رأي ومقالات

اميمة عبدالله: هناك .. كنا معاً

اكتب إليك وأنت معي بروحك ، تحرسني ، ترافقني بصوتك الأنيق وحضورك البهي ، اكتب إليك وأنا محتشدة بمشاعر عظيمة قلما أحس بها .
طاهرة هي مكة ، بقعة لا مثيل لها ، مكان مضئ يخصنا نحن المسلمين دون بقية العالمين ، دخولها محرم عليهم ، هي لنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويالا رفعة السواد فيها ، أحببت الأسود المذهب من أجل أنه غطاء بيت الله .

لتوي انتهيت يا رفيق القلب من الطواف ببيت الله عز وجل وتذكرتك ، لا ادري لما تذكرتك ، آلاني كنت وحدي ، خالية من المعارف والأصدقاء ، إنه شريط لحظاتنا يسرد ذاته دون إذن ، إنها خلوة النفس التي يرافق الروح فيها من تحب ، كنت جالسة على الدرج المكي المواجه لبيت الله العظيم ، وفي ثوان ودون اجتهاد وإلحاح استدعاء
– وذلك ما يحدث دائما – تأتينا حياتنا شريط إخباري سريع المرور لكنه سارد صادق ، يخبرنا كيف كنا وكيف هو ماضينا ، عندها يخفق القلب بصدق ، يتذكر الذنوب والخطايا ، تسمو النفس حد الدمع من المولى حياءً ، يضيق الصدر ، يلفنا حزن كمشنقة ، يضطرب الفؤاد ، لكنه عندما يتذكر الرحمة التي وسعت كل شيء ينشرح ليتسع ، تمر الساعات ولا تتعب العين من النظر ولا يرتوي القلب من الأسود المذّهب والطائفين حوله ولا تكف الذاكرة عنك .

كلُ يناجي ربه لوحده ، كلُ لديه سر خاص وأمل وذنب يعلمه هو وربه ، كلهم وحدّهم الشوق إلى الله والطمع في عفو كريم من الكريم ورؤية وجهه في اليوم الموعود.
وأنا هكذا مأخوذة بالصفاء والسمو ، الدمع كما قطرات الصباح الأول يزين خديّ ، ينزل آمنا مطمئناً ، رأسي مستند على حاجز الدرج ، الوقت بين صلاتي العصر والمغرب ، أرتفع بصري قليلاً نحو الفضاء العلوي المبارك ليقتبس من النور الطاهر ، لبيك تُطهر الأذن وأنا هكذا إذ بوجهك يطلّ من بين الطائفين ، باسماً ، متفائلاً بالكرم الرباني ، كعادتك وكعادة بسمة الرضا التي تُزين وجهك دائماً ، خيط رفيع ، قوي مضئ أوصلنا ببعضنا ، أنت معهم وأنا على الدرج ، رفعت يدك محييا ومؤكداً أننا سنكون معا ، صوتك دخل أذني قريباً ، يقينك لا يوافق حدسي ، لن نكون معاً ، ذلك ما قالته اللحظة بالتخاطر مع يقين أن لا سواك سيشغل القلب كما فعلت ، ساعتها وكأنما نسر جارح شد على الجوانب بقسوة حد توقف تدفق الدم أراد أن ينتزع القلب الذي حواك عمراً ، أو هي الأمواج العاتية تتقاذفه دون رحمة بضعفه أو هي الريح تهب كالبرق لتُضئ بعض من أمل .

النداء لصلاة المغرب ولصوت آذان الحرم المكي وقع خاص ، يفج القلب فجاً ليسكن ويُطمئن ، لحظتها تود لو أنك تُغلق الأذن على صوت الآذان فلا تسمع من بعده شيئا ، تصغر الدنيا أمام النداء ، تتراجع الأوجاع وتتمنى لو أنك لا تغادر ذلك المكان أبداً ، لو أنه يحتويك ، يضمك ليحميك من قلبك ، يحتضنك ليُهدئ من روع ذكرياتك .
بمهل أنهض فالمكان طاهر والفضاء والناس والبراحات ، امسح ما سال من قطرات مالحة بظاهر كفي ، لقد أضعت وجهك في زحمة الطائفين وما عدت أراك ، وددت لو أنني أتوضأ بماء زمزم ، مضيت حيث أجدها وأنا أسمي الله لأتوضأ ، كنت معي ، تصب عليّ ترشني بما تبقى منها وبيدك النقية تمسح على خمار رأسي مبتسماً ، لن تعلم أبدا قدر هذا الحب الذي لو رُفع عنه الستر لحير القلوب العاشقة وزواها ركناً . بمن استعين من البشر وبعدك تاهت مني الأسماء والوجوه وقلبك أضيق من استقبال حبي وأضعف من احتماله وأكثر رهقا وانشغالا بالحذر ، لو أن باستطاعة ماء زمزم تبصيرك لجلبته لك معي لكنه تاريخ العشق منذ القدم فهو لا يُعطى ولا يُهب ولا يُمنح .
مكة التي تعلق قلبي بها واشتاق فيها إليك ، سأحملكما معا مدينة من نور ورجل في القلب آمن

اميمة عبدالله

تعليق واحد

  1. شكرا استاذة اميمة على هذا البوح الجميل . . دائماً كما عهدناك
    تحياتي و تقديري