السِريّحة.. بحثاً عن لقمة حلال الجري بين السيارات ومسابقة إشارات المرور
التغيير اقتحمت عالم هولاء الكادحين الذين ينافسون العصافير في صحوها، ويكابدون العناء حتى مغيب الشمس ودارت بحرية ولطف بينهم.
شغل حلال شاب طويل القامة رفيع الجسد يتحرك بخفة بين السيارات، ويتحدث بابتسامة يوزعها على من يعرض عليه اشياءه، سألناه لحظة ان كانت الإشارة خضراء فقال (أنا بجيