تحقيقات وتقارير

تصنيف (الإخوان) جماعة إرهابية.. دعوة للتخفي تحت الأرض

[JUSTIFY]خمسة أيّام مرت على قرار دولة الإمارات العربية المتحدة القاضي بتصنيف جماعة (الإخوان المسلمين) والواجهات التابعة لها كتنظيمات إرهابية شملها قرار مجلس الوزراء الإماراتي.. مرت أيام على هذا القرار دون أن يصدر عن الخرطوم أي بيان رسمي سواء بالرفض أو التأييد للقائمة التي أدرجت فيها الإمارات عدداً من الجماعات الحركية والجهادية ضمن القوائم الإرهابية، على الرغم من أن البلاد معنية بشكل مباشر بالقرار الإماراتي نظراً لارتباطات (إخوان) السودان بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين بقيادة “محمد بديع”، حيث استضافت الخرطوم في العام 2012م اجتماع مكتب الإرشاد العالمي الذي يضم قرابة الـ(70) قيادياً من مراقبي جماعة الإخوان المسلمين حول العالم، وجاء اجتماع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين متزامناً مع انعقاد مداولات المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية السودانية.. ومعلوم أن السودان هو الدولة الوحيدة التي تعترف بجماعة الإخوان التي يجلس على قيادتها المراقب العام “علي جاويش” عضو التنظيم العالمي للحركة.
وتصنيف دولة الإمارات للإخوان المسلمين كجماعة إرهابية جاء بعد عدة أشهر من مرسوم ملكي أصدره العاهل السعودي الملك “عبد الله بن عبد العزيز”، صنّف بموجبه جماعة الإخوان المسلمين كحركة إرهابية بذات الحيثيات التي أشار إليها البيان الإماراتي. وبدا واضحاً في سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة أن القرارين (السعودي والإماراتي) أصبحا محلاً للاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي التي أنهت اجتماعاً للقمّة الخليجية قبل ثلاثة أيام بالعاصمة السعودية الرياض، بحث عدداً من القضايا كان أهمها الاتفاق على خارطة طريق وحزمة من الإجراءات المشتركة لحماية أمن واستقرار دول الخليج العربي بعد إنهاء الخلاف مع دولة قطر التي تتهم بأنها الداعم الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين وجماعات جهادية أخرى، بعد التزامها بتنفيذ مخرجات وتوصيات اتفاق الرياض الذي أقره في وقت سابق المجلس الوزاري لوزراء الخارجية بدول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي يحمل مؤشرات بموافقة الدوحة على التعامل بحزم مع بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين الذين يتخذون من الدوحة مقراً لإقامتهم بعد أن أصبحوا مطلوبين للعدالة في القاهرة عقب التطورات الجديدة في مصر التي أعقبت إقصاء جماعة الإخوان المسلمين من سدة الحكم بقيادة الرئيس السابق “محمد مرسي” بعد الانقلاب عليه من الرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي”، الذي أصدر قرارات هو الآخر صنف بموجبها الإخوان المسلمين على أنها حركة إرهابية، واستتبع ذلك باتخاذ إجراءات أمنية متشددة قضت بحبس رموزها في السجون وتحرير إجراءات قانونية لإدانة البعض عبر أحكام قضائية بتهم تتعلق بالإرهاب وتقويض نظام الحكم والتخابر، لتجيء قرارات السعودية والإمارات وتكمل الصورة التي تحاول رسم أو إعادة هيكلة المنطقة وفق خارطة جديدة نظراً لبروز العديد من التحديات التي تواجه منظومة الدول العربية الإسلامية، وبروز جماعات متطرفة رغم تباين توجهاتها العقائدية من بينها جماعة الحوثيين (الشيعية) باليمن، و(القاعدة) بجزيرة العرب، (القاعدة) بلاد المغرب الإسلامي، تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش)، أنصار بيت المقدس، حركة الشباب المجاهدين بالصومال، أنصار الشريعة بليبيا، فجر ليبيا، حزب الله والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
