أمبيكي بين الخرطوم وجوبا.. تفاصيل مهمة (ليست مستحيلة)
واعتمد مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلسته رقم (477)، المنعقدة (الخميس) بأديس أبابا قرار تمديد مهمة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، للمساعدة في مفاوضات ما بعد الانفصال بين السودان وجنوب السودان.
و”أمبيكي” الذي عُين رئيس “لجنة الوساطة” التي شكلها الاتحاد الافريقي في مارس 2009م لإعداد تقرير حول الحلول المقترحة لأزمة دارفور، جاءت مهمته في أجواء ترقب مشوبة بالتوتر أعقبت تسريب وسائل الإعلام الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، نبأ اعتزام مدعي محكمة الجنايات الدولية توجيه الاتهام للبشير والمطالبة بتوقيفه. بدأ مهمته بنوع من الحذر والتحفظ على مستوى الزيارات الميدانية وعلى مستوى التصريحات، وقام خلال عامه الأول بعدد من الزيارات للسودان ودارفور، استمع فيها لمسؤولين ومواطنين وخبراء، والتقى بكثير من الساسة والناشطين والدبلوماسيين، قبل أن تقدم لجنته لمجلس السلم والأمن الأفريقي تقريرها الشهير أواخر عام 2009م ، وهو تقرير جذب الأنظار إليه لمطالبته بتأسيس محاكم مختلطة من قضاة سودانيين وأفارقة، تتولى النظر في جرائم دارفور، كما دعا التقرير إلى خطوات أخرى أبرزها تأسيس مفوضية للحقيقة والعدالة والمصالحة.
و”ثابو أمبيكي” المولود في 18 يونيو 1942 م في جنوب أفريقيا هو سياسي خدم لفترتين كرئيس ما بعد الفصل العنصري الثاني من جنوب أفريقيا من 14 يونيو 1999إلى 24 سبتمبر 2008. . وتخصص “أمبيكي” في التوسط لحل القضايا الصعبة والمعقدة في القارة الأفريقية بدأها ببوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا)، وساحل العاج ، وبعض اتفاقات السلام المهمة . أشرف على الانتقال من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي. وهو صاحب نظرية “الدبلوماسية الهادئة” في التعامل مع زيمبابوي.
أمبيكي ومهمة صعبة..
ووُجّهت انتقادات لاذعة لأمبيكي من قِبل قادة جنوبيين إبان إدارته لملف العلاقات بين دولتي السودان وجنوب السودان، إذ اتهموه بعدم الحياد والميل نحو الخرطوم عبر طرح المقترحات التي رأوا أنها تأتي متوافقة مع رؤيتها.
في المقابل، التزمت الخرطوم الصمت ولم توجّه اتهاماً مباشراً لأمبيكي، وإن كانت وقتها تتحفظ على بعض المقترحات التي يطرحها لتقريب وجهات النظر بشأن ملف العلاقات بين الدولتين.
وقبل توقيع الدولتين على اتفاقيات التعاون التسع في أديس أبابا في عام 2012، والتي وضعت خريطة شاملة لحلحلة القضايا العالقة المتّصلة بملفات البترول والحدود والترتيبات الأمنية، بدأ الحديث يتجاوز الانتقادات ليصل الى حد الهمس بأن الخرطوم تُسيّره كما تهوى، ولكن المحلل السياسي “عبد الله آدم خاطر” أشار في حديثه لـ(المجهر) إلى الدور المهم الذي يقوم به الوسيط الأفريقي أمبيكي في العلاقات بين البلدين، ونوه إلى مساهماته التي وصفها الكبيرة في تقليل الصعوبات وإعادة تحويلها نحو الحلول.
ولفت “خاطر” إلى الخبرة العريضة التي يتمتع بها “أمبيكي” في التعامل مع قضايا نزاعات القارة السمراء وتعمقه العريض في القضايا السودانية، مشيراً إلى أنه يعد أحد أفضل تلاميذ الزعيم الراحل “نيلسون مانديلا” وهو يرى أن السودان بوصفه أحد الدول الأفريقية المهمة يجب أن ينعم بالسلام والتنمية، لافتاً إلى الحماس الكبير وكل دول جنوب أفريقيا في سبيل حل هذه المشكلة.
ورغم الحديث المتفائل عن قدرة “أمبيكي” في إيجاد حلول للأزمة الماثلة الآن بين السودان وجنوب السوودان إلا أن المحلل السياسي د.”صلاح الدومة” مضى إلى التقليل من الدور المحتمل الذي يمكن أن يلعبه أمبيكي في شأن الدولتين بقوله إن “أمبيكي” لا يعدو سوى أن يكون كاتباً للتقارير، مبيناً أن الوسيط الأفريقي لا يغير ولا يصدر قراراً وهو كاتب جيد للتقارير أكثر من كونه فاعلاً سياسياً وهو يمد الجهات التي تصدر القرار بالتقارير.
أزمة ثقة..
كثير من الآراء الجنوبية الحادة صوبت تجاه “أمبيكي” خلال الفترة السابقة يشير بعضها صراحة إلى استفادته من الملف ومن انحيازه الواضح للخرطوم على حساب جوبا، وهو الأمر الذي أكده المحلل د.”صلاح الدومة” في حديثه لـ(المجهر) أمس إلا أن “خاطر” ذاته استبعد الأمر تماماً قائلاً: (هناك بعض الناس يتهمون “أمبيكي” في أن لديه أجندة ضد السودان وقد صبر الرجل عليهم كثيراً حتى استطاع أن يثبت لهم أنه صاحب رؤية واضحة ولعل ما يعضد الرأي الأخير هو تغيير القيادي الجنوبي ومسؤول ملف أبيي في المفاوضات السودانية الشمالية الجنوبية “لوكا بيونغ” لرأيه بعد أن انتقل أخيراً من الهجوم عليه إلى الدفاع المستميت عنه).
ويقول “بيونغ” إنه كان (من ضمن منتقدي “أمبيكي” إبان المفاوضات حول علاقة الدولتين خصوصاً في ما يتصل بأبيي، ولكن بعد أن ذهبت إلى جنوب أفريقيا ووقع في يدي كتاب لأحد معاصري عهد “أمبيكي” لدى رئاسته جنوب أفريقيا، تغيّر رأيي تماماً وبتّ أكثر فهماً له).
ويضيف: (كما أن زيارتي لمنزله المتواضع الذي لا يرقى لمنزل رئيس دولة سابق، جعلتني أتأكد أن الاتهامات بشأن وجود علاقات اقتصادية للرجل مع الخرطوم غير صحيحة). وقال: (أفتخر بشخصية “أمبيكي” الذي يعتز بأفريقيته، ولديه قناعة بأن هذا القرن للأفارقة، ولابد أن يُقدّموا فيه شيئاً مختلفاً، وبتّ من أكثر المدافعين عنه في الوسط الجنوبي، فيكفي أنه تنازل عن السلطة طوعاً حفاظاً على حزبه ودولته).
ويرى “بيونغ” أن أمبيكي (نجح في إيجاد حلول أفريقية للقضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا، الأمر الذي يؤكد إلمامه بأدق التفاصيل). أما عن قضية أبيي، فيقول “بيونغ”: (إن أمبيكي قدّم مقترح حل ممتاز للقضية ودفع به لمجلس السلم الأفريقي الذي يقع عليه اللوم وليس “أمبيكي”).
هل سينجح “أمبيكي” في إخماد الفتنة؟
بعد التمديد الأخير لمهمة الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي” يثار سؤال مهم وجوهري حول قدرته على إحداث اختراق واضح في علاقات البلدين وخاصة الأزمة الأخيرة. ونوه إلى الأمر “خاطر” بقوله: (إنه ينبغي علينا كسودانيين أن نستفيد من المناخ الإيجابي الذي يوفره وجود “أمبيكي” والسعي إلى حل بعض قضايا العالقة)، مبيناً أن “أمبيكي” مثله مثل أي أفريقي يطمح إلى أن يكون ما بيننا وجنوب السودان علاقات اقتصادية وسياسية متينة، مقللاً في الوقت ذاته من إمكانية تفاقم الأزمة الحالية بين السودان وحنوب السودان بقوله إن الأزمة الأخيرة من الممكن أن تتطور لكي تصبح سلاماً دائماً، مستدلاً بعلاقة السودان بمصر التي كانت في قمة أزمتها ثم أصبحت الآن على أفضل حال، موضحاً أن مصالح البلدين الاقتصادية والسياسية تتطلب أن تتمتع بالاستقرار. بينما يرى المحلل د.”صلاح الدومة” أن الخرطوم في حال قامت بدورها الأبوي تجاه الجنوب فمن الممكن أن تتجنب الفتنة التي من الممكن أن تنشب بينهما، وبين ثنايا هذه التشابكات في علاقات الطرفين يبقي الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي” في الملف الشائك بين السودان وجنوب السودان خاصة بعد الدفعة المعنوية الكبيرة التي منحت له مؤخراً بالتمديد لمهمته لعام آخر، والرجل يتمتع بحنكة سياسية ورؤية وصفها مراقبون بالواضحة يمكن أن تعبر بالأزمة الماثلة إلى بر الأمان.
المجهر السياسي
خ.ي
هذا الإمبيكي ليس وسيطا بل عميلا للغرب بقناع أسود يساعد على أداء أضفاء الحياد على المهمة المرسومة له، وقد ظهرت نواياه عندما اقترح بحرمان المسيرية أصحاب الأرض من التصويت في الاستفتاء الذي ورطتنا فيه الإنقاذ بينما يعطي الحق لدينكا نقوك الوافدين من قوقريال في الجنوب حيث عقابهم لا يزال هناك –