منوعات
ما تبقى من ذكريات حافلة بالعراقة والجمال داخليات (البركس).. ثورة التاريخ
{ ذكرى “القرشي”
وفقاً لرواية الدكتور “كليف تومسون” كان هناك تجمع لرجال الشرطة على بعد (60) قدماً تقريباً من مجمع (البركس) وقد اختبأ عدد من الطلاب وراء الممر الذي يربط مبنى داخلية (السوباط)، وكان من بينهم الطالب “أحمد القرشي” وهو بسنته الأولى بكلية العلوم، نحيل يرتدي بنطالاً وقميصاً أبيض كفكف أكمامه إلى منتصف ساعده. حمل “القرشي” حجراً وقفز من فوق الحائط القصير وركض في الجانب الآخر حتى صار على بعد نحو (20) قدماً من طرف الداخلية وألقى به نحو الشرطة وهو يهتف. وحينئذ سُمع دوي طلق ناري سقط على إثره “القرشي” على الأرض وقد اخترقت طلقة رأسه وخرجت من مؤخرة جمجمته. حمله زملاؤه إلى غرفة في مبنى الداخلية، وكان ينزف من مؤخرة جمجمته، ومنها إلى المستشفى.
{ حنين الطلاب
قد تكون سنوات الدراسة وصداقاتها أشد أثراً على القلوب من أصدقاء الحي، لذلك عندما نلمس على وترها تترى ذاكرتهم نابضة بالحنين والفكاهة والحكايات الجميلة، فقد حكى لنا المهندس “عبد الرحمن حسن عبد المجيد”: (من الذكريات الجميلة كان هناك “تيس البركس” الذي نسجت حوله الأساطير والحكايات مثل تأكده من خلو الشارع من السيارات، إضافة لشخصية “شيخ البركس” وهو أقدم طالب بالجامعة.. وهاتان الشخصيتان لهما دور أساسي في تظاهرة مارس، وهي احتفال طقسي يتم به إيقاف الأنشطة السياسية والثقافية والرياضية لأنها تمثل الحد الفاصل والتفرغ التام للأكاديميات، التي تكون عادة في شهر مارس).. وأضاف: (تنطلق هذه التظاهرة ليلة الأول من مارس من البركس لتجوب كل الجامعة، كليات الوسط، ثم داخلية الطالبات حيث تكتمل الجولة ويتم الاستقبال من الطالبات برش الماء من أعلى ثم يتجهوا للجامعة وتحديداً أمام قاعة الامتحان “exam hall” وتحرق دمية تمثل الامتحانات)، ويتابع: (ويلقي شيخ البركس خطبة عصماء على نفس نسق خطب الأعياد التقليدية فيقول: ما كنت أحسبني أحيا لزمان يمتحن فيه الإنسان أخاه الإنسان.. لقد جاءكم مارس شهر الكوارث).. وقال إنه طوال التظاهرة يكون (تيس البركس) في المقدمة.. ويشاهد بعض الطلاب سينما النيل الأزرق من على سطوح الجزء الشرقي.. والكثير من الذكريات.
{ تاريخ وآثار
بعدما أنشئت جامعة الخرطوم كانت بمحاذاتها من الناحية الشرقية ثكنات الجيش الإنجليزي التي عرفت بـ(البركس) وبعد أن تم جلاء جنود الاستعمار استخدمت داخليات لطلاب جامعة الخرطوم، وقد أنشئت هذه المباني في العام 1899م أي بعد إنشاء متحف بيت الخليفة الذي أنشئ على يد المعماري الإيطالي “بيترو” عام 1887م. وهو لا يزال صامداً.
لقد درجت معظم الدول على أن تحتفظ بوجهها القديم مفاخرة به الأمم عاكسة مدى عمقها الحضاري.. إضافة إلى أنه عبارة عن لوحة ومعلم تتجه إليه الأفئدة كنوع من (النوستالجيا) والحنين.. ولم تكن (فرنسا) و(بريطانيا) بعاجزتين عن إنشاء مبانٍ وأبراج حديثة في أماكن المباني القديمة، لكن الحفاظ على عبق الماضي وروح التاريخ هو الهمّ الأكبر.. وأخيراً يبدو أن مباني الخرطوم القديمة ما زالت تحت رحمة التغيير بفعل معاول كثيرة ربما تفقد جُل ملامحها إلى الأبد.
توثيق _ آيات مبارك
المجهر السياسي
خ.ي