رأي ومقالات
يوسف عبد المنان : المفاوضات الباهتة
انتقال المفاوضات من “الدوحة” لـ”أديس أبابا” تم في صمت شديد وتكتم من جميع الأطراف بما في ذلك قطر نفسها والتي لعبت دوراً كبيراً في تهدئة الأوضاع في السودان ودارفور بصفة خاصة، ومدت أياديها للحكومة السودانية يوم أن قاطعها العرب ومن خلفهم الأعاجم. لكن (شيئاً ما) على قول السفير “عبد الله الأزرق” قد حدث في دهاليز المنطقة جعل التفاوض بشأن القضية الدارفورية ينتقل من “الدوحة” إلى “أديس أبابا”.. واليوم تجري المفاوضات وسط تجاهل إعلامي شامل لمساراتها وتفاصيل ما يجري، وغابت الصحافة السودانية عن المشهد ولم يبدِ الشارع العام اهتماماً بالحدث خلافاً لمفاوضات المنطقتين التي انتهت بالفشل الذريع قبل أسبوعين.. وهامشية مفاوضات “أديس أبابا” بدأت بتكوين وفد التفاوض الذي يقوده د.”أمين حسن عمر” الذي تم تجريده من كل مناصبه ومواقعه في الحكومة والتنظيم، وبات فقط يتولى رئاسة مكتب سلام دارفور وهو مكتب لا سند دستوري أو قانوني له.
ويضم وفد أعضاء التفاوض شخصياتٍ جميعهم من المؤتمر الوطني لا يتسنمون مواقع تنفيذية في الدولة. صحيح أن د.”أمين حسن عمر” يعتبر من المفكرين الإسلاميين القلائل وله ثقل فكري في الحركة الإسلامية، ولكن لا نفوذ له في الدولة والحزب والمعيار الآن بالنفوذ والسطوة لا بالفكر والكسب السياسي التاريخي.. ولذلك لم تجد المفاوضات التي يقودها د.”أمين” اهتماماً من الصحافة ولا حتى القنوات الحكومية مثلما اهتمت بمفاوضات المنطقتين، مما يطرح سؤالاً أي اتفاق مع متمردي دارفور يوازي مثلاً توقيع السيد “إبراهيم غندور” مساعد رئيس الجمهورية والقابض على مفاصل الحزب اتفاقاً مماثلاً مع متمردي المنطقتين؟؟
السودان بلد تشكل فيه السلطة الفاعل الرئيس والمهم الذي ينظر إليه الناس وكما يقول “تروتكس” السلطة والقوة يقرران الأمر الواقع، فإن هامشية موقع “أمين حسن عمر” في السلطة ربما لا تساعده على اتخاذ القرار الصائب، والإرادة الحقيقية هي إرادة السلطة الحاكمة لا إرادة التنظيم أو الحركة الإسلامية لذلك تبدو مفاوضات “أديس أبابا” هامشية جداً بالنظر للمفاوضات التي كان يقودها “غندور”.
عوداً على بدء فإن القرار (2046) الذي تتمسك به الحكومة الآن بشدة لأنه يفصل مسار التفاوض بين دارفور والمنطقتين، لهذا القرار جزئية أخرى ترفضها الحكومة ووفدها المفاوض بل يعتبرها الرئيس “غندور” دونها (خرت القتات)، وهي اعتبار اتفاق “نافع” “عقار” مرجعية للمفاوضات بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال.. ومن الجهة الأخرى فإن الحركة الشعبية أيضاً كانت تتمسك بالقرار (2046) ولكنه اليوم نفذ من فوقه لقرار مجلس السلم والأفريقي الذي يمنح السيد “أمبيكي” حق الإشراف على الحوار الوطني.. إن “أديس أبابا” أقرب العواصم للخرطوم أضحت هي البديل للدوحة والقاهرة وبقية العواصم الصديقة والشقيقة، ووجدت حركات دارفور أن إثيوبيا أقرب إليهم من قطر ومصر لذلك أصبحت كل قضايا السودان تناقش هناك.. فهل من بصيص أمل لحل نزاع طال وتمدد وبات مهدداً لوحدة ما تبقى من السودان القديم.
المجهر السياسي
خ.ي