الدكتور غازي صلاح الدين يجيب على أسئلة جمهور «إسلام أون لاين»: إسلاميـو السودان مطالبـون بقـراءة تجربتـهـم بعــين نــاقــدة
في أواخر أبريل المنصرم، قدم موقع «الإسلاميون.نت» دعوة للمهتمين بتجربة العمل الإسلامي للمشاركة في حوار مفتوح مع المفكر الإسلامي د.غازي صلاح الدين العتباني، الذي يشغل في ذات الوقت منصب مستشار الرئيس عمر البشير، وهاتان الصفتان، تتيحان معرفة شاملة بالتجربة الإسلامية السودانية: معرفة تجمع بين الفكر في تأملاته وتجريداته الكبرى، وبين التجربة والمشاركة في صناعتها وتعاطيه اليومي معها من خلال المناصب المختلفة التي تولاها ضيفنا خلال العشرين عاما الماضية، التي هي عمر تجربة الحركة الإسلامية السودانية في الحكم.
وفي هذا الحوار استقبلنا عشرات الأسئلة من جمهور موقع (إسلام أون لاين.نت)، وقد انتخبنا باقة منها، وتفضل مشكورا د.غازي صلاح الدين بالإجابة عليها ، حبا في التواصل مع الإسلاميين، وأولئك الذين هم خارج الصف الإسلامي ويرغبون في حوار جاد حول المشروع الإسلامي أو تقييمه تقييما موضوعيا.
ويقول د.غازي قبل إجابته على الأسئلة: من البدهي، أن إجابتي على أسئلة الجهور الكريم ?الذين أتوجه لهم بالشكر الجزيل- ليست تعبيرا عن الحركة الإسلامية بمعنى أنها إجابة مسئول في الحركة الإسلامية السودانية يدافع عنها، بل هي ملاحظات شخص له تجربة في العمل الإسلامي، وله إطلاع على تجربة الحركة الإسلامية السودانية خاصة. ويضيف: المهم بالنسبة لي ليس تقيم تجربة الحركة الإسلامية في السودان، بل استخلاص مؤشرات ودلالات يمكن أن يستفيد منها العاملون في الحقل الإسلامي في أي مكان آخر، وعلى هذا الأساس ستكون الإجابات:
* ما هو السند الشرعي الذي أسستم عليه خروجكم المسلح على الرئيس النميري في عام 1976م؟
ـ يجب أن نتذكر أن نظام الرئيس النميري جاء في بدايته بوجه شيوعي صرف، وكان هذا كافيا للخروج عليه آنذاك، صحيح أنه عدل فيما بعد وجهته عندما دخل في صدام مع الشيوعيين، ولكنه اصطدم أيضا بالأنصار وبالإخوان المسلمين، وكان هناك إجماع على أن هذا النظام جاء إلى الحكم بطريقة غير شرعية، وحاول أن يطبق نظرية شيوعية في الحكم، وأقام علاقاته مع الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية على هذا الأساس الأيديولوجي، وبمفهومنا الشرعي ليس هو النظام الذي يقيم الصلاة، فضلا عن ذلك، في عام 1975مبدأ التضييق على العمل الإسلامي، ليس فقط تضييقا على قيادات الإخوان، ولكن على العمل الإسلامي نفسه في كل منابره ورجاله.
والحركة الإسلامية تصورت وقدرت -وقد تكون مخطئة في التصور والتقدير- أن النظام لا يقبل بمعادلة كانت تمضي عليها الأحوال والأوضاع قبل 1975. والحركة لم تكن تسعى لانقلاب على الحكومة، وكانت تتعامل معها كأمر واقع، والحكومة من جانبها كانت تتعامل مع الإخوان على هذا الأساس، ولكن بعد انقلاب حسن حسين في1975، ألصقت الحكومة هذا الانقلاب بالجماعة زورا وبهتانا، بل وألصق بنا نحن طلاب جامعة الخرطوم، واتخذ النظام ما حدث ذريعة لمصادرة مواطن القوى في الحركةالإسلامية، وملاحقة أفرادها وقياداتها، والتضييق على الدعاة في كل البلاد، ومنع الحديث في المساجد. رأت الحركة أن ذلك تعد على حقها في أن تكون موجودة في المجتمع، وأن تتقدم بدعوتها للناس سلما؛ ولذلك أجازت لنفسها التوافق مع القوى السياسية الأخرى للعمل على تغيير النظام، بعد أن انسدت أمامها كل الطرق للتواصل مع المجتمع والنظام.
