سياسة “وأنا مالي” الشهامة.. ظهور تكنيكات متطورة
سياسة (يلا نفسي، وأنا مالي) التي تفشت بين هذا الجيل، تسببت في اندثار الشهامة والمبادرة في مساعدة الغير على حد قول بعض كبار السن، ما دفع الكثير منهم لوصفهم بـعدم المسؤولية والأنانية، لكن الشباب دافعوا عن موقفهم وعلقوا سلوكهم على شماعة فقدان عامل الثقة بين الناس، التي أرجعوها إلى سوء النفوس التي باتت تفترض أسوأ التكهنات بمجرد تقديم أحدهم يد العون لشخص لا تجمعه به سابق معرفة، ليس هذا فحسب، فبعض الناس بات يُعرض عن مجرد الوقوف للرد على أسئلة من ينادون عليهم، ظناً منهم أنها إحدى حيل الشحذة المتطورة.
موانع تقديم المساعدة
عجوز تلح على إيقافي قائلة: ياولدي أقيف، وأنا أحاول تجاهلها بالمضيّ قُدما، لكنها أمسكت بيدي وقالت: “مادايرة أشحدك، بس راسي لافي” ممكن توصف لي موقف الكلاكلة، حينها شعرت بالخجل على سوء ظني بها وحاولت التكفير عن خطأي بإيصالها إلى خط موصلاتها، وأنا أعتذر معلقاً تصرفي على شماعة الشحاذين والمحتالين الذين تفننوا وطوروا أساليب استجدائهم وطرق لفت انتباههم للمارة، هكذا ابتدر محمد عادل، طالب جامعي حديثه. وابتسم ثم أردف: جيل الشباب أكثر إلماما بما يدور حوله يعني (مفتحين)، لذلك يتخير المحتالون كبار السن ضحايا لهم دوناً عنهم، وهذا لطيبتهم المفرطة وحسن ظنهم (الزايد عن حدو) في الناس.
ووافقه محمد عوض، خريج، الرأي وأضاف: عدم الثقة في الآخرين هي أولى موانع الإقدام على مُساعدة الآخرين، والسبب اللصوص والمحتالون اللذين يُبادرون بمد يد العون للناس في حمل أغراضهم من ثم يهربون بها، هذا جعل المجتمع عموماً والشباب على وجه الخصوص يبتعدون عن التدخل في شؤون العامة اتقاءً لشر الإحراج وسوء الظن بهم. واستطرد محمد: في إحدى المرات جلست جواري سيدة تحمل طفلاً صغيرا في حجرها، استمر الصغير في البكاء رغم محاولات والدته الفاشلة في إسكاته، فأخرجتُ قطعة حلوى من جيبي وأعطيتها لها، وما كان من والدته إلا أن انتهرتني بمنتهى الإحراج قائلة: “امسك حلاوتك عليك”، وعندما سألتها عن سبب غضبها مني طلبت أن أصمت أو ستُغير مقعدها، وظللت أستمع إلى سمفونية الطفل الباكي إلى أن وصلت لمحطتي.
جيل غير مسؤول
السيدة رابعة عبدالله، موظفة، كان لها رأي آخر عبرت عنه قائلة: شباب هذا الزمن غريبين حد الشذوذ، فهو جيل غير مسؤول تجاه نفسه ومجتمعه، رغم أني متأكدة أن أسرهم تجتهد في تربيتهم وتزويدهم بما يجعل منهم أفراد صالحين في هذا المجتمع، لكنهم متمردون بما فية الكفاية ليسخطوا على كل ثوابت مجتمعنا السوداني الجميل، ففي الماضي كان الشباب مهذبين لا يُهينون كبار السن ويبادرون على مساعدة الآخرين لكن اليوم من النادر أن يترجل شاب عن مقعده لفتاة في عز زحمة المواصلات بعد المغرب، وإن بدر من أحدهم ذلك، فيقف الجميع مشدوها من شدة الإعجاب به، كما لو أنه (جاب التائهة) مع أن هذا هو السلوك الطبيعي.
وأرجع أحمد محمد حامد، أعمال حرة، غياب ثقافة مساعدة الآخرين للتربية قائلاً: في الماضي كانت الأسر تُربي أبناءها على مساعدة الغير ومد يد العون للمحتاجين، وذلك من المفاهيم السائدة في ذلك الزمن، التي تدعو الشاب لحماية أي أنثى حتى وإن لم تطلب، أما اليوم فبات الآباء يربون أبناءهم على سياسة (يلا نفسي، وأنا مالي) خوفا عليهم من الوقوع في مشكلات هم في غنى عنها، ما نتج عنه جيل أنني لا يفتقر لروح التعاون. واسترسل أحمد: رغم أن روح التكافل من أساسيات ديننا الحنيف، إلا أن الأوروبيين هم من يتعاملون بها، ففي أرووبا هنالك قوانين تُجرم من يمتنعون عن مساعدة الآخرين.
اليوم التالي
خ.ي