بيانات ووثائق

نص كلمة نائب رئيس الجمهورية امام الملتقى الثانى للإعلاميين السودانيين العاملين بالخارج


خاطب الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية الجلسة الافتتاحية للملتقى الثانى للإعلاميين السودانيين العاملين بالخارج وفيما يلي نص خطابه :
الحمد لله الذى خلق الانسان ، علمه البيان ، وتميز بذلك عن سائر المخلوقات ، وكان البيان له شرفاً ومسئولية ، شرفاً إذ يعبر به عن لسان الحمد الله ويتلو آياته ويتعلم حكمه ورسائله ومسئولية فى أن يعبر إمتداداً لذلك عن خلجات النفس وعن مشاعر الإجتماعى الإنسانى التى يجعله البيان متميزاً عن سائر مجتمعات الخلق من الحيوان وغيره ومن هنا فإن مسئولية البيان كما نعلم جميعاً تصبح هى المسئولية الأكبر وفى زماننا هذا زمان ثورة المعلومات والتقانة تصبح مسئولية البيان هى الأخطر وحينما يتحدث الناس عن ثورة المعلومات وعن إتساع افق التقنية المعلوماتية الحديثة ، حتى سقطت العوازل والحدود وصار الإعلام إعلاماً بلا حدود ، والبيان بياناً بلا حواجز ، من حيث يسر البلوغ إلى الملتقى ، سقطت الحدود واصبح التواصل وبلوغ المعلومة والبيان امرا لا مثيل له ، يكاد يصبح سمة هذا العصر وميزته الأساسية هذا من حيث تقدم التقنية ، والأداء ، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه فى مجتمع إنسانى يبحث عن معايير الرقى الإنسانى والحضارة الإنسانية ، هو هل إستطاعت الإنسانية ان توفر فى مقابل هذه الثورة البالغة الأثر المنداحة بلا حدود وبلا حواجز هل استطاعت ان توفر من المعايير الموضوعية ما يجعل هذه الثورة الضخمة من تدفق المعلومات والإتصال مادة تعين على إسعاد الإنسان وعلى جمع صفه ومعالجة أدوائه وتوحيد مفاهيمه وامتصاص التوترات بين سائر بنى البشر ؟ هذا هو السؤال والمراقب المنصف يجد انه بمقدار ما استقت وسائل الإتصال زادت عوامل النفور والتجافى والقطيعه والتوتر وسوء الظن والشك بين مكونات المجتمع الانسانى الآن وصار الرفض للآخر الذى يجئ نتيجة سوء إستخدام هذه الأداة التقنية العالية المتقدمة ، يلجأ إلى العنف وإلى القتال وإلى الشدة والى القوة ولذلك نجد ان اللوحة البشرية العالمية اليوم تكاد تذخر بسمة واحدة مميزة هى العنف ، والقوة والقتل والبغض والشحناء ، وهذا هو الذى تطارده أجهزة الاعلام بكاميراتها وأقلامها ومصوريها ومخبريها ومراسليها والسؤال الذى ينبغى ان يدور بينكم أيها الأخوة والأخوات ابناء السودان ، الذين نرحب بكم ونحييكم فى وطنكم وصاحب الدار هو أولى بداره فلا نكيل بالترحاب إلا بمقدار أن نقول لكم أنتم فى داركم لتحسنوا تنظيمها وترتيب شأنها فخيرها لكم وشرها عليكم اذ تأتمرون هذا الإئتمار وتستجيبون هذه الإستجابة الطيبة لدعوة كريمة من إخواننا القائمين على أمر هذا الملتقى ، فان ما ننتظره من المداولات ينبغى الا يغفل هذا الجانب فالإعلام لم يعد بالقطع إعلاماً يمكن أن يوصف بالمحلية ومهما ركزنا على تناول قضايانا وشئوننا كمجتمع إعلامى وفى اطار سوداننا الوطن فإننا لا مناص من ان نتناول البعد العالمى للنهضة التى ننتمى إليها ، ومن هنا يصبح الاهتمام والإلتفات لهذا البعد امراً حيوياً وضرورياً يزيد فى ذلك ان كثيراً من الجهات التى سيأتى الإشارة إليها فى هذا الملتقى والتى يعمل بعضكم فيها هى وسائط إعلامية عالمية توصف بالعالمية وبالدولية ويتجاوز بثها واثرها الحدود والأقطار ونعلم خطورة ذلك ومسئولية ذلك فى صنع هذا الشقاء الإنسانى الدولى وأرجو أن أكون صادقاً فى التعبير عن هذا الشعور إحساسى ان الآلة الاعلامية العالمية الضخمة