رأي ومقالات
يوسف عبد المنان :حرب “الطيب”
حينما حاصرت قوات الدفاع الشعبي والمجاهدون الجبال الغربية لمحلية “الدلنج” عام 1994 مناطق “تلشي” و”تيما” و”الكمدة” .. كان المجاهدون يصغون في مساء (الخميس) لأصوات طار الصوفية ينبعث من أعالي الجبال الشاهقة، أما في “تيمين” فإن قوات المجاهدين تحاصره من كل الجهات، ولكن عند الصباح الباكر ينبعث صوت الأذان مجلجلاً يشق صمت الليل الرهيب (حي على الصلاة). وتساءل البعض كيف لنا قتل من يرفع الأذان في الصباح والمساء.. وهل نحن نخوض حرباً ضد من رفع راية لا إله إلا الله أم نخوض حرباً سياسية ضد إخوان لنا .. والقاتل منا والمقتول منهم في النار يوم لا ينفع حزب ولا قبيلة ولا عمارة!
بسبب الحرب أغلقت في جبال النوبة نحو خمسمائة مدرسة أساس ونحو مائة مدرسة ثانوية.. وأثمرت الحرب نزوحاً للمدن ولجوءاً لدول الجوار.. هل كلفت الأخ “الطيب” نفسك يوماً وجلست لبائعات الشاي في الخرطوم المحزونات البائسات، وسألتهن من أنى جئن وكيف وصلن الخرطوم، ستجد (90%) من بائعات الشاي والأطعمة والممتهنين للأعمال التي توصف بالهامشية هم أهلي من جبال النوبة.. مثلي أخي “الطيب” يده ورجله في النار ومثلك يده ورجله وبطنه ورأسه في الماء، أنا من أصبحت خالاتي وعماتي وبنات أهلي يمتهن بيع الشاي وصناعة الزلابية وأنت خالتك وبنات عماتك في ماليزيا ينعمن بالدنيا ونعيمها، ونحن نتلظى بجحيم الحرب حتى فرقت بين المرء وزوجه.. هل تعلم أن النساء اللاتي عدن من مناطق التمرد في رشاد (70%) منهن حملن من رجال لا يعرفونهم .. هل أحدثك أخي “الطيب مصطفى” عن ما فعله التمرد بخلاوي القادرية في “الموريب” و”طاسي”، وكيف أصبحت بقاع الصوفية هناك مرتعاً خصباً للتمرد!! بل أسألك لماذا تمردت المنطقة الشرقية وبعض أهلنا من تقلي بعد أن كانوا صمام أمان لوحدة السودان.
الحرب إذا استمرت ستمزق ما تبقى من السودان ولنا في حرب الجنوب عبرة لأولي الألباب، أما غيرهم فلا شأن لنا بهم على الأقل في جدل الحبر والقِرطاس والقلم.
المجهر السياسي
خ.ي