منى سلمان
ضاحك ليه يا ولد ؟
يا شيخنا كمان الشفقة تطير
وقالوا في المثل:
المشفوقة مدفوقة.
كانت مريم بت عبد المحمود أم جمعت بين المعنيين، فهي (شفوقة) و(شفقانة) على حد السواء، وكان جميع معارفها يلومونها على شفقتها الزايدة عن الحد ويعتقدون يقينا – بأن نهايتها ستكون بسبب واحدة من شهقاتها التي تصدر من أعماق قلبها حتى تكاد تقطع معها (النفس)، فعندما يتعثر أحد أبنائها ويسقط على الأرض تشهق وتصيح صيحتها المعهودة:
ههههههيع .. سجم أمو الليلة .. مات ما حي !!
وإذا سقط أحدهم عن العجلة أثناء اللعب تتجمد في مكانها ولا تستطيع أن تسرع لرفعه بل تكتفي بالقول في تسليم:
كُر علي أمو .. خلاص لِحق أمات طه!!
والغريبة أنها بعد أن تتأكد من سلامة الصغير ونجاته من (الوقعة) أو (الفلقة)، تلجأ للتنفيس عن خوفها وشفقتها الممزوجة مع غضبها عليه بتوجه ( لبعة) قوية بـ (أم دلدوم) على ظهره حتى ليكاد قلبه أن يتوقف من جراءها وهي تقول:
شكيتكم لـ سيد أزيتكم .. كان دايرين تكتلوني ناقصة عمر !!
أما إذا تهور أحدهم بالانفجار ضاحكا أو أكثر من الكلام أثناء الأكل حتى اصيب بـ (الشرقة) وبدأ في السعال بشدة، تنتفض واقفه ثم تنفض من يدها الطعام لتقوم بضربه على ظهره، فتصطاد بحجر قبضتها عصفورين .. تعاقبه وتفك شرقته في نفس الوقت قبل أن تمطره بوابل من أسئلتها العبثية:
آآآ .. ضاحك ليه يا ولد؟ داير تموت وتريحني منك .. مش؟
عندما حضر شقيقها (الزين) للخرطوم في مأمورية، نزل معهم في البيت ولكن بعد الانتهاء من مأموريته، أصر إبنها الصغير على السفر مع خاله للبلد.
لم تفلح محاولات (مريم) في إثناء الصغير عن عزمه، فقد ( اتشربك) واصابته حالة مزمنة من (الانعباطة) في خاله، فاضطرت للموافقة على رغبته مرغمة وهي تضغط على قلبها الشفوق.
في صباح يوم السفر قامت بتهيأته وتجهيز ملابسه في شنطة صغيرة، ولكن قبل أن يهم بالمغادرة مع خاله قال لها:
يمه.. أنا عطشان .. عاوز أشرب.
أسرعت للداخل وعادت وهي تحمل (كوز المويه) الباردة، ولكنها فوجئت بمغادرته مع خاله .. أصابتها الشفقة الشديدة على خروج صغيرها عطشا، فأسرعت بلبس ثوبها وخرجت خلفهم للطريق بـ (كوز المويه)، وعندما لم تجدهم واصلت المسير حتى محطة الحافلات، ولكن عندما بلغتها تبين لها أنهم قد صادفوا واحدة متحركة فركبوها قبل أن تنطلق.
عادت للبيت وهي تبكي بكاءا (يستر ليهو جنازة) وهي تندب:
كر عليك يا ولدي السافرتا ريقك ناشف !!
حاولت تناسي الموضوع والانشغال بشغل البيت، ولكن عندما خطرت على بالها فكرة أن الخال عندما يخبره الصغير بعطشه، فسوف يبتاع له الماء من جركانات (برد جوفك يا عطشان) المجرثمة بجميع جراثيم الدنيا، فهبت بكوزها وانطلقت خارجة مرة أخرى .. عادت للمحطة وركبت حافلات السوق الشعبي وهي تتشبث بـ (كوز المويه) في حرص، ولكنها (لفت) المحطة بـ (رجل كلب) دون أن تعثر لهم على أثر فعادت للبيت في أسوء حال، وفي يدها (كوز المويه) الذى لم تجرؤ على (كشحه) مخافة أن تلتقي بهم صدفة فلا تجد ما تسقيه له.
ظلت تبكي طوال اليوم وحتى المساء، عندما اتصل بها الخال ليطمئنها على سلامة وصولهم فانفجرت فيه بكل توترها:
سمح يا الزين .. بتسافر بي ولدي عطشان؟ .. انت ما عندك رحمة؟!!
قاطعها قائلا:
انتي الشفقة دي يوم بتودرك .. أسوقو عطشان كيف؟ طبعا اشتريت ليهو حاجة باردة وفطور وشرب لمان روى في البص .. انتي قايلانا مسافرين في خلا؟
ما بين ضحكاتها وشهقات البكاء قالت في ارتياح:
لا .. أكان كدي خلاس؟!!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
أضحك الله سنك، والقصة ذكرتنى ما حكاه لى صديق من قرية دلوت بالجزيرة، فقال ( والعهده على الراوى) انه فى قريتهم توجد أسرة حنونة جداً ، وفى بعض الايام وهم فى رحلة ومعهم واحد من اولاد تلك الاسرة والفنان يغنى ( حقيقة انا ما شاطر فى الغنى)
ما جن بنات حلتنا ما سون دلال ما حنن ( ماقلت ليكم بليد فى الحته دى )
الراجل انفقع فى البكا كيف فى العرس ما يجوا بنات حلتم وبنات عمو كمان ويحننو ويسوا الدلال
والجماعة يقولوا ليهو يا خى دا غنا ساااااااااى.
ومن الحاجات البرويها انه واحدة من بناتهم بنوا ليها بيتا فى ركن الحوش ، ويوم رحولها من غرفتها لى بيتها العلى بعد أمتار الحلة كلها كانت فى حالة إستنفار عشان يسكتوهم من البكا.:cool: 😎 😎
اكاد أجزم بأنني أنا أخو الشفقانة المريومة بت عبد المحمود وذلك في مشاركتها تلك الشفقة والخوف على الوليدات والبنيات ولا أدري ما هو السبب ويمكن حال الغربة احياناً بتخلي الواحد فينا قليبو رهيييييف وأحيانا بتخليه حجر صلد ، غايتو ما عارفين لكن بالجد عشنا معاك ومع سردك الجميل الممتع ومع المريومة لما أمتزج عندنا الضحك بالبكاء ، ربنا يحفظك لعيالك ويخليك ليهم تحكي ليهم قصصك الممتعة ومزيدا من الإبداع يا بت سلمان ، وانحنا زي ما قلت ليك بنطراكم … وقت نرتاح وقت نتعب … وقت نفرح وقت نحزن وقت نمرض … ونهديكم شوق زايد مع الأيام … ونوعدكم … وودادنا يدوم مدى الأيام…. لكل أهلنا ووليدتنا القريبين والبعدين منا لكم التحية يا أبناء السودان في كل مكان.:lool: 😉
أمي موجودة خلاس ما بخاف 😎 😎 😎
دئما بتتحفينا بالروئع وتلامسى وتر الحقيقه وهى نموذ من نسيجنا الجتماعى لك التحيه ومنتظرين الكثير ولى قدام:cool: 😎