ووضعت القرارات الخليجية والإجراءات المصرية السودان أمام تحديات جديدة بعد التحولات التي حدثت في مصر، وجاءت التطورات الإقليمية بـ”السيسي” رئيساً لمصر بعد انحسار وتراجع أدوار الإخوان المسلمين، ثم كانت زيارة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى السودان ورد الرئيس “البشير” التحية بأحسن منها حينما زار القاهرة مؤخراً.. تبع ذلك إقدام الخرطوم على إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية وطرد الملحق الثقافي والطاقم العامل في هذه المراكز، وتحجيم الوجود الإيراني بالسودان وإبقائه على المستوى الدبلوماسي فقط، ثم تلى ذلك زيارة الرئيس “البشير” إلى السعودية وعقده جلسة مباحثات مهمة مع القيادة السعودية بعد أدائه فريضة الحج، ورجح أغلب المراقبين أن الزيارة لها صلة مباشرة بالملف الخاص بطبيعة وشكل العلاقة بين الخرطوم وطهران وطمأنة الجانب السعودي على وجه الخصوص ودول الخليج بصورة عامة أن العلاقة بين السودان وإيران تأخذ مساراً طبيعياً بعد القرارات الصادرة من الخرطوم بتجفيف مصادر ومنابع التشيّع بالبلاد على خلفية إغلاق المراكز الثقافية وطرد الملحق الثقافي الإيراني بالخرطوم و(فرملة) النشاط الشيعي بالبلاد من أجل تبديد المخاوف الخليجية، بينما ظلت مجالس المدينة تهمس بأن هناك اتصالات تجري بين الخرطوم وأبو ظبي ترتب لزيارة يقوم بها الرئيس “البشير” للإمارات العربية المتحدة خلال المرحلة المقبلة لترسل الإمارات رسائل أخرى مفادها أن الإجراءات ضد ظهران ليست كافية لتحسين علاقة السودان بالدول الخليجية، ولا بد للخرطوم من تكملة المشوار في اتجاهين، الأول تحديد موقف رسمي وبشكل واضح من الجماعات المتطرفة خاصة (داعش) على مستوى التنظيمات الجهادية والمقاتلة، والإخوان المسلمين على صعيد التنظيمات الحركية، كما أن عدم دعوة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقيادة “خالد مشعل” و(حركة النهضة التونسية) بزعامة “الغنوشي” و(التنظيم الإخواني) الذي يقف على قيادته “محمد بديع” لحضور جلسات المؤتمر العام الرابع للمؤتمر الوطني بالخرطوم وعدم المشاركة في فعالياته تحتاج إلى مزيد من الإجراءات التي تجعل الخرطوم في حل من هذه الحركات وفك ارتباطها بالكلية وخلق مسافات متباعدة بين المحور الإيراني و(حماس) و(الإخوان المسلمين) كاشتراطات مطلوبة ومستحقات لابد من الوفاء بها لتكون عربوناً وتذاكر عبور تأذن بدخول السودان للنادي الخليجي، فيما عدّ الغزل الذي تمارسه الخرطوم مع عواصم البلدان الخليجية وحده ليس كافياً لفتح الأبواب.
ومثلما الحكومة في الخرطوم تواجه تحديات قرارات مصر والسعودية والإمارات القاضية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كحركة إرهابية، فإن الجماعة على مستوى السودان بقيادة الشيخ “علي جاويش” تواجه تحديات أكبر وأكثر من الحكومة التي وجدت نفسها في وضع حرج للغاية في كيفية تعاملها وتعاطيها مع جماعة الإخوان المسلمين، فالمراقب العام للجماعة “علي جاويش” سبق وأكد أن الحكومة السودانية تواجه ضغوطاً كثيفة تُمارس عليها من الخارج لعزل جماعة الإخوان المسلمين ومحاصرتها إرضاء لأطراف إقليمية ودولية.. وها هو الشيخ “جاويش” يحذر مجدداً من مغبة استجابة الخرطوم لهذه الضغوط أو محاولة اتخاذ خطوات مماثلة في مواجهة الجماعة من قبل الحاكمين لتنفتح الساحة على عدة احتمالات وسيناريوهات متوقعة في المستقبل القريب في حال مضي الخرطوم في تنفيذ (الروشتة) أو الوصفة العلاجية التي تقربها من المنظومة الخليجية، الأمر الذي يتعين على جماعة الإخوان المسلمين معه توفيق أوضاعها واتخاذ خطوات استباقية لتفادي وتلافي أية ضربات أو هجمات قادمة قد تخلق مضاعفات أو تقرحات على جسد الجماعة الجريحة التي خرجت من التشكيل الحكومي بشكل نهائي قبل ثلاث سنوات، ثم جلست على الرصيف كعنصر متفرج ثم اقتربت من خندق المعارضة في الوقت الراهن لتجد نفسها في مواجهة واقع جديد يعيد للأذهان الحالة المصرية وانتقالها من شمال الوادي إلى أدناه، الأمر الذي يتطلب من جماعة الإخوان المسلمين الاستعداد لمواجهة تبعات هذه المرحلة والتهيؤ لمجابهة واقع جديد يضعها في مواجهة مباشرة مع النظام الحاكم..!!

الخرطوم – الهادي محمد الأمين
المجهر السياسي
خ.ي[/JUSTIFY]