منوعات

شغف بالتركي وإدمان للهندي: المسلسلات الأجنبية.. تعويض عاطفي أم تطبيع مع العولمة

[JUSTIFY]رغم أنها بدأت منذ أكثر من خمسين عاماً إلاّ أن الدراما السودانية مُذاك وإلى الآن لم تراوح مكانها وظلت كأنها مثبتة بوتد على الأرض أو حجر، لا تحركها رياح التطور والعولمة من حولها؛ كما أن التلفزيون القومي (الحكومي) الذي يُفترض أن تمثل الدراما فيه عنصراً رئيساً، تنقل فيه ثقافات وهويات وتقاليد ونبض المشاهدين وتعكس حياتهم وطرائق عيشهم.

عقود مضت والسودانيون يثبتون عيونهم وتخفق قلوبهم على شاشات تضج بوقع المسلسلات المصرية التي تُناقش قضايا اجتماعية وسياسية وتوثق للحياة المصرية، ثم تحولوا إلى (فانتازيا) المخرج (نجدة أنزور) السورية، حيث الإبهار في الجوارح والكواسر وغيرهما، قبل أن ينقلب كل شيء رأساً على عقب، لتأتي الدراما التركية، الهندية واليابانية وخلافها لتفرض سيطرتها على المشاهد السوداني.

“دايرين ليكم دكتور”

الدراما التركية على وجه الخصوص تسيطر على ساحة المسلسلات المتاحة في الفضائيات العربية كافة، رغم أن الجمهور العربي عامة والسوداني خاصة حديث عهد بها، إذ ابتدر مشاهدتها منذ عام (2007) تقريباً، عندما عرضتها قناة (mbc) لأول مرة. ومن أوائل هذه المسلسلات (مهند ونور) الذي أحدث ضجة كبرى، ما أسفر حينها كثيرا من حالات الطلاق. ويعزو كثيرون توجه المشاهد إلى المسلسلات التركية إلى ما يسمونه بالاستلاب الثقافي والاغتراب الداخلي الذي يصل أحياناً حد معايشة تفاصيل المسلسل التركي، إلى درجة نفيك عن ثقافتك وبيئتك. ويبدو أن هذا هو ما أثار حفيظة الشعراء الشباب، فجادت قريحة أحدهم مخاطباً (حبيبته) شعراً: (لو قايله ريدتنا زي مهند ونور.. تبقى عيّانه ودايره ليك دكتور..

حتى الأطفال أدمنوا التركي!

استطلعت عينات عشوائية من الجمهور السوداني من مختلف الأعمار، وسألتهم عن رأيهم في المسلسلات التركية، فإلى إفاداتهم: يقول الأستاذ (حسن قسومة): لا أحد يفتح لي باب منزل شقيقتي، إذا ما حاولت زيارتها بين السابعة والثامنة (توقيت المسلسل التركي)، وأضاف: حتى الصغيرة ذات الخمس سنوات تتابع المسلسل. أما (وائل حسن) فحكى أنه على غير عادته حضر إلى منزله باكراً، وصار يجول في القنوات التلفزيونية دون الوقوف على برنامج بعينه، فما كان من صغيره إلاّ أن توجه إلى والدته قائلاً: (يا ماما بكون مصطفى عمل لفاطمة شنو!؟) وهي إشارة مبطنة إلى أن وقت المسلسل قد حان.!!

زوج بمواصفات “أمير” أو”البورة”

من جهتها اعتبرت منال محمد هاشم نفسها مدمنة مسلسلات تركية، وأضافت: (إذا دخل وقت المسلسل وأنا بره البيت، برجع طوالي، مستحيل أفوت حلقة، زمان كنت أشاهد المسلسلات المصرية، أما الآن فكرست وقتي للتركية والهندية)، واستطردت: طبعاً الهندي أحلى من ناحية تسلسل الأحداث، كل يوم هنالك حدث جديد، هذا إلى جانب أشكال الممثلين والبيوت والشوارع التي تفتح النفس، واختتمت قائلة إنها لن تتزوج إلا من رجل بمواصفات (أمير) بطل المسلسل التركي (فريحة).

الرجل الواحد

إلى ذلك أشار الأستاذ عبادي محجوب، مخرج، إلى أن بداية الدراما السودانية التلفزيونية قديمة منذ (1964)، ولكن تطورها شابه الكثير من التعثر، إذ لم نرتكز على إرث بصري (سينما مسرح …)، بينما تمتلك دولة مثل (مصر) مخزوناً بصرياً كبيراً جداً، أما نحن فـ(مركزين) على الخيال الإذاعي والمسرحي المحدود جداً، لذلك تشكل الوعي البصري للمشاهد السوداني من خلال الدراما العربية قبل تعرفه على التركية والهندية والكورية وكل هذه الدراما الوافدة، وأضاف: نحن متطورون جداً في الشعر، كما أن الفنون المحصورة في فن (الرجل الواحد) نجدها متطورة أكثر من الفن الجماعي الذي يحتاج إلى معرفة أعمق.

وأضاف (عبادي): الشباب يتأثر كثيراً بالثقافات الوافدة، ولأن العالم أصبح مفتوحاً والكل يمتلك استقبالاً فضائياً بـ(100 جنيه) فقط يتيح له التعاطي والتفاعل مع العالم بأسره، ينبغي الاهتمام بالفنون إذ أنها وحدها التي تنمي في الشباب حب الوطن من خلال مشاهدتهم لتاريخ عريض جداً، مثل ثورة أكتوبر، ونحن شاهدنا مسلسلات ذات قيمة مثل (ليالي الحلمية) من أربعة أجزاء، كما أن إعلامنا السوداني هو سبب بعدنا ويفترض الرجوع إلى الدراما والفيلم الوثائقي لأنهما يعكسان هوية الأمة وينقلان ثقافتها إلى الآخرين، ويمكن دبلجتها إلى اللغات الأفريقية وتسويقها هناك.!

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]