الاكتئاب الجماعي!
بعيدا عن جدل السؤال الفلسفي هل السعادة والشقاء من الصفات الوراثية التي يولد بها الإنسان ولا تتغير أم أنها من صنع يده الإنسان نفسه، والبيئة المحيطة؟، لفت انتباهي خلاصة دراسة جديرة بالتأمل أجراها باحثون في جامعة (كوينزلاند) الأسترالية، لقياس نسبة الاكتئاب لدى سكان العالم، كدرجة استفحال المرض ومدته في تحديد تداعياته على الصحة الاجتماعية، حيث وجدت الدراسة أن الاكتئاب ثاني متسبب في الإعاقة بعد تطوره إلى مرض عضوي، وأن 4% من سكان العالم يعانون منه حسب معطيات التشخيص، الخلاصة المثيرة التي انتهت إليها الدراسة أن سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (يعنى السودان من ضمنها) يأتون ضمن الشعوب الأكثر اكتئابا بين شعوب العالم، ومن حيث الدول تصدرت أفغانستان قائمة المكتئبين بجدارة بينما، فيما تذيلت اليابان القائمة.
ومن المعايير التي اتخذتها الدراسة الأسترالية، في تقدير نسبة الاكتئاب عبر العالم، قياس ما أضاعه الاكتئاب على المرضى من سنوات حياتهم، لكون اضطراباته ذات انعكاساتٍ على أمل الحياة، وكانت النتيجة أن نسبة الاكتئاب تنخفض في الدول التي تعنى بالصحة النفسية لسكانها.
بعد أفغانستان التي تتوفر فيها كل مسببات الاكتئاب كنت أظن أن العراق سيحل ثانيا في القائمة، ولكن المفاجأة أن مستوى الاكتئاب في العراق رغم الموت المجاني واليومي، حيث أشارت أمس وسائل الإعلام إلى أن حصاد الشهر المنصرم فقط (950) قتيلا، ولكن العراق جاءت كواحدة من الدول ذات المعدل المنخفض على مستوى الكآبة.
وجاء في الدراسة أن من بين الدول التي تضيع فيها سنوات كثيرة من أعمار السكان، بسبب المرض، إلى جانب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تأتي إريتريا وبوتسوانا والجابون وكرواتيا، وهولندا، وإن كان مستوى العيش في الأخيرة، يختلف عن نظيره في دول إفريقيا جنوب الصحراء، فيما كانت اليابان أقل الدول التي تتضرر أعمار ساكنيها بسبب الاكتئاب.
في غضون ذلك، ربط الباحثون بين ما تكابده بعض الدول مع النزاعات والحروب، باستفحال المرض، كما هو حال ثلاث دول، كانت من بين الأكثر اكتئاباً، هي فلسطين والهندوراس وأفغانستان.
باستثناء الحالة العراقية فإن تصنيف دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط كموطن للكآبة والمكتئبين في العالم يدفعنا إلى السؤال عن من هم المتسبيين في حالة الكآبة الحالكة التي نعيشها نحن سكان هذه المنطقة، لا الشك أن الزعماء السياسين المتحكمين بالقرار السياسي والاثقتصادي هو السبب في الحروب التي تشتعل نيرانها بهذه المناطق والصراعات السياسية التي أفضت إلى حالة عدم الاستقرار وانسداد آفاق الحلول ما يقود الناس جميعا إلى الاكتئاب الجماعي كما هو الحال بحسب الدراسة الأسترالية وإذا لم يسع هؤلاء إلى تغيير الواقع الذي نعيشه الآن أخشى أن يتحول سكان هذه الدول من الاكتئاب الجماعي إلى الانتحار الجماعي لا سمح الله.
[/JUSTIFY]العالم الآن – صحيفة اليوم التالي