توظف فى غير الأولويات التى تسعد الإنسانية ومن بعد يأتى الناس ليتحدثوا عن الإرهاب ويتحدثون عن التطرف ويتحدثون عن القبلية ويتحدثون عن الإثنية وعن هذه الصراعات ونحن نراهم ، نرى كيف تستغل هذه الأداة الإعلامية العالمية لضرب وحدة الشعوب والدول ، نحن أهل العالم النامى الذى هو مادة الإعلام ، لو أننا قمنا بتحليل المادة التى تصبها الاجهزة الاعلامية الدولية لوجدنا أن تركيزها الأكبر ، لا نقول انها لا تتناول شيئاً مما يجرى فى دولها كما ذكرت الأخت زينب ، حوادث هنا وهناك ولكن كأن العالم وكأن المجتمع الانسانى كله لا تدور أحداثه الهامة إلا فى شعوب آسيا وافريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وامريكا اللاتينية ، والسؤال لماذا ؟ ولماذا لا تقدم الصورة عن هذه الشعوب إلا بما يحقر قيمتها فى أنفس أهلها وبما يجعل الآخرين ينظرون اليها نظرة الإستحقار والإستخفاف ؟ والأمثلة كثيرة ،كلنا يدرك ويعلم أن ثورة المعلومات الآن ، الناس يتحدثون عن انك لا تستطيع إخفاء شئ ، لا أحد يتحدث عن إخفاء الحقيقة ، ونحن نقول لكم هنا فى السودان إن ابوابنا مشرعة وان كتابنا مفتوح بما فيه من جراح ومن ألم وأمل وبما فيه من اضطراب وبما فيه من خوف وأمن فكل ذلك لا نخفيه على أحد ولا تداخلنا عقدة الإحساس بإننا استثناء على ما يجرى فى العالم وذلك أول قدرات البناء والدفاع المعنوى فى وجه الحملة التى تريد ان تصور السودان بما يجرى فيه وكأنه استثناء لما يجرى فى العالم بل ان ذلك قد امتد حتى صار مادة فى المحافل الدولية ليقال ان ما يجرى فى السودان يهدد الخطر والسلم والأمن الدوليين نحن نقول فى دفاعنا عن أنفسنا ان ما يجرى فى بلادنا لا يشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين ، وان الذين صاغوا عبر هذه الآلة الإعلامية الدولية الضخمة ، هذه الصورة المجحفة فزرعوها فى عقول وقلوب ابناء البشرية كلها حتى تأثر بها اقرب الأصدقاء الى السودان ، حتى تأثر بها أبناء السودان انفسهم حتى صار بعضهم يتوارى خجلاً من ان يقول انه ينتمى الى السودان لأن السودان تجرى فيه واحدة من فصول المآسى التى تهدد السلم والأمن الدوليين نحن نقول ان جراحنا فى دارفور تؤلمنا ، ونحن نقول ان الصراع الذى يجرى فى دارفور يؤذينا ونحن نقول ان جهودنا التى نبذلها لمعالجة أدواء جراحنا فى دارفور تمتلك ذات الإرادة والقدرة السياسية التى استطعنا بها ان نداوى جراحنا فى الجنوب وفى الشرق وفى مناطق كثيرة من السودان ولكننا نقول بنفس اليقين والثقة وبذات الإرادة ان ما يجرى فى دارفور لو انه وجد السياسة الموضوعية لما إرتقى ان يكون من مهددات الأمن والسلم هذه مدعاة للسخرية ، بل اننا الآن نلاحظ ان ذات الآلة الإعلامية التى كانت تصور ان ما يجرى فى دارفور خطر على السلم والأمن الدوليين ، هى ذاتها التى ( تجير) الآن لتقول ان الذى يجرى فى دارفور أمر يمكن أن يحل ويعالج ولا يخرج من نطاق السيطرة على ذات النهج الذى استخدمت به الآله الإعلامية العالمية فى دولة افريقية غير بعيدة حينا شجر صراع بين سياسييها وقواها المتنافسة على السلطة فسلطت الأضواء على وباء الكوليرا وصار وباء الكوليرا عبر ما يصور عبر آلية الإعلام العالمية يهدد بزوال وفناء شعب تلك الدول بأكملها ، لو انك طالعت واستمعت الى ما كان يبث الإعلام فى صدارات نشرات الأخبار الدولية فى انتشار الكوليرا فى زيمبابوى قبل أشهر لأشفقت وأمسكت قلبك خوفاً من ان شعب زيمبابوى سينتهى ويختفي من وجه البسيطة فى أسابيع محدودة من جراء فتك الكوليرا ، ولكن ما أن وقع الصلح السياسى وتلاقت الأطراف السياسية حتى اختفت الكوليرا بقدرة قادر وتلاش من شاشات الفضائيات العالمية خطر فتك الكوليرا بشعب زيمبابوى إيها الإخوة والأخوات . الذى أطرحه لمادة التداول فى هذا الملتقى ليس ان نتحدث فقط عن المساحة المتاحة لنا فيما ننتمى إليه من مؤسسات وأنا أعلم حجمها وانتم اعلم بها منى ، فالذى يكتب ضد التيار العام قد يفقد موقعه . أين الحديث عن حرية الصحافة ؟ وموضوعية الإعلام والخبر ؟ اسالوا ضمائركم وكنا نعرف الإجابة خاصة الذين يعملون فى المؤسسات الإعلامية الدولية من يجهر بالحقيقة الموضوعية يفقد منصبه أو ينزوي الى إدارة غير ذات اثر وأهمية ، فهل الذى نطرحه ؟ هل الأداة الاعلامية الدولية موضوعية ومنصفه ؟ وهل الصورة التى ترسم عن شعوبنا ودولنا ونشارك فيها بوعى وبغير وعى فى رسمها لدولنا وشعوبنا هى الصورة المنصفة الحقيقة الموضوعية ؟ نحن لا ندعو ولا نطالب بإخفاء الحقيقة او بتزييفها ، ولكننا ندعو ونطالب بأعمال المعايير الموضوعية التى تعين على النظر الى النصف المملوء من الكوب ، كما يجرى التسليط على النصف الفارغ ، اما ان يقال لنا وان تغسل ادمغتنا كما غسل فى حرب العراق حينما ( جيز) كل هذا العالم حتى ابناء الأمة العربية والأفريقية فى العالم النامى لتصل الى حد القناعة بأن العراق قد تخفى واسلحة للدمار الشامل حتى غزيت العراق بل ان تقصفها الطائرات من خلال الآلية الاعلامية الدولية والسؤال هو كيف نكفكف الاذى نحن الذين ننتمى الى شعوب العالم المستهدف كيف نستطيع ان نكفكف الأذى من ان تستغل وان نستغل من خلال هذه الادوات الاعلامية الدولية لنغزوا شعوبنا ولنكسر ارادتها ولنحطم كرامتها ولنزعزع ثقتها فى نفسها لتكون رهناً لإشارة ولخطط ومخططات الاستعمار والسيطرة العالمية ، ليس فى العالم عبد مطلق وليس فيه عبد نسبى والحديث الذى يجرى من اننا نهدد السلم والأمن الدوليين وان السودان رئيسه خارج مارق على معايير العدالة الدولية وان .. وان… هذه الصورة انتم الآن مدعوون هنا لتقولوا بلفظ الضمير الحى وباعمال المعايير الموضوعية لا نطلب منكم دفاعاً كما قال الأخ كمال عبداللطيف عن رئيس الدولة ولا عما يجرى فى السودان ولكننا نطلب منكم شهادة بالمعايير الموضوعية المهنية التى جئتم تتسلحون بها وقولوا لنا هذا هو حكمنا وهذا هو الخطأ وهذا هو الصواب فى تجربة وطننا ،وحينئذ ستجدون منا كل التقدير والتحيه والإحترام والنزول على ما تقدمونه من أحكام وتوصيات اعملوا هذه المعايير المهنية وتحاوروا على ضوئها لتحملوها الى العالم كله باقلامكم وكاميراتكم وبتحليلاتكم وبرسائلكم لتقولوا للعالم كم انت ظالم لبلدنا ولوطننا الذى نحب ولكل الشعوب ولكل البلدان التى تجمعنا بها اسرة الاسلام والأنتماء الجغرافى والتاريخى المشترك والحاضر المشترك والمستقبل المشترك الصراع فى العالم قديم متجدد وانتم هنا لتعلموا كيف يمكن ان نرص صفنا
الاعلام الآن هو اداة أولى للقوى المتنفذة فى العالم لبسط سيطرتها وكلمتها على الناس فكيف نستطيع ان نعبئ جانباً من هذه القوى لتدافع عن وطننا ؟ ليست المدافعة الآن بالمجموعات التى تستطيع ان تصد جيوش الغزو لكن الدفاع بمجموعات الفكر والعقل وسلاح البيان والاعلام والمعلومة وانتم بذلك تقفون على ثغرة متقدمة وذات اهمية بالغة فى الدفاع عن وطتكم وانا على يقين من ان هذا الملتقى سيتيح لكم فرصة موضوعية لتداول يمدكم بذخيرة أنا على يقين مرة اخرى انكم سوف تحسنون استخدامها لمصلحة وطنكم وضمير الأمة ولمصلحة الانسانية . وفقكم الله السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته .

المصدر :سونا