عثمان احمد : زيارة مشار للخرطوم .. حينما تتبدل المواقف
وليس بسبب توحدهم وجود أو تجانس بينهم من أي نوع، لذا وما إن تخلصوا من هذا العدو وآلت إليهم مقاليد حكم دولة الجنوب بكاملها حتى دبت الخلافات بينهم سريعاً جداً وظهر إلى السطح حجم الخلافات العميقة بين مكونات شعب الجنوب وبين نخبة السياسة، فبدأ التمرد مباشرة بعد انتخابات 2010 التي اختلفت بعض القيادات على حكم بعض الولايات والكل يذكر تمرد جورج أطور في ولاية جونقلي بعد أن خسر الانتخابات فيها، ووصلت حدود الخلافات إلى قمة القيادة التاريخية بما فيهم ربيكا قرنق التي اختلفت مع الحكومة الرسمية بالرغم مما تمثله من رمزية تاريخية ومهمة لشعب الجنوب، ثم كان تمرد القائد ياو ياو الشهير بسبب اعتراضه على توزيع كيكة الحكم في الدولة الحديثة، الا أن تمرد الدكتور رياك مشار كان الأعنف وذا الأثر الأعمق على الدولة والشعب بين كل الخلافات السابقة بين الحاكمين بل وكان مفاجئاً لكثير من المراقبين بالرغم من الشواهد المتواترة التي كانت تشير الى قرب انفجار الوضع في كابينة القيادة ووصلت هذه الشواهد الى قمتها بعد الخطوات الجريئة التي أقدم عليها الرئيس سلفاكير في الإطاحة بمعظم قيادات الصف الأول وقيادات الحركة التاريخين، بما فيهم نائبه رياك مشار نفسه الذي قام سلفا بتجريده من كل سلطاته وصلاحياته بالإضافة إلى قيادات تاريخية أخرى مثل وزير السلام باقان اموم وغيره. لم يطل الانتظار طويلاً بعدها حيث دوى صوت الرصاص من داخل مقر القيادة بجوبا معلنا تمرداً جديداً على السلطة في جوبا من قبل القائد الثاني بها.. ورأت الحكومة السودانية في الشمال بأن تنأى بنفسها قدر الإمكان عن الصراع، مفضلة عدم الانحياز إلى طرف حتى تستبين في أي اتجاه تسير الرياح، إلا أن الحدود المشتركة والعلاقات والمصالح المتشابكة لدرجة التعقيد بين الشمال والدولة الوليدة حديثاً من رحم الدولة الأم حتمت على حكومة الشمال الإفصاح عن موقفها والتدخل بصورة أو بأخرى للتخفيف من حدة الصراع الدائر على حدودها الجنوبية، وبالرغم من تعامل الحكومة في الشمال مع حكومة سلفاكير والزيارة الشهيرة للرئيس عمر البشير لجوبا إبان حدة اشتعال الصراع جعلا موقف الحكومة يبدو متوازناً ومعقولاً، الا أن الحكومة الشمالية دائماً ما كانت تحسب من قبل جهات عديدة على إنها مقربة من رياك مشار، الأمر الذي كان يثير شكوك حكومة الجنوب في نوايا الخرطوم على الدوام بالرغم من تعامل الخرطوم الرسمي معها، فقد عرقلت جوبا زيارة لمشار كان معداً لها في مايو الماضي الى الخرطوم لعدم اطمئنان حكومة الجنوب الى التقارب بين مشار والخرطوم وإن لم تصرح بذلك علناً، الأمر الذي اضطر سفير دولة الجنوب بالخرطوم الى وصف الزيارة بأنها تعد انتهاكاً للاتفاقيات التسع التي وقعتها الخرطوم مع جوبا مؤخراً مهدداً بالتنصل منها حال استقبال الخرطوم لمشار، الا أن موقف حكومة الجنوب من زيارة مشار للخرطوم اختلف هذه المرة فقد صرحت جوبا بتصريحات ايجابية تجاه زيارة مشار الى الخرطوم غداً والتي ستستمر ليومين يلتقي خلالها الرئيس البشير وعدد من قيادات الأحزاب المعارضة، اذ قال الناطق الرسمي باسم حكومة الجنوب اتينج ويك في تصريحات صحفية أن جوبا لا تعترض على الزيارة اذا كانت في إطار إحلال السلام، وأضاف ان السودان دولة ذات سيادة ولا يمكننا الإملاء عليها من تستقبل ومن لا تستقبل، لافتاً الى عدم اعتراضهم على زيارات سابقة لمشار الى كل من كينيا وجيبوتي وأثيوبيا، فيما أكدت الحكومة السودانية أن الزيارة تتم في إطار البحث عن السلام الذي تعمل حكومة الشمال على لعب دور ايجابي في التوصل إليه وإنهاء الحرب الدائرة هناك، وقال وزير الدولة بالقصر الجمهوري هارون الرشيد إن الخرطوم لا تمانع في زيارة أي من طرفي النزاع الى الخرطوم عبر وساطة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيقاد)، مؤكداً حرص القيادة السودانية على استعجال عملية إحلال السلام بالجنوب والتوصل الى اتفاق دائم يعمل على إنهاء الحرب هناك، ويرى دكتور محمد عبد العظيم أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية في مهاتفة لـ(الخرطوم) معه أمس إن الزيارة تظهر الحكومة السودانية بمظهر الباحث عن السلام وإيقاف الحرب في إحدى الدول الإفريقية والمجاورة له، وأضاف ان الحكومة السودانية ستعمل على استغلال علاقتها الجيدة بمشار وإقناعه باتخاذ خطوات أكثر ايجابية في اتجاه عملية السلام خاصة وان الحكومة السودانية كانت قد تلقت إشادات من أمريكا ودول غربية أخرى سابقا تشيد بدورها في المساعدة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الجنوبيين، الأمر الذي يجعل موقف الحكومة السودانية معولا عليه من جهات افريقية وعالمية تهتم بعملية إحلال السلام في دولة الجنوب، معتبرا الزيارة فرصة يجب على الحكومة السودانية استغلال على الوجه الأكمل حتى تخرج منها بنتائج تسهم في جعل حلم السلام الجنوبي قريباً…
صحيفة الخرطوم
ع.ش