اللواء عمر عبد الماجد.. مدير سجن كوبر: أحس بأنني سجين داخل المهنة
بعيداً عن التاريخ والماضي، قريباً من الغد وحكايات (اليوم التالي)، وبقرب أكثر من الوتر الإنساني كانت احدى المجموعات المنتشرة على موقع التواصل الاجتماعي (الواتساب) قد فضلت أن تحتفي بنفسها الأسبوع الماضي، فقررت أن تفك أسر بعض الغارمين بدفع أموال تم جمعها من أعضاء المجموعة، وبعض الخيرين الذين تخفوا نائين بأنفسهم عن المن والأذى. مجموعة(إعلام للجميع) لم تكتف بذلك فأقامت بالتعاون مع إدارة السجن الاتحادي يوما ترفيهيا لم تمنع الظروف الطبيعية من إقامته تحت رذاذ الأمطار. زيارة (إعلام للجميع) لنزلاء سجن كوبر جعلتني وجهاً لوجه قبالة مدير سجن كوبر اللواء سجون عمر عبدالماجد علي، فكان لابد من انتهاز الفرصة والاستفسار عن قضايا تخص بيئة عمله، وأخرى تمس حياته الشخصية وارتباطها بالعمل في السجون. بدا سعادتو عمر كريما في الإجابة عن الاستفسارات رغم أنه كان متحفظا على بعضها. بالمحصلة طوّف بنا الرجل على حكايات متعددة ونمط الحياة داخل السجن، وتعرفنا معه عن قرب على الهموم والمشكلات، كما لم ينس أن يحدثنا عن مكامن الفرح والإبداع داخل قلعته الحصينة، لنخرج من حضرته بهذا الحوار:
* كم عدد النزلاء الموجودين بسجن كوبر؟
– حوالي 1475 نزيلا تقريبا، بما فيهم المنتظرون والمحاكمون، فالمنتظرون يقعون في أقسام منفصلة عن المحكومين.
* كيف تبدو الحياة داخل السجن؟
– الهدف من عقوبة السجن الإصلاح والتأهيل، وبالتالي النزيل يخضع لبرامج إصلاحية في محاور شتى، بدءا من التعليم من مستوى محو الأمية إلى المستوى الجامعي، وأحيانا إلى المستوى فوق الجامعي، ولدينا حالات نوقشت فيها رسالات ماجستير ودكتوراه داخل السجن.
* كم عدد الحالات التي ناقشت الدراسات فوق الجامعية؟
– لدي حالتين لدرجة الماجستير وحالة واحدة دكتوراه.. والآن يوجد اثنان يعملان على نيل الدكتوراه.
* ذكرت أن عقوبة السجن هدفها الإصلاح في المقام الأول.. كيف تعمل إدارة السجن على ذلك؟
– من المحاور الإصلاحية، البرامج الروحية أو الدينية، وهذه تبدأ من الصلوات في جماعة حيث توجد أربعة مساجد داخل السجن تقام فيها حتى صلاة الجمعة، وهذه الصلوات لها تأثير كبير، هنالك أيضا محاضرات عقب كل صلاة، بالإضافة إلى البرامج هناك حلقات التلاوة والتحفيظ. الجدير بالذكر أن حفظ القرآن من الأشياء التي تساهم في إسقاط العقوبة، فإذا حفظ النزيل القرآن كاملا، فهذا كفيل بإسقاط كل العقوبة فيما عدا جرائم القصاص والحدود، هذا نص موجود في قانون السجون، وأيضا يوجد محور آخر وهو البرامج الثقافية والهدف منها اكتشاف المواهب سواء كانت في مجال الشعر أو كتابة القصص أو في النثر والغناء، والموهوبون أيضا في مجال الرسم والمسرح، هذه أنشطة ومن خلال الجمعيات الثقافية نستطيع أن نكتشفها ونشجعها وننميها من خلال قيام جمعيات ثقافية يديرها النزلاء بأنفسهم تحت إشراف إدارة الخدمة الاجتماعية بالسجن، أيضا هنالك برنامج للتأهيل المهني من خلال تدريب النزلاء على عمل النسيج، وتوجد منتجات للعمل، وهنالك شغل للسجاد، وقد أقمنا معرضا داخل السجن وهذه أول مرة يقوم معرض داخل السجن امتد لعشرة أيام.
