منوعات

أصوات منفرة تتسرب لمآذن دمشق.. واعتراضات تجمِّد توحيد الأذان

تصدح في العاصمة السورية العديدُ من الأصوات المنفرة التي تصل إلى مكبِّرات صوت مساجدها لأسباب عديدة، وذلك رغم وجود “مفتشين دينيين” ولجنة مختصة تضم مندوبًا عن نقابة الفنانين تختار المؤذنين وتنظر في الشكاوى المتعلقة بهم.

فمديريات وزارة الأوقاف في المدن السورية هي الجهة المسؤولة عن اختيار المؤذنين، كما يوضح مفتي دمشق الشيخ عبد الفتاح البزم في حديثه لوكالة فرانس برس، الجمعة 8-5-2009، متمنيًا على تلك المديريات اختيار المؤذنين من بين “أجمل الأصوات وأحسن الأداءات”.

وإذ يرفض الشيخ البزم وصفَ صوت المؤذن بالنشاز، ويفضل القول إن “أصوات الناس تتفاوت”، يؤكد في الوقت نفسه أن حسن الصوت والأداء “ضروري” توفره في المؤذن “كي يكون هذا الإعلام عن إقامة الصلاة في الأوقات الخمس محببًا للنفوس، ومدعاة للسرور والقبول” عند من يسمعه من مسلمين وغيرهم.

واستنادًا إلى تجربته التي لم تخل من “مقاساة” جعلت الجامع ملجأه الوحيد، فإن محمد عربي التخين، مؤذن جامع “بعيرة” وسط العاصمة السورية، يقول إن ما يقارب 50% من مؤذني دمشق “لا علاقة لهم بالأذان ولا يعتمد على أصواتهم، حتى أن فيها نشازًا”، ويأسف لأن “الواسطة تتدخل في تعيين المؤذنين”.

ومن بين الأصوات التي تعلو رافعة الأذان في مساجد دمشق، وتتراوح تقديرات عددها بين 450 و700 جامع، لفت المؤذن التخين انتباه أبناء الحي المحيط بالجامع الذي يؤذن فيه، فهو “يتمتع بصوت متمكن وبأداء مؤثر” على حد تعبير مأمون، الذي يدير محلاً لصيانة الأجهزة الرياضية في ذلك الحي.

ويبدو الرجل محرجًا وهو يقول “نتمنى أن تحل الأصوات الشابة مكان بعض المؤذنين الذين كبروا وتعبت أصواتهم”.

ويروي المؤذن ذو الأربعين عامًا حادثةً جرت معه منذ أسابيع إذ قصدته امرأة أجنبية في المسجد بعد رفعه أذان العصر تسأله إن كان لديه “سي دي غناء”، ويتابع بعد أن علت وجهه ابتسامة رضا “سبحان الله حتى أنها لا تعرف كلمة أذان”.

ويتذكر هذا المؤذن كيف كان بيته ملاصقًا لحائط جامع ومؤذنه “منفر ولم أكن أصدق متى ينتهي الأذان”، مشيرًا إلى أن رفع الأذان يستلزم مقدرات في الصوت وعاطفة صادقة لأداء هذه الشعيرة الدينية.

وما حدث مع هذا المؤذن يتكرر على لسان كثيرين غيره، وثمة حادثة شهيرة في هذا السياق يوردها الشاعر الدمشقي نزار قباني في مذكراته عندما خرج والده ولاحق ببندقيته مؤذنًا أزعجه صوته وهو يرفع الأذان في جامعٍ قريب من بيتهم.

ويشرح مدير مكتب مدير الأوقاف في دمشق صالح تلج أن لديهم لجنة مختصة تنظر شهريًا في “الشكاوى”، ومنها المقدمة من الأهالي بحق المؤذنين، وإذا ثبت للجنة أن المؤذن لديه مشكلة “يتم فصله مع حفظ حقوقه المادية”.

ومعظم المخالفات في موضوع الأذان يلخصها تلج بمسألة “تراجع المقدرات” الصوتية لبعض المؤذنين مع تقدمهم في السن، إذ إن سن تقاعدهم هو الستين، ويؤكد أن وزارة الأوقاف “شددت” على عمل اللجان الفاحصة، مضيفًا أن “مواضيع الفوضى والعشوائية في المساجد نحلها تدريجيًّا”.

لكن مسؤولاً في “التفتيش الديني” التابع لمديرية أوقاف دمشق، يتحفظ على ذكر اسمه، يبين أن اللجنة التي تفحص المؤذنين تضم إلى جانب منشدين ومسؤولين في وزارة الأوقاف مندوبًا عن نقابة الفنانين، لافتًا إلى أن “الفحص قاسٍ ولا يتجاوزه من لا يملك صوتًا جيدًا أو لا يفهم بالنغمات”.

والسبب الرئيسي لسماع أصوات “غير متمكنة” ترفع الأذان، بحسب هذا المسؤول، هو “تدني الأجور” الذي باعتقاده يدفع المؤذنين إلى “التغيب” عن مهمتهم في بعض أوقات الصلاة، ليقضوا أعمالاً لهم، موكلين مهمة رفع الأذان إلى “أناس غير أكفاء أحيانًا يزعج صوتهم الناس”، مؤكدًا على “ضرورة” تحسين وضع المؤذنين “ووقتها نحاسب المؤذن إذا تغيب عن رفع الأذان” على حد تعبيره.

وكغيرهم من “الموظفين الدينيين”، فإن التعويض المالي للمؤذن متواضع، وهو حوالي مائة دولار شهريًا.

وبلهجةٍ متفهمة، يعرب مفتي دمشق عن اعتقاده بأن المؤذن يفهم رفع الأذان على أنه “عبادة وخدمة دين ولو أنه أراد أن يمشي على موضوع الراتب كان لا يؤذن”، ويضيف أنه “لولا أن الدوافع الإيمانية لوجدنا تخلفًا كبيرًا” في مجال الوظائف الدينية عمومًا.

وفي سياقٍ متصلٍ كان المفتي العام لسوريا أعلن مطلع عام 2007 عن مشروع لإلغاء مكبرات الصوت وتوحيد الأذان في جوامع سوريا (حوالي عشرة آلاف جامع)، لينطلق من جامعٍ واحد في كل محافظة سورية ويصل بقية جوامعها لاسلكيًّا، إلا أن هذا المشروع كما يوضح مفتي دمشق “لم يخرج نقاشه بنتيجة لأن المعترضين عليه من العلماء كُثر”.

ولا يخفي مفتي دمشق معارضته لهذا المشروع، والسبب الرئيس كما يقول هو أنه يرى “الأذان عبادة بحد ذاته”، وأن المشروع خطوة “خاطئة” من شأنها “تعطيل ألف حنجرة في دمشق عن هذه العبادة

العربية نت