منى سلمان
ما لـ قيصر في السوق

وعندما تحدثنا بالامس عن المفارقات الغريبة بين أخلاق الأنسان السوداني زمان وهسه، عقدنا مقارنة بين أخلاق جدودنا الرفيعة وعلو همتهم والتزامهم المتعصب بالقيم السمحة، بالرغم من انخفاض مستوى الوعي والالتزام الديني .. مقابل تفشي الغش والتدليس وغياب رقابة الضمير والاخلاق وقلة الأمانة في انجاز التكاليف في عالمنا اليوم، بالرغم من انتشار التعليم والوعي الديني والتمايز الواضح بين الحلال البين والحرام البين ..
أعداد المصليين في المساجد التي في ازدياد صاحبها تنامي ظاهرة أرتياد النساء للمساجد خاصة لاداء صلاة التراويح في رمضان .. بل والشيء اللافت هو أن اعداد المنتظمات في قيام الليل في العشر الاواخر رغم ما فيها من مشقة على الامهات وربات الاسر – تساوي ان لم تزيد عن كمية المؤديات للتراويح ..
كل ذلك الفيض لم يمنع التدني والتدهور الاخلاقي في مجتمعاتنا، فليس من المستغرب أن يغادر تاجر أو بائع المسجد مسرعا حتى يكاد يلبس نعاله (بالقلبه) لعقد صفقة مشبوهة واصابعه ما زالت مشغولة بالتسبيح، بينما لم تغشى قلبه لحظة من مخافة الله في اللقمة الحرام التي يدخلها في أفواه عياله من ارباح تلك الصفقة ..
اخلاقيات سوق اليوم نقابلها بقصة حقيقية حدثت في ماضي جدودنا الناصع، والتي تحكي عن تاجر القماش الذي خرج من دكانه لقضاء حاجة من حوائجه وترك في الدكان ابنه الشاب ليباشر البيع فيه، وعندما عاد التاجر سأل ابنه عن ما باعه خلال غيبته فأخبره الابن بأنه لم يبع شيئا سوى مقطع القماش الباهظ الثمن والذي كان ابيه يضعه اعلى رف جانبي في الدكان .. انزعج التاجر انزعاج شديد وعنّف ابنه على بيعه لمقطع القماش رغم وجوده ضمن البضايع غير المعروضة للبيع، ولكن الابن اعتذر بأن المشتري الح عليه في شرائه ودفع فيه حزمة من النقود.
طلب التاجر من ابنه ان يصف له شكل الرجل الذي اشترى القماش ثم غادر الدكان مسرعا ليبحث عنه، بعد أن اوضح لابنه أن القماش كان معيوبا لذلك كان يضعه جانبا.
سأل التاجر عن الرجل فعرف انه قد جاء للسوق ضمن قافلة تنزل على اطراف السوق، ولكن عندما اسرع لمكان القافلة علم بأنها سافرت .. سافر التاجر الامين خلف القافلة كي يدرك الرجل ويعيد إليه حزمة المال حتى ادرك القافلة على مسيرة يوم وليلة، وهناك سأل عن الرجل حتى اوصله الناس لمكانه، ولكن الرجل ما ان راى التاجر حتى اصابه الرعب وظهر عليه الخوف فطمأنه التاجر، وأخبره بأنه أنما تبعه كل تلك المسافة فقط كي يعيد إليه ماله، لان القماش الذي ابتاعه من الدكان كان معيوبا .. انفجر الرجل بالبكاء وجثى تحت قدمي التاجر وسط دهشة الجميع وقال:
اشهد الله واشهدك على توبتي.
ثم أوضح للتاجر انه كان لصا وأن رزمة النقود التي ابتاع بها القماش كانت مزورة، فكانت أمانة التاجر وسعيه لاستبراء زمته خير حافز للص على التوبة.
أما عن أيامنا الحلوة فنحكي قصة جارة لنا وهي ارملة تقوم على رعاية ايتامها على الكفاف .. شكت لي من قلة حيلتها وهوانها على (السبّاك) بعد تكرر احضارها له لتصليح الماسورة (المحلوجة) .. فقبل أن تمضي اليومين على اصلاحه لها الـ (عدي من وشك) .. تنفجر الماسورة بشلال من الماء المسكوب، فتعاود الارملة المغلوبة على امرها احضار السباك، ويعاود تصليح الماسورة لتنفجر مرة أخرى بعد مغادرته بثلاث أيام .. أخبرتني انها سألته عندما (كتر عليها) عن لماذا لا يتقي الله فيها ويتقن عمله من المرة الأولى دون ان يحوجها لدفع التكاليف التي تقطتعها من قوت الايتام في كل مرة؟ وذكرته بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، ولكن لدهشتها أجابها ضاحكا:
لو حا نصلح بي زمة وتمام لكل زول .. تاني حا نسترزق من وين؟ .. ما لازم تنكسر كل يومين تلاتة عشان تنادينا نصلحا .. أهو نطلع منك بي حق الفطور اقلو!!
ولكن عندما لاحظ ذهولها اعتذر بأنه كان يداعبها فقط وعزا تكرر الاعطاب لـ البضايع والاسبيرات المقلدة أو المغشوشة عدييل وارد النمور السبعة في الشرق الاقصى
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com



سلمت يداك فهذا مقال جميل وممتاز
والله سبحانه وتعالى يقول: (ويل للمطففين الذين اذا اكتالو على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) وتمام الآية أن هؤلاء المطففين لا يظنون ولا يؤمنون أنهم مبعوثون لذلك اليوم العظيم … يوم القيامة .. لماذا فقدوا الايمان بيوم البعث؟
هل هو الغلو ام الجهل ام حب الشهوات ؟
العلم الشرعي والتربوي أصبح عندنا مثل بحر تقطعت مياهه فهو في كل ناحية بقاع وبقاع أخر يابسات .. هذا هو الخليط الذي يجمع مجتمع اليوم بين الصحوة والغفلة .. وحتى ينتظم عقد الصحوة ويعم الناس جميعا لابد من عمل كبير تتضافر فيهو جهود التربويين والمصلحين ولا يقتصر ذلك العمل على خطب الجمعة او الدروس التي تلقى في المساجد لحفنة من المصلين بعضهم يغط في نوم عميق اثناء الخطب.. ينبغي أن يعاد تأهيل المناهج التربوية لتعيد احياء القيم الفاضلة وينبغي أن يحاسب كل من تجاوز القانون ..
إن نحن لم نحاسب من تجاوز القانون بيد من حديد حتى ولو كان من أقرب الأقربين ونقيم فيه حدود الله فلا يحلم أحد منا بأن يكون عندنا مجتمع معافى وخالي من المجرمين
😡 😡 😡 صباح الخير استاذه منى ودايماً تتحفينا بمقالتك الهادفه والشيقة
ولكن اين الزمة هذه الايام الا من خاف ربه نسأل انفسنا ماهى الاسباب التى تدعو لمثل هذه الافعال التى لايرضاها الله ولارسوله عليه السلام طبعا الاسباب معروفة ضغوط الحياة وغلاء المعيشة والطبقات الارستقراطية فى مجتمعنا السودانى التى اتت عليه دخيلة والتربية ونوعيتها ولكن اذا كان الانسان متمسك بتعاليم دينه فمثل هذه الافعال لاينظر اليه ونتمنى من جميع الائمة فى المساجد ان يتطرقو ولو بجزء من الخطبة يوم الجمعة حتى تكون هنالك صحوة ويقظة دينية ولنتمسك بتعاليم ديينا الحنيف والله من وراء القصد……..