* هل لاحظتم أثر البرنامج الروحي في إصلاح النزلاء وتحسين السلوك؟
– كثير جدا وبدرجة كبيرة لاحظنا ذلك، فلا يمكن لإنسان يتلو القرآن ولا يتأثر به وكثير من النزلاء جاءوا إلى السجن وارتفع مستوى التدين لديهم.
* ما هي الجرائم الأكثر ترددا على السجن؟
– كل الجرائم موجودة وبدرجات متفاوتة.
* ألا توجد إحصائية بأكثر الجرائم ترددا على سجن كوبر تحديدا؟
– في الوقت الحالي لا استحضرها، لكن في الغالب هنالك جرائم القتل، وكل الجرائم الواقعة تحت القانون الجنائي لا أستطيع القول إن معدل جريمة أعلى من جريمة وكذلك جرائم السلاح.
* ماذا تقصد بجرائم السلاح؟
– حيازة الأسلحة دون ترخيص والمتاجرة فيها.
* ماذا عن الجرائم التي يقف تنفيذها على دفع مبالغ معينة من الأموال.. هل هنالك إحصائية لها؟
– في سجن كوبر أغلب الأحكام الموجودة السجن، الحكم الأصيل السجن، هنالك حالات نادرة توجد بها بعض الغرامات، وهذه يسعى الناس إلى دفعها بعد الفترة التي يدخل بها، حكم الغرامة أو ما يسمى بالغرامة البديلة أو الحكم البديل، هنالك أحكام خاصة بالديات تم دفعها في الشهر الماضي، كان هنالك عدد من الخيرين قاموا بدفع بعض الديات، ورفضوا حتى ذكر أسمائهم، قاموا بالإفراج عن نزلاء كان حكمهم متوقفا على الدية، وهنالك رجل خير قام بالإفراج عن عشرة كان حكمهم مقتصرا على الدية، وأيضا الإخوة في مجموعة (إعلام للجميع) قاموا بدورهم في الإفراج عن عدد من الحالات، وأبشرك.. مرات كثيرة نحن لا نجد في السجن حالات كي يقوم الخيرون بالدفع عنها.
* من يقف وراء دفع المبالغ المالية سواء أكانت ديات أو غرامات.. هل هم أشخاص.. منظمات أم الدولة؟
– هنالك أشخاص ومنظمات وغيرها، لكن أغلب الحالات يقوم بدفعها أشخاص.
* ألا توجد إحصائية بعدد الأشخاص الذين قاموا بدفع مبالغ مالية معينة وعدد الحالات التي تم الإفراج عنها؟
– لا استحضرها الآن في الوقت الحالي.
* هنالك حديث ذكره مدير إدارة السجون بالبرلمان عن التكلفة العالية للسجون.. هل ذلك صحيح؟
– نعم صحيح بالذات في الغذاء والعلاج حتى خارج السجن، فهما مكلفان ماديا، الدولة تتكفل بالغذاء والعلاج حتى التسيير من كهرباء وخدمات كل ذلك محسوب في تكلفة الجريمة، بجانب المرتبات، فعلا السجون تكلفة كبيرة على الدولة.
* هل يمكن أن تحدد لي ميزانية سجن كوبر السنوية؟
– لا أستطيع أن أحددها لأنها موازنة مركزية، مثلا الغذاءات تحدد بحسب عدد النزلاء، نحن في إدارة السجن نقوم بإرسال فواتير، ولكن لا أعرف ماذا يحدد لي من ميزانية، لأنها كما ذكرت عبارة عن موازنة مركزية تورد المبالغ للجهة الموردة، لذا لا أستطيع أن أذكر أرقاما بالتحديد، لكن أؤكد أن التكلفة عالية ولكن هذا لا يحسب على الدولة، بل يحسب على أن تكلفة الجريمة عالية والأمن كذلك تكلفته عالية، فلا يمكن قياس تكلفة الأمن لأن قيمته لا تحسب وهذه حقيقة واردة وفي كل سجون العالم.. هذه الحقيقية ماثلة والسودان ليس استثناءا من ذلك.