* ما هو السند الذي بررتم به خروجكم على الحاكم في 1989؟
– في عام 1989م، الذي شهد تغييرا سياسيا انتهى بوصول الحركة الإسلامية إلى السلطة بواسطة الجيش، أقول إن السبب المباشر لما حدث هو ما عرف في الأدبيات السياسية السودانية بمذكرة الجيش التي قدمت لرئيس الوزراء في فبراير 1989م، وعلمت الحركة الإسلامية أن بعض القوى ستستخدم المؤسسة العسكرية في حسم الاختلاف السياسي، فقد رضيت الحركة الإسلامية ?واسمها الانتخابي الجبهة الإسلامية? بالديمقراطية، وعبرها حققت المرتبة الثالثة في الكتل البرلمانية، وقد كان مركزا متقدما بشهادة الجميع، وشاركت في الحكومة الديمقراطية، إلا إنها مع ذلك أقصيت بتحرك من القوات المسلحة، وهو السبب الثانوي.
أما السبب الرئيس في ظني هو الإحساس بتقدم الحركة المتمردة في جنوب السودان، بعملياتها العسكرية نحو الشمال، مقابل وهن حكومي في مواجهتها، بالإضافة إلى تحرك متزامن للتمرد، كانت القوات المسلحة تشهد تحركات عسكرية لبعض القوى السياسية بداخلها، ويمكن أن نقول إن هناك ثمة صلة بين تحرك التمرد والتحرك داخل القوات المسلحة، مما يؤدي إلى تغيير جذري في النظام، واعتبرت الحركة الإسلامية مذكرة الجيش مؤشرا قويا لهذا الاتجاه، فكان التحرك لتغيير النظام لإنقاذ البلاد، وقد أجازه مجلس شورى الحركة الإسلامية.
قد يكون ما ذكرته، لا يتضمن إشارة لنصوص شرعية فيما سبق، ولكن الخلاف كان في (دالة) إقامة الصلاة، هو المؤشر المتفق عليه شرعا (ما أقاموا فيكم الصلاة) فالحركة الإسلامية كانت ترى أن النظام يمثل حالة من الطغيان، واتجه إلى محاصرة العمل الإسلامي (الدعوة) -خاصة أنه ?أي النظام- جاء بوسائل غير متفق عليها أو غير شرعية- إذا تجاوز حدا معينا فهو عندها كمنع الصلاة ويفتقد للشرعية.
وتكتسب الشرعية بسبيلين: الانتخاب، أو من خلال الفكرة التي تطرحها، ويجب في الحالة الثانية أن تكون ملتزما بها وأمينا عليها. ففي 1976 كان هناك اعتقاد أن النظام تجاوز كل الخطوط الحمراء وصادر الدعوة، وفي 1989، كانت هناك عناصر ذات توجهات معادية للتوجه الإسلامي في الجيش توشك أن تنقلب على النظام القائم، فأصبح الانقلاب خيارا راجحا.
* ما هو السند الشرعي الذي اعتمدتم عليه في قتل مدبري انقلاب رمضان 1990، كما نرجو منكم توضيح اللبس والتعارض الظاهر في الأسئلة السابقة؟.
– فيما يتعلق بالضباط الذين أعدموا في 28 رمضان 1990، فقد كان انقلابا على مؤسسة بواسطة عناصر شيوعية أو علمانية، والنظام كان يعتمد بأنه يقوم على فكر إسلامي، ووصل إلى السلطة بالحيثيات التي ذكرت، وقد عدَّ القائمون على الأمر هؤلاء «خوارج» وسرت عليهم الأحكام التي حكمها القضاة يومذاك.
