بينهما في المستقبل .. فقد حذرتني أمي من رد مبلغ المجاملة كما هو فهذا التصرف في عرف النسوان الكبار، يعتبر كناية عن القنعان وعدم الرغبة في مواصلة المجاملات في المستقبل .. شفتو الفهم الراقي ده كيف؟

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫6 تعليقات

  1. هذه العادة تدل على التكافل الاجتماعى خاصة فى مجتمعنا السودانى وذلك لعامل ضرورى وهو الامكانيات المحدوده للمجتمع مما يساعد الفرد الاخر لبداية حياة جديده وهذه الخصلة لها وقعها الطيب فى نفس الشخص وتقدير له لكى تستمر من جيل الى اخر وهى تعنى تكافل المجتمع بصورة حقيقة وتعنى ان المجتمع مترابط عكس كثير من المجتمعات حقيقة ان المجتمع السودانى يحوى فى داخله مزايا كثيرة وعلينا ان نحافظ عليها لانها تزيد فى تاصيل المجتمع هى ليس الهدف الناحية المادية فقط انما الهدف فى المقام الاول هو مشاركة الاخر … 😎 😎 😎 😎 😎 😎

  2. الحمدلله الذى جعلنى انتمى الى هذا المجتمع التكافلى حيث يشاركك اهله فى السراء والضراءوهذه هى قيم ديننا الحنيف وسنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم نامل ان نحافظ عليها ونورثها لابنائنا فهى ميزة تميزنا بها عن جميع المجتمعات:cool:

  3. ينبغي تفعيل مثل هذا الموضوع ليكون في أجندة منظمات المجتمع المدني لتثقيف الناس والنساء خصوصاً لمثل تلك المفارقات التي تحدث الضرر للكثير من الناس في عادة المجاملات التي كما تفضلت الكاتبة وضربت بها مثالاً للموظفة الأربعينية والتي احيلت للصالح العام بعد أن دفعت ما دفعت من أموال ولم تحظ هي بمناسبة تمكنها من استعادة ولو جزء يسير مما دفعته. وأرى أن تتغير هذه العادة ويكون الكشف والمساعدة في المناسبات فقط للأسر الفقيرة والمحتاجة فعلا ولا تعمم على كل المناسبات.
    ومن ناحية أخرى من كان له رغبة في تقديم هدية عينية أو مادية لأسرة ما في مناسبة لها فليكن ذلك عملا فرديا وغير مشروط… وينبغي لأصحاب الأسرة أصحاب المناسبة أن لا يلقو باللوم على من لم يستطع تقديم المساعدة سواء لقلة ذات يده أو لعدم رغبته ما داموا مستطيعين وليسوا بحاجة إلى تلك المساعدة.
    الحديث الشريف يقول: (تهادوا تحابو) فإذا كانت الهدية إحدى وسائل نشر ثقافة المحبة بين الناس فالحب في الله أعظم وأجل وهو حب لا يحتاج إلى درهم ولا دينار ولا مصلحة وورد في الأثر أن رجلاً كان يسير في الطريق يقصد زيارة أحد إخوانه في الله… فأرسل الله له ملكاً في الطريق وسأله: إلى أين تسير ؟ فأجابه الرجل: لزيارة أخا لي في الله.. فسأله الملك: وهل لك مصلحة تبتغيها من وراء تلك الزيارة؟ فأجاب الرجل: لا والله إنما أزوره حباً في الله ولله … فقال له الملك : إني رسول الله أرسلني إليك لأبلغك أن الله يحبك ؟
    فينبغي على الناس أن ترتقي للمستوى المطلوب في التواصل ولا يكون الهدف مادياً أو عينياً ومن زارك حبا ولوجه الله وليهنئك بمناسبة سعيدة أو يواسيك في مناسبة حزينة دون ان يمد يد المساعدة فلا نضيق عليه الخناق أو نصفه بأنه مقصر أو بخيل.. فيكفي أنه قدم بنفسه وقدم تهانيه وتعازيه كيفما كان الحدث.. فهذا هو الأهم … ولا بأس من استطاع ان يقدم المساعدة لمن يحتاجها ان يقدمها لكنها ليست شرطا في قبول الزيارة أو تأويل آخر غير صحيح..
    وإن كان ولابد من الدفع وصعوبة التخلص من هذه العادة فيجب أن يتم تحديد مبلغ المجاملة كما قامت بعض المناطق بتحديد مهر الزواج … ولا يحق لأي شخص أن يتعدى المبلغ المحدد على الأقل رسميا وفي سجل الكشوفات التي تكتب فيها أسماء الناس ثم له أن يدفع المزيد ولكن بشكل فردي ودون تدوين ما دام ذلك الشخص يرغب في دفع المزيد حتى لا تكون سنة وفرضا لمن لم يستطع الدفع فوق المبلغ المحدد.
    حقيقة أشكر الكاتبة على طرح هذا الموضوع وأهيب بمن يهتم بمصالح رقي المجتمع أن يأخذ ما كتبته الكاتبة بعين الاعتبار وتفعيله على نحو يغير هذا الواقع البغيض الذي يخلق الفرقة ويقسم الناس على طبقات وعزلة !!!

  4. الموضوع شيق والكتابة فيه لا تنتهى ولكن تذكرت نكتة الشايقى والجعلى والرباطابى المشو لزواج صاحبهم فقام الرباطابى وقف قدام متحصل النقطة ودفع خمسين جنيه وذكر اسمه لكتابته وكان الامر يزاع على المايكرفون فلان الفلانى مائة جنيه والنسوان طوالى زغرودة طويلة فالرباطابى اخرج كذلك من جيبه مسدس واطلق طلقة وقال دى كمان تحية للعريس قام اخينا الشايقى ودفع مائة جنيه وذكر اسمه واخد مسدس الرباطابى واطلق منه 3 طلقات هدية للعريس بعد زغرودة النسوان صاحبنا الجعلى اتحنفش وقام مشى للمتحصل وطلع فلوسه وقال ليه اكتب محمد احمد الجعلى 500 جنيه انضربت ذغرودة نسائية ما وقفت ابدا على طول محمد احمد دخل يده فى صديريه الداخلى وطلع ليه قنبلة يدوية وكمان دى تحية للعريس وكان انفجارا لم يحدث مثيل له الا فى غزة:D 😀 😀

  5. ستاذة / منى أنا كنت واح من المتحصلين ( الذين يأخذون ركناً جانبياً ممسكين بالدفتر ) ….وهناك قصص طريفة وعجيبة قابلتنى فى تلك الفترة_ لايتسع المجال لذكرها.
    شكراً لك على هذا التناول