* هل يعني ذلك أن الدولة ملتزمة بكل موازنة السجون ولا تحتاج لدعم من الخارج؟
– أؤكد أن الدولة ملتزمة بموازنة السجون من أكل وعلاج وحتى ملابسه، ولكن النظرة ليست في أن الدولة غير قادرة ولكن صعب أن تستطيع الدولة أن توفي بكل التزاماتها، لكن إشراك المجتمع لابد منه لمضمونه ومعناه وليس بصورة مادية، لأن المشاركة نفسها للمجتمع، فالنزيل هو في الأصل ابن المجتمع وجاء من رحم المجتمع ووضعت القوانين حتى تحمي المجتمع.. إذن عقوبة السجن ليس معناها أن المجتمع يلفظ النزيل، فمشاركة المجتمع مطلوبة لذاتها، فالتعامل المجتمعي يؤثر في الحالة النفسية للنزيل بالسجن، فمثلا الزيارات المجتمعية تعمل على تحسين الحالة النفسية للنزيل ويحس بأنه مازال جزءا من المجتمع ولايزال المجتمع يتعامل معه. المسألة ليست محصورة فقط في الأمور المادية، هنالك جهود طوعية تبذل، فهنالك معلمون على مستوى يطلبون أن يقوموا بالتدريس في السجون متطوعين، وهنالك مدارس تطلب أن تشارك في السجن، حتى امتحان الشهادة السودانية ينعقد هنا. لذا نحن لا نريد المشاركة بمعناها المادي وإنما لمعناها المعنوي، فالنزيل عندما يحس بأن المجتمع لفظه يكون أكثر حقدا.. أما عند إحساسه بمشاركة المجتمع فيحس بالتعاون والإنسانية، وأنا اعتبر نفسي تفوقت في هذه المسألة، فهنالك عدد كبير من الأشخاص يأتون للسجن من أجل الزيارات المجتمعية، لذا المجتمع لابد أن يشارك وهنالك جهات كثيرة دعمت برامج ثقافية ودينية وهي مقبولة لدى إدارة السجن والنزلاء.
* إذا انتقلنا إلى محور آخر، وهو متعلق بحياتك الشخصية.. كيف تبدو حياتك في السجن.. هل أثرت في حياتك الشخصية؟
– نحن كأفراد طبيعة العمل تجعلنا متواجدين دائما بالسجن لا نهتم بمواعيد العمل الرسمية، ولابد في كل الأحوال أن أكون متواجدا وأن يكون هاتفي مفتوحا (24) ساعة رغم وجود ضباط “لبطشية” يعملون خلال اليوم، ولكننا نتواجد لحل جميع المشاكل للاطمئنان على النزلاء، حتى إذا تم قطع التيار الكهربائي أو هطلت الأمطار لابد أن آتي وأتفقد بنفسي، ولابد أن أعلم بكل الأشياء، أنا شخصيا ليس لدي خميس أو جمعة أو حتى سبت. لذا أحرص على إقامة البرامج الترفيهية يوم السبت حتى لا أحرم بعض النزلاء المرتبطين بمحاكمات في الأيام الأخرى، نحن مربوطون هنا لأننا نتعامل مع أناس يحتاجون للرعاية والتفقد، والنواحي الأمنية والخدمات كلها لابد أن تكون موجودة. لذا فنحن تواجدنا دائما ونعمل حتى في الإجازات ولا نذهب للأعياد، وهذا يؤثر كثيرا على حياتنا الشخصية والاجتماعية, لكن نحس بأنه واجبنا ونرتاح عند تنفيذه كاملا.
* هل أنت مستمتع بوظيفتك؟
– مستمتع جدا جدا وأي شخص يعمل هنا مستمتع بعمله ومسؤوليته نحو النزلاء وهذا ليس نفاقا، نحن أناس زُرعت فينا بذرة أننا ضباط سجون، وهذا العمل إذا لم تحبه لا تستطيع أن تستمر.
* ألا يراودك إحساس بأنك أصبحت سجينا لهذه المهنة؟
– نعم أحس بأنني سُجنت في هذه المهنة، ومرات كثيرة لا أستطيع أن أقطع الكبري بسبب تواجدي الدائم في السجن وحتى في المنزل أكون على اتصال مباشر بالسجن، فنحن مربوطون بهذا العمل لأننا نتعامل مع إنسان، ومسؤولون منه مسؤولية كاملة. بالمناسبة هذا السجن مثل المجتمع الخارجي، وأنا هنا أعمل وزير صحة.. وزير داخلية.. وزير تربية وتعليم ووزير إرشاد وأوقاف، كل ضابط هنا يكون لديه مهام ومحددة، السجن مجتمع مصغر نديره نحن بالإضافة إلى الأشياء التي تتولد من الناحية النفسية والذهنية، نحن نجلس مع النزلاء ونستمع إلى مشاكلهم وأسرارهم.