* إذا استدار الزمان، وعاد مؤشر الوقت إلى 1976 أو1989، فهل ترى أن على الحركة الإسلامية أن تسلك ذات الطريق الذي سلكته من واقع تجربتكم؟
– في 1976، أعتقد لو أن الجبهة الوطنية أمهلت النظام، ودخلت معه في حوار، لكانت النتائج أفضل، ولكن الحكومة أغلقت باب الحوار، فلو أن الحكومة فتحت الباب للحوار، ولو أن الجبهة الوطنية المعارضة استجابات لهذه الدعوة لكان الواقع أفضل، ويمكن أن يحدث تغيير متمهل وإصلاح تدريجي في النظام السياسي، ينتهي بوضع ديمقراطي يستوعب فكرة الإسلام، وهذا الذي كان في اعتقادي أن نظام نميري يمضي نحوه؛ لأنه لاحقا استوعب فكرة الإسلام أولا، ولعل هذا التغيير المتدرج نحو الإسلام من خلال تطوير التجربة القائمة أجدى للفكرة الإسلامية، وإحداث تغييرات جوهرية به، وقد ضر الانقطاع المتكرر للتجارب السياسية وتقلبها بين ديمقراطية وحكومة عسكرية في إحداث حالة من عدم استقرار حرمت السودان من تقديم تجربة ناضجة كان مؤهلا لها مقارنة ببقية الدول الإفريقية؛ وذلك لتميز شعبه بقدر مناسب من التعليم والوعي السياسي، وما توفر له إمكانات مادية.
أعود فأقول إن ما أشرت إليه من ضرورة استقرار التجارب كان واضحا للإسلاميين وهم يستولون على السلطة بواسطة الجيش في عام 1989م، ولهذا كانت الخطة تقوم على إحداث تغيير يستنقذ البلاد من أن تقع في براثن انقلاب آخر، أو في يد الحركة المتمردة في الجنوب، وكان الانقلاب في وعي مثقفي الحركة الإسلامية أنه استلام للسلطة لأمد محدود، وسيعمل على تغيير الدستور وتأمين البلاد على أن تعود الحياة المدنية إلى طبيعتها خلال عامين أو ثلاثة على أبعد الفروض، ولكن على أسس جديدة ودستور جديد، ولكن لأسباب كثيرة ذلك لم يحدث ومضينا فيما نحن فيه..
* إذا نظرنا للأجيال الجديدة في الحركة الإسلامية نجد أنهم أقل ما يقال عنهم إنهم ليسوا امتدادا للجيل السابق، وإنما هم مسخ مشوه.. ترى ما هي الأسباب التي أدت لهذا التدهور العقدي والفكري وما الحل؟
– أسمع ذلك كثيرا، ولكن دعنا نكون منصفين، صحيح أن الجيل السابق في الحركة الإسلامية له مميزات كثيرة، منها أنه أكثر وعيا سياسيا، ولديه ثقافة متكاملة في الدعوة والعمل التنظيمي، وأكثرا اقترابا من المجتمع، أما الجيل الذي نشأ في عهد الإنقاذ فله تجربة جهادية كبيرة لم تكن لأي جيل من أجيال الحركة الإسلامية السابقة، طبعا الجهاد ليس كافيا، وهو وسيلة ضمن وسائل أخرى في التربية، ربما تكون وسائل التربية المدنية أشد وأقسى من مجرد الاندفاع في العمل الجهادي، فربما تأثر بهذه المسألة وربما لأنه نشأ في ظل واقع والحركة الإسلامية فيه متمكنة ومتسيدة، فلم يمر بمراحل الابتلاء التي مر بها أولئك الذين دخلوا السجون، وقرءوا ودرسوا وجادلوا التيارات الأخرى، وشاركوا في منافسات حرة في الانتخابات الطلابية، والتربية السياسية، والتي فرضت قدرا واسعا من التواصل مع القيادات الفكرية والسياسية بالمجتمع ولهذه التربية المفتوحة الثرية قطعا وقعها في تكوين المرء وتربيته ووعيه.
