رأي ومقالات

لغة المصالح هي ما يدير العالم الآن

[JUSTIFY]منذ عقود ليست بالقليلة، بدأ اسم السودان يظهر في المحافل الدولية كدولة ناهضة جديدة تتمتع بخصائص فريدة قلما توجد في دولة واحدة، وإن وجدت فهي خليقة بأن تجعل من هذه الدولة قوة عظمى لا تجارى، على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبلا أدنى شك السياسية، فالسودان ومنذ ما بعد الاستقلال بدأ في استكشاف ثرواته الطبيعية التي تمتد بامتداد أراضيه، ذلك أنه لا يوجد شبر واحد من هذه الأرض الا ويحوي كنوزاً طبيعية يمكنها أن تؤمن إذا أديرت بطريقة صحيحة مستويات عالية من الرخاء ليس فقط لمجتمعاتها المحلية، وإنما للقطر بأكمله. هذا عدا التنوع الثقافي والقبلي الذي منح البلاد صفة أخرى قلما توجد في دولة ما، برغم كونه سلاحاً ذا حدين شأنه شأن كثير من الأشياء، هذا التنوع كان خليقاً به أن يجعل من البلاد دولة ذات وجود متفرد، وذلك بما يضيفه هذا التنوع الى المكون البشري للسكان، وهو بلا شك يمثل إضافة نوعية بما يمكن أن يؤدي الى قوة الدولة وتميزها.

لقد تميزت كل منطقة من مناطق السودان بثروة نوعية تختص بها وتتميز، وساعد تعدد مناخات السودان في هذا التنوع، وذلك ليس على مستوى الإنتاج الزراعي فحسب، فالمناخ كما هو معروف يؤثر حتى في الثروات التي هي في باطن الأرض، فعدا الثروة الزراعية التي يمكن أن تجعل السودان في مصاف الدول الزراعية القوية ـ أيضاً يتميز بوجود الثروات المعدنية والبترولية والتي تتوزع في مناطق عديدة بكل ما يلحق بها من ثروات أخرى كالغاز الطبيعي الذي يمتد في حقول واسعة في مناطق عديدة.
لقد انشغلت كثير من الحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم البلاد بالإدارة السياسية لها، وغفلت أو تغافلت أياً يكن عن أن تدير الاقتصاد بالطريقة المطلوبة التي تحقق للبلاد وجودها الحقيقي على الخارطة العالمية. فالقوة الاقتصادية لأية دولة كانت ومازالت هي التي تصنع للدولة وجودها وكيانها بين الأمم، ذلك أنها تنعكس على كل تعاطيها مع الآخر في المجتمع الدولي. وهو شيء فطنت له الدول التي استطاعت أن تصنع لنفسها مكاناً تحت الشمس في عالم اليوم، وذلك دونما ضجيج أو صخب. وأيضاً وبنفس القدر أصبح سلاحاً تستخدمه الدول من أجل تدمير الدول الصاعدة، فتدمير القوة الاقتصادية لدولة كفيل بجعلها في ذيل القائمة على كل المستويات.

إن ما يحدث الآن من مواجهات بين السودان وبعض مؤسسات النظام الدولي الذي تديره مصالح معروفة الاتجاهات والميول هو شيء طبيعي في ظل صراع البقاء الذي أصبح يحكم منطق الأشياء على مستوى العالم، إقليمياً ودولياً. وهو شيء ليس بمستهجن، ليس لأنه غير عادل بحق السودان، هو بالتأكيد كذلك. ولكن لأن منطق القوة والمصالح هو الذي أضحى مسيطراً على كل التفاعلات بين الدول. وهو عين ما يحدث الآن داخل المنظمة الدولية التي يفترض بها، ونقول يفترض، أن تحمي السلم والأمن العالميين. إن الصوت العالي الآن داخل كل المؤسسات والتنظيمات الدولية هو صوت المصلحة الذي تحكمه القوة والتي هي تحكمها معادلات كثيرة معاملها الرئيس هو القوة الاقتصادية وما يتفرع عنها من قوى. لقد أكدت المسوحات الجيولوجية لمناطق دارفور ومناطق غرب السودان في عمومها، الثروات الباطنة التي تحويها هذه المناطق. وهو شيء لم يعد خافياً على أحد، بل إن كثيراً من مراكز بحوث الطاقة العالمية تتحدث عن مستويات عالية وعالمية من المعادن الثمينة في باطن الأرض في الإقليم. وعن احتياطي مهول من البترول والغاز الطبيعي يمتد في أحواض ضخمة تحته وصولاً الى الحدود الدولية ومتداخلاً مع بعض دول الجوار. وهو بلا شك أحد أهم البواعث التي دفعت وتدفع الدول ذات المصلحة في اشتعال الصراع بالإقليم بأن يبقى الوضع على ما هو عليه. بل أن يزداد اللهيب ليحرق كل شيء ويسمح بتدخلات دولية يمكنها أن تدير كل شيء لصالحها، ضاربة بمصلحة السكان ومواطني الإقليم عرض الحائط.

إن البلاد هي أحوج ما تكون الآن لتماسك الجبهة الداخلية ونبذ المحرضين الذين يزيدون النار اشتعالاً. إن الحلول التي تأتي من خارج أسوار الوطن للإشكالات الداخلية هي بلا شك حلول تحوي في باطنها مصالح الآخر، مهما كان شأنه. وليس أدل على ذلك مما يجري الآن في أروقة مجلس الأمن تجاه السودان ــ ولا نقول تجاه النظام في السودان ــ وذلك برغم مسارات التفاوض التي تظل مفتوحة في كل الاتجاهات ومنذ سنوات، فالأمر الآن موجه للسودان في أعرق مؤسساته القومية، وموجه الى قلبه النابض وحامي حماه، والى مؤسسة يشهد لها العالم بأنها ظلت وفية لكل شبر هي مسؤولة عن حمايته ولكل فرد هو تحت ذمتها.
والحاجة الآن هي أشد لإدارة الحوار مع العالم عبر اللغة التي يفهمها، وهي بلا شك لغة المصالح والاقتصاد، وهي اللغة التي يتفهمها النظام الدولي الجديد الذي يدير عالم اليوم. كما أننا بحاجة لإدارة حوار داخلي ليس أساسه الثروة والسلطة، بل أساسه الوطن وأهله والحفاظ على دولة توشك أن تتداعى عليها المؤامرات الدولية بسبب تفرق كلمة أهلها. إننا بحاجة لإعلام خارجي قادر على إدارة معاركنا بذكاء، بحيث تكون له القدرة على استقراء القادم من مجرد كلمة عابرة هنا أو هناك، وأن يبني جدراً من الرأي العام الدولي لصالح قضايانا لتكون استباقاً للحملات المضادة، وذلك من قبل وصول الشجر السائر الى مضارب الوطن. فاللوبيات التي تحكم العالم الآن تعول على الإعلام في تكوين الصور الذهنية، وذلك بمعدلات تراكمية تؤتي أكلها حين الحاجة إليها، وهي غالباً ما تفعل ذلك وبمهنية عالية.

منال عبد الله عبد المحمود
صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]