* هل نشأت بينك وبعض النزلاء علاقة ودية امتدت لخارج السجن؟
– ليس بعض النزلاء، بل كلهم نشأت بيني وبينهم علاقات ودية، وأحمد الله على ذلك، وكثيرا ما يعود بعض النزلاء إلى زيارتنا بعد خروجهم، وهناك من يتصل بي هاتفيا في الأعياد والمناسبات، وهذا أمر طبيعي جدا، وكثير من الأحيان يقابلني أحد النزلاء في موقف أكون قد نسيته ويقدم لي خدمة في المواصلات أو إذا كنت مسافرا.. هؤلاء النزلاء يحفظون الجميل و”لاينسوهو”.!!
* هل هنالك نزلاء بعد الإفراج عنهم يعودون مرة أخرى للسجن في جرائم أخرى.. وهل توجد إحصائية لذلك؟
– أنا شخصيا وجهت قبل أكثر من شهر بحصر مَن مِن النزلاء خلال فترة رئاستي للسجن أُفرج عنه وعاد مرةً أخرى للسجن وحتى الآن الرصد صفرا. وهذا العمل قياس للبرنامج الإصلاحي الذي نقوم به داخل السجن، وأنا حريص على معرفة نتائج البرامج الإصلاحية التي قمنا بها في السجن، وأيضا خلال فترة إدارتي للسجن منذ أربع سنين لم أحس بأن هذه الوجوه قد تكررت، ونحن بنعرف الناس هنا.!
* ما هي أصعب المواقف التي مرت بك خلال حياتك العملية؟
– المواقف كثيرة جدا، نحن بشر نتأثر بما حولنا، ومرات نضع أنفسنا في نفس إطار النزيل، ودائما ما تهزنا مواقف كثيرة لا تُحصى، يهزني منظر أطفال في زيارة لوالدهم السجين أو والدة في زيارة لابنها، نحن نحترق جدا بأشياء كثيرة لأن عقوبة السجن متعدية لا تنحصر على النزيل فقط بل تصل أفراد الأسرة، وأحيانا كثيرة نفكر في رعاية أسرهم ونتحرك في هذا الاتجاه.
* هل تتم معاملة السجناء بمستوى واحد أم هنالك معاملة خاصة تشمل بعض النزلاء؟
– المعاملة كلها واحدة من حيث اللوائح والقوانين، تتضمن الحقوق والواجبات، هنالك ما يعرف بحسب القانون الإجراءات بالمعاملة الخاصة، وهذه يقررها القاضي ولا أقررها أنا، وهذه الآن نادرا ما تحدث هنا، وهي تتعلق بأمر السجين نفسه على أن يعامل معاملة خاصة، والمعاملة الخاصة تشمل ملابسه العادية أو ملابس تكون غير ملابس النزلاء ويكون في قسم منفصل، وقد تختلف جرعات الغذاء عن نزلاء آخرين في شكلها وتكون مميزة بجداول خاصة به، والتمييز غير ناتج عن أمزجة ولكن من خلال جداول معينة تشملها القوانين ولوائح السجون رجال ونساء وهي مقسمة لكل فئة تشمل المرضى.
*هل تشمل المعاملة الخاصة المعتقلين السياسيين؟
– سجن كوبر محصور فقط على الجرائم الجنائية، لكن في السابق كان المعتقلون السياسيون لهم جداول وأقسام خاصة في قسم منفصل وله معاملة شبه خاصة حتى الكتب التي يريد أن يدخلها للسجن والصحف، ويكون مميزا بمكان جلوسه وزيه الخاص، فكل نزيل لديه زي وغذاء وحتى الذين يعاملون معاملة عادية في حالات مرضهم تشملهم المعاملة الخاصة من ناحية الغذاء الذي يقرره الطبيب حسب الحالة.
حوار- نازك شمام .. اليوم التالي
خ.ي
تحية الى اللواء عمر عبدالماجد وتفهمه لهذه المسئولية الاصلاحية في المقام الاول حتى لا يكون السجين حاقدا علي المجتمع وينبغي التعامل مع النزيل على الجانب الأخلاقي وجانب الخير فيه والعمل علي تغليبها على الجانب السئ وان ما حدث له كانت زلة اخلاقيه ليعود اكثر فاعلية في المجتمع واهم شئ في السجن تعليمة القران وتوعيته دينيا واخلاقيا ، علمه القران فالقران يعلمه كل شئ . كما لا نغفل دور جهات اخرى داعمة كمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية ذات الصلة .