رأي ومقالات

يوسف عبد المنان : تدويل الحوار

[JUSTIFY]أصدر مجلس الأمن والسلم الأفريقي بعد اجتماعه أمس الأول قراراً بتوسعة التفويض الممنوح لآلية الوساطة الأفريقية برئاسة “ثامبو أمبيكي”، لتشرف بصورة مباشرة على عملية الحوار الوطني في السودان للوصول لاتفاق ينهي الاحتقان السياسي في المنطقة.. القراءة الأولى للقرار الأفريقي تقول إن المبادرة التي يقودها “أمبيكي” للحوار والتفاوض بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال قد انتهت الآن وما عادت لها جدوى، وكذلك المبادرة الأفريقية العربية الأممية “الدوحة” التي تعني بالتفاوض بين الحكومة ومتمردي دارفور قد انتهت أيضاً وتم إدماج كل المسارات في مسار الحوار الوطني، وفي ذلك انتصار كبير جداً لرؤية الحكومة التي طرحتها كبديل لتعثر المفاوضات على جبهتي “الدوحة” و”أديس أبابا”. ولكن انتصار رؤية الحكومة جاء بشروط الجبهة الثورية.. كيف ذلك.. لقد طالب “ياسر عرمان” الأمين العام للحركة الشعبية في لقاء بالصحافيين بفندق (ريدسون) بالعاصمة الإثيوبية “أديس” في فبراير الماضي (بتدويل) فكرة الحوار الوطني ليشرف عليها أمبيكي بدلاً من “البشير”، لأنهم لا يثقون في “البشير” ولا يضمنون حياده وهو في قمة هرم قيادة حزب المؤتمر الوطني. وأثار موقف “عرمان” جدلاً كثيفاً بينه وبيننا نحن الصحافيين الثلاثة “محمد عبد القادر” و”آدم محمد آدم” وشخصي، لكنه تمسك بموقفه ودعوته. وقدم “عرمان” دفوعاته بأن القضية السودانية تم تدويلها منذ سنوات بعيدة.. وبات المحل السوداني من غير ضمانات إقليمية ودولية مستحيلاً.. وحينما جلسنا مع السيد “مبارك الفاضل” الذي زار مقر المفاوضات والتقى “أمبيكي” وكان قريباً جداً من وفد الحركة الشعبية، قال إن نجاح الحوار الوطني رهين فقط بقبول الحكومة إشراك “أمبيكي” كمشرف على الحوار وراعياً له حتى يؤتي أكله. وقد رفضت الحكومة حينذاك مبدأ إشراك “أمبيكي” في الحوار الوطني باعتباره شأناً داخلياً محضاً.. بيد أن ذلك الموقف كان (تكتيكياً) لجر المنافسين والفرقاء إلى الملعب الداخلي حتى ولو تمت الاستعانة بحكام أجانب لإدارة مباراة الحوار، فإن الجمهور كما تعتقد الحكومة سيشجع (فريقها)، وبالتالي ستلعب الأرض مع أصحابها.. وفي ذلك إغفال عن حقيقة أن الفريق الآخر أيضاً و(طني) ولكنه مغيب أو غائب بإرادته لسنوات طويلة، وبالتالي قد لا يساعده الملعب الخرطومي على الأداء وتحقيق النتيجة التي يطمح إليها .
{ قرار مجلس الأمن والسلم الأفريقي غير قابل للرفض من قبل الأطراف الرئيسية، وهي الحكومة والجبهة الثورية وأحزاب مجموعة (7+7)، قبل أن يتم إبعاد حزب الأمة من المقعد الذي كان يجلس عليه واستبداله بحزب العدالة. وحال حزب الأمة غير بعيد عن وصف الإمام علي كرم الله وجهه (إذا أدبرت الدنيا عن امرئ سلبته محاسن نفسه). ومجلس السلم والأمن الأفريقي يتغمص شخصية وكيل مجلس الأمن الدولي في المنطقة.. وحينما يخاطب السيد “أمبيكي” مجلس الأمن الأسبوع القادم سيرحب أعضاء مجلس الأمن الدولي بالخطوة التي أقرها القادة الأفارقة، ويلوحون بمغريات للحكومة السودانية إن هي أقبلت على التفاوض مع الفرقاء الآخرين!
إن قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي نقل القضية السودانية إلى مربع جديد يقتضي التعامل معه بصدق وجدية ومرونة، وقراءة الواقع السياسي الإقليمي والدولي والنظر برفق لأوضاع السودانيين الراهنة، حيث يتعرضون لضائقة معيشية لم تشهدها البلاد من قبل .. وبات الأغلبية من أهل السودان على قناعة بأن الحرب وركوب الرأس سيركبهم قطار المهالك، ولا خيار غير السلام العادل ووقف الحرب.

المجهر السياسي
خ.ي[/JUSTIFY]