الركابي حسن يعقوب : يوسف اعرض عن هذا واستغفر لذنبك
وتعليقاً على دعوة الكودة نقول إن إعمال قاعدة أخف الضررين والعمل بالمفسدة الدنيا في هذه المسألة غير صحيح البتة لأن هذه القاعدة تستخدم عند تزامن وقوع ضررين في وقت واحد، ولا يكون هناك بد من الأخذ بأحدهما فهل ينطبق ذلك علي هذه المسألة؟ هل واقعة الزنا تتزامن مع الإنجاب وهل هذا الأخير نتيجة حتمية للأول؟ نقول إن الدعوة وبذات المنطق الذي استند إليه الكودة هي دعوة انطلقت من الغرب «العلماني» أطلقتها منظمات مجتمع مدني وتبنتها الحكومات وأصبحت من الوسائل المتبعة عندهم للوقاية من التداعيات المترتبة على الزنا واللواط وهي ممارسات مباحة وغير محرمة في المجتمعات الغربية، ويقوم منطق إباحة هذه العلاقات المنحرفة هناك تأسيساً على أن الجنس حق من الحقوق الأساسية للإنسان وأن الحاجة إليه تعادل الحاجة الى الأكل والشرب. فهل نحن في مجتمعنا الإسلامي ننظر الى الجنس بذات هذه النظرة التي لا ضابط لها؟ وأخطر ما في دعوة الكودة أنها تتصالح وتتهاون مع مرتكبي جريمة الزنا بل تقدم لهم العون والمخرج من تحمل وزر ما تترتب عنه هذه العلاقات المحرمة وتجعلها وكأنها من الأمور المباحة. دعوة الكودة هذه تقفز «بقدرة قادر» إلى معالجة «العَرَضْ» دون المرض، فالأطفال فاقدي الأبوين هم مجرد «عَرَضْ» من أعراض ومترتبات الزنا وليس بالضرورة أكبرها وأعظمها، فالعقوبة الشرعية للزنا مائة جلدة لغير المحصن والرجم للمحصن «ذكراً كان أو أنثي» سواء نتج عن الزنا حمل أو لم ينتج فالعقوبة واحدة ومعيارها «الإحصان» من عدمه. والخطأ الذي وقع فيه الكودة أنه جعل علة دعوته هذه تقوم فقط على مسألة حدوث حمل كثمرة للزنا وهي علة غير صحيحة فليست كل علاقة «زنا» ينشأ عنها حمل بالضرورة. ونسي الكودة أن ما يترتب علي جريمة الزنا من مصائب «غير الحمل» كثير لا يحصى وأوله هتك أعراض الناس وابتذالها وإهدار فضيلة الاستعفاف التي أمر الله بها من لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم من فضله، وازدياد حالات الإعراض عن الزواج وشيوع الأمراض الجنسية القاتلة والإصابة بالأمراض النفسية والقتل بسبب الشرف والطلاق بسبب الخيانة الزوجية… الخ مما لا يمكن إحصاؤه في هذه المساحة الضيقة.
يقول الله سبحانه وتعالى «ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً» الإسراء «32»، فهذا أمر صريح وواضح بألا نقرب الزنا وهو نهي بليغ وينطوي على تحذير مشدد بعدم القرب وليس فقط بعدم الوقوع، وسماه الله «فاحشة» والفواحش هي كبائر الذنوب، فالزنا من الكبائر وينبغي ألا تفتح أية نافذة للتصالح معه، بل يجب تقبيحه ما وسع الناس الى ذلك سبيلاً ولا ينبغي أن نعمد الى أحد مترتباته فنضخمها ونعظمها ونصورها على أنها أكبر من الزنا نفسه حتى يسوّغ لنا ذلك استخدام القاعدة الفقهية العظيمة التي أُسيء فهمها وأُسيء استخدامها حتى أضحت مهترئة وهي قاعدة «أخف الضررين» مثلها مثل أخوها من الرضاعة «فقه الضرورة».
نقول للكودة الذي يسبق اسمه بصفة «الداعية الإسلامي» إن نسبة منع الحمل باستخدام الواقي حتى تلك المزودة بمادة قاتلة للحيوانات المنوية هي 25% فقط، والشركات التي تصنعه وتسوقه تكتب على العلبة تنويهاً ملزماً يقول إن هذا الواقي لا يضمن منع الحمل ولا الحماية من الأمراض الجنسية بنسبة 100% وكان يجدر بك أن تستقصي الأمر من الناحية العلمية قبل أن تصفه للناس بثقة على أنه حل ناجع. كما أسلفت فإن هذه الدعوة هي من صنع الغرب المتحلل من الدين والقيم الدينية لأسباب تاريخية معروفة، وقد اتبعوا هذه الدعوة الى استخدام الواقي ببرامج «إرشادية» عملية لشرح كيفية استخدامه ومستويات نجاحه وكل ما يتعلق به في وسائل الإعلام المختلفة وفي المناهج الدراسية للبالغين، وتجد الواقي ضمن متعلقات هؤلاء البالغين إناثاً وذكوراً والتي يدل اقتناؤها على ممارسة مقتنيها للزنا إن كان غير متزوج، فهل لمثل هذا يدعو الكودة؟ ونسأله هل من الحكمة إشاعة بيع وتداول هذا الواقي مثله مثل باقي السلع والأدوية الأخرى دون ضوابط صارمة، ودون أن تكون قصراً وحصراً على الأزواج وفق دواعي علاجية وبناء على وصفات طبية لتباع في البقالات وعند الباعة الجائلين وعند بوابات المدارس والجامعات؟ قل لنا يا أيها «الداعية» أيهما أصح وأفضل، أن نأمر الزناة بالمعروف وننهاهم عن منكرهم هذا ونعظهم بالموعظة الحسنة ونحول بينهم وبين ما يشتهون، أم نزودهم بما يعينهم على الزنا بتوزيع الواقي الذكري عليهم ثم نقول الحمد لله قد أخذنا بقاعدة أخف الضررين! إن الأخطاء لا تعالج بأخطاء أكبر منها ولا حل لهذه المعضلة إلا باتباع نهج المصطفى عليه الصلاة والسلام بالحث على الزواج وبالصوم والصبر والاستعفاف إذا تعذر الزواج وبنشر قيم الفضيلة وتطبيق العقوبات الشرعية على مقترفي هذه الفاحشة وفق أحكام الشريعة، ولا نملك إلا أن نقول له صادقين: يوسف اعرض عن هذا واستغفر لذنبك.
صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]