عثمان ميرغني

الحل.. في “العواسة”!


[JUSTIFY]
الحل.. في “العواسة”!

وزير المالية الأستاذ علي محمود أول مابدأ عهده بالوزارة..(تكعبل) في تصريح صحفي سارت به الركبان.. إذ قال إن الحل في الرجوع إلى (عواسة الكسرة).. وحينها ضحكنا عليه.. وقلنا (أول الرسالة كُفر)..

لكن يبدو أن الوزير كان على حق.. نحن فعلاً في حاجة للعودة إلى (عواسة الكسرة).. ليس بالمعنى السطحي الذي قد يتبادر للبعض.. بل بالمقصد (الإستراتيجي) الذي يتعلق بثقافة الأمة السودانية الغذائية.. التي تحولت بسرعة كاسحة من استهلاك الذرة التي نشتهر بها وتناسب طقسنا وبيئتنا إلى القمح الذي يتناسب مع طقس العالم البارد..

حسب الإحصاءات الرسمية نحن نستورد كل عام حوالي مليونين اثنين من أطنان القمح.. بما يعادل حوالي (800) مليون دولار.. تصوروا إذا وفرنا مثل هذا المبلغ الخرافي لدعم زراعة الذرة.. بالتأكيد نحقق هدفين.. الأول المحافظة على أهم بنود طعامنا في متناول كل فرد وأسرة.. والثاني وهو الأهم.. نضمن أن غذاءنا في بيتنا.. ولا سبيل لأن يصبح بنداً في لائحة أي ضغوط أو معادلات دولية.

وللحقيقة يدهشني مطالبة المزارعين في القضارف برفع أسعار الذرة.. فذلك يعني مزيداً من التعويل والاعتماد على القمح.. فالمفهوم لدى أي أسرة سودانية أن وجبة (الكسرة) أغلى من الخبز.. ولهذا تحول طبق الكسرة في المائدة السودانية إلى (تحلية) تقدم في النهاية..

المطلوب من الدولة تبني إستراتيجية دعم منهجي لزراعة الذرة.. بتمويل مدخلات إنتاجها بأقل تكلفة (وليس دعم سعر شرائها من المزارع).. حتى ولو بلغت حد توفير التقاوي مجاناً.. وتطوير آليات التخزين والتسويق المحلي والخارجي بحيث تنهمر على المزارع أمطار العائد الاقتصادي المجزي بل المغري..

بالتأكيد لدينا فرصة إنتاج القمح محلياً وبدرجة واسعة تحتمل أن نصبح دولة منتجة ومصدرة للقمح.. لكن ذلك يأتي في الدرجة الثانية في سلم أولوياتنا.. لأن توفير الذرة بأسعار زهيدة للمواطن هو أمر في حد ذاته دعم لإنتاج القمح.. حيث إن تقليل استهلاكه يوفر فرصة أوسع لتصديره بعد ذلك.

بالله عليكم أسألكم.. بمناسبة انعقاد المؤتمر الاقتصادي اليوم.. ما الذي ينقصنا لنكون أمة منتجة ومصدرة للغذاء.. أليس مخجلاً على رأي صديقنا حسين خوجلي أن تحتشد صفحاتنا الأولى في صحافتنا بأخبار أزمة الخبز والطوابير.. بينما أمم أخرى مثل إيران تذهب إلى (جنيف) لمحاورة العالم حول برنامجها النووي.. أمم تنظر إلى السماء.. ونحن نطأطئ رؤوسنا إلى الأرض نتسول الطعام..

لابد من الإقرار بالخطأ المنهجي في تفكيرنا.. نحن دولة (مغلقة) لا تفكر بكل عقول أبنائها.. حرية التفكير ليست مكفولة للجميع.. ثلة من المحترمين لديهم حق التفكير.. وغالبية العقول مهما سمقت وتخصصت ليس لديها إلا أن تنطق بـ(آمين) خلف الصفوف..

ومثل هذه المؤتمرات الاقتصادية أو غيرها لن تحقق الهدف المرجو منها طالما أن الجميع يعلم.. أن حرية التفكير غير مصانة.. قد يفقد المرء منصبه إذا فكر خارج دائرة التفكير المسموح بها.. هذا إذا لم تكن التوصيات مكتوبة قبل أن تبدأ الجلسات.

على كل حال.. لم تعد الأزمة الاقتصادية (نظرية) للجدال حولها في القاعات المغلقة. هي الآن في الشارع..

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. وليه ما يكون الحل في ذهاب الحكومة ولا انت اعوس اقصد اجبن من ان تقول ذلك