ولكن إذا قيل لي إن الجيل الحاضر، حاد عن الصواب وترك الصلاة، ستكون هذه مصيبة كبيرة، إن صحت هذه المقولة، فـ(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ومن تركها فقد كفر)». وعلى كل حال، أنا لا أحب التشاؤم فالناس ليسو دائما سيئين، فإن كرهت منهم خلقا رضيت منهم آخرا، وأدعو إلى نظرة أكثر تحليلية موضوعية، حتى نستطيع أن نحدد على وجه الدقة ما الذي نقبله وما الذي نرفضه، وكيف حدث ما حدث. أما اختلاف الأجيال، وعدم رضا الجيل القديم بالجيل الجديد، فهذه مسألة منذ بدء تاريخ الإنسانية وهي ظاهرة اجتماعية موجودة في كل مكان في العالم، ففي أمريكا الجيل القديم يرى الشباب قد انحرفوا عن قيم المجتمع الأزلية، وكذلك في روسيا وبريطانيا وغيرها من أرض الله، فهذه المسائل تحتاج لمقاربة أكثر دقة وتحليلا.
* هنالك أوضاع تقتضي ترتيبات ومناهج وأنماط تربوية جديدة، فكيف يمكن تربية هذا الجيل؟
– في تجربتي الشخصية، فإن الجرعة التي يتلقاها الشخص من العمل العام ? وهو معنى أوسع من العمل السياسي- والتحدي الذي يواجهه في المحافظة على التزامه القيمي والشعائري هي أكبر من أي وسيلة تربوية أخرى، من السهل عندي اعتزال العمل العام والمحافظة على الصلوات في المسجد وغيرها من العبادات، ولكن عندما أحافظ على الصلوات في وقتها في هذه المدافعة، وتلك المكابدة، فبلا شك سيكون مردودها على نفسي أضعاف أضعاف شعورك بها وأنت تصليها معتزلا، لو سألتني عن خياري أقول لك على الناس أن ينخرطوا في العمل العام، وأن يحافظوا على تربيتهم، ولا أدري ما وجه الاستحالة في حدوث ذلك حتى يتوهموا فيعتزلوا؟ نحن المسلمون يجب أن يكون رسول صلى الله عليه وسلم حاضرا في مقام الاقتداء عندنا، فهو كان يصلي ويقود الجيش، يصلي وينام، ويقوم الليل ويصوم. وحقيقة فكلما انخرط الواحد منا في العمل العام كلما زادت مقدرته على استيفاء عبادات لا تتأتى إلا في هذا المقام، عبادات قد تكون أقل عددا ولكن ثمرتها أكبر وأكثر بركة منتلك المعتزلات التي تسمى تربوية.
وبنفس القدر ما نسميه التربية الفكرية، فحين تطلع على كتاب فكري فإن استيعابك له مختلف، سواء أكان إسلاميا أو غير ذلك؛ لأن استيعابي وفهمي له أضعاف فهمي له قبل الانخراط في العمل العام، خذ مثلا كتابا يتحدث عن أزمة مقاربة النظرية مع التطبيق العملي في التجربة الماركسية، وهي تجربة بشرية، الوعي بها يكون أكثر مما هي عليه وأنت معتزل، والاستفادة منه في إقامة وتقييم المشروع الإسلامي وتجربته تكون أكبر؛ لأن هناك إشكالات نظرية تحل من خلال التجربة وهناك خلاصات مشتركة بين هذه التجربة والتجربة الإسلامية رغم الاختلاف الكبير بينهما في المنطلقات والمبادئ والأهداف، ومن هذه الخلاصات: هناك اختلاف بين النظرية والتطبيق عند التنزيل العملي للأفكار والنظريات، وهذه الخلاصة يجب أن يعيها كل إسلامي.
ونصيحتي لكل أحد يعمل في المجال العام، سواء أكان إسلاميا أو مهنيا، أن يعمل وأن يتربى خلال العمل، فدعوة القرآن الأساسية والتوجيه السائد هو أن تعمل، وتعرفون قصة الصحابي الذي جاهد في يوم إسلامه، واستشهد وهو لم يصل لله ركعة ولم يصم.. عمل قليلا ووجد كثيرا. وأنا أرى أن فلسفة التربية الإسلامية يجب أن تكون التربية قريبة من وقائع الحياة وغير منعزلة عنها، فالمسلم مدعو إلى أن يصلي ويحج ويزكي وهو يصارع تيارات الحياة العامة.
* ابتعد الإسلاميون كثيرا عن الدور الريادي في الدعوة إلى الله، وانخرطوا في العمل السياسي، وتحولت تحديات قادة الحركة الإسلامية من جهاد واستشهاد وتفان إلى حركة صراع سياسي داخل الحركة الإسلامية.. والسؤال.. هل أنتم راضون عن هذا الانتكاس الخطير في مسيرة الحركة الإسلامية؟ وهل سيقتصر دوركم على السرد التاريخي؟
-لا أقر أنه انتكاس خطير، صحيح إذا اقتصر دور الإسلاميين على السرد التاريخي، فإن تلك كارثة وإعلان هزيمة، من الضروري استصحاب التجربة التاريخية والاستفادة من دلالاتها، ولذلك كنت أدعو دائما إلى المراجعة النقدية لتجربة الحركة الإسلامية، وقد قمت ببعضها في خاصة أمري. وأعتقد أن تجربة الحركة الإسلامية تجربة ثرية، فهي مليئة بنجاحات مثلما هي مليئة بالأخطاء، كالدولة الأموية أو الدولة العباسية في تاريخنا الإسلامي، فهذه التجارب التاريخية القديمة كان فيها إشراقات في الاهتمام بعلوم الدين والعلوم المعاصرة آنذاك، ولكن كانت هناك سلبيات في الجانب السياسي. والإسلاميون في السودان وفي غيره مطالبون أكثر من غيرهم بقراءة تجربتهم التاريخية بعين ناقدة، بدلا من العقلية المتحيزة، وهو ما يخالف ضرورة أنها تجربة بشرية.
* هل ترهلت الحركة الإسلامية وأصبحت مرتعا للوصوليين والانتهازيين ممن يقدمون إذا أقبلت السلطة وينفضون إذا أدبرت؟
– حتى لا يصيب المسلمين الإحباط، فهناك سنة كونية في القرآن «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كانتوابا»، فالنصر الأول في العهد النبوي جاء بأصناف كثيرة جدا لم تكن في مستوى الجيل الأول، جيل ما قبل الفتح، فأي نصر ولاسيما إن كان الوصول إلى السلطة سيأتيك بطوائف من هؤلاء، ولكن لا ينبغي أن نفقد الثقة في أنفسنا، وقد ظلت التجارب الإسلامية منذ عهدها الأول تعتمد على ثلة وطليعة ملتزمة، وحولها تجد كل الأشكال والدرجات وفيها المنافق.
أنا لا أدافع عن وجود الانتهازيين، ولكن أقول إن أصحاب الحاجات والأغراض، يهرعون دائما إلى مواطن الغنيمة، وهذا شيء طبيعي ولا يزعجني، ولكن يقلقني إذا أصبحت السمة الغالبة هي الانتهازية، وانعدم من يعملون بإخلاص من أجل الآخرة. ولا أعتقد أن هذا قد حدث في تجربتنا القائمة، بحسب ما أراه في خاصة نفسي، وفي كثير ممن أتعامل معهم، ولا أعتقد الدنيا هي مطلبهم النهائي، رغم أنها قد تناوش أحيانا، ولكن يبقى المقصد، وأظن أن هذا هو السائد.
* حول التداخل بين العام والخاص؛ كيفية التوفيق بين نجاح العمل العام والسعي فيه وبذل الجهد، والنجاح الخاص في الحياة، مع ملاحظة أن بعضالإسلاميين يسخرون العمل العام لمصالحهم الخاصة، وهذا قد ظهر في تجربة حكمهم الماثلة؟
– نعم الإسلاميون ليسوا ملائكة، وكان الفهم المستقر عندنا في الحركة الإسلامية أننا جماعة من المسلمين، ولسنا جماعة المسلمين، ولا الجماعة الإسلامية، ولا ندعي أننانحن الفرقة الناجية وحدنا، نحن جماعة من جماعات المسلمين يجمعنا معهم الإسلام الواحد والعقيدة، ولكن لنا منهج ولنا نظرية وتركيز على جوانب معينة مثلما للجماعات الأخرى، فأيما شخص من الإسلاميين أوهم الآخرين بأنه من أهل الصواب المطلق فإنه مخطئ، ولكن أؤكد لك أن معظم الإسلاميين لا يقرون له بذلك.
طبعا وجود بعض الإسلاميين يسخرون العمل العام لمصالحهم الشخصية فهذا وارد جدا، ورسولنا الكريم حينما قال «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» فهو يلمح إلى أن من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ لأنه يعلم حالة معينة لرجل هاجر من أجل الزواج بامرأة، وهو صحابي بحسب التعريف العلمي للصحابي، وهو منلقي الرسول صلى الله عليه مسلما ومات على الإسلام، وإن تخللت حياته ردة. إذن أن يكون هناك ناس يحرصون على الدنيا والنجاح الخاص أو تسخير العمل العام لمصالحهم الخاصة.. هذا وارد، وقد يرد من أناس متدينين، لا أقول ذلك تبريرا، ولكن أقول يجب أن نتوقعه ونؤسس الآليات التي تمنع حدوثه، ولكن المهم أيضا إذا رأيناه يحدث ألا نفقد الثقة في أنفسنا وتجربتنا ونقول هذا كله باطل؟
* هل في تجربتكم القائمة هناك آليات لمنع هذا الفساد؟
– طبعا كلمة الفساد تستخدم استخداما واسعا، ولكن إن كنت تعني استغلال السلطة، فهناك نظام للمحاسبة، ولكي أكون صريحا فأنا ما علمت أن النظام تناول حالة بعينها وصوب عليها وأصدر بحقها أحكاما، ربما بسبب أن الاتهامات التي ترد مبهمة ولا بينة تسندها. ولكن المهم أن نثبت المبدأ، بضرورة وجود هذه المؤسسة؛ لأنه عندما تأتيك الدنيا وأنت في الحكم تكون لك الأبواب مشرعة، وحتى أهل الإيمان قد يطمعون في الدنيا وهذا وارد، لذلك فإن التربية في سياق العمل هي التربية الحقيقية؛ لأن من السهل على أي فقير أن يجلس في المسجد ويقول أنا زاهد، ولكن الزاهد الحقيقي هو من يرى جميع الأبواب مفتوحة ولا يأبه لها.
* هل من متلازمات الخروج للعمل العام أن يتزهد في الدنيا وتكون حياته شظفا؟
– بقدر ما ضحى الإنسان بقدر ما كان قريبا من الناس والجماهير ومخالطتهم.. وأنا شخصيا أرى أن الإسلاميين السودانيين غير منعزلين عن الناس، فهم يشاركونهم أفراحهم وأتراحهم، ولكن من كان في السلطة فإن أوضاعه المادية ستكون أفضل ممن هو خارجها، ولكن أن تستغل السلطة، وتحوز الأموال فهذا لا يصح، ولكني أعرف أيضا أنه قد يكون من بين زملائي من اغتر بالسلطة وتغيير بسبب السلطة واستولى على الأموال، وأوصد الأبواب أمام الناس، وهذا النموذج متوقع حدوثه، ولكن لا أراه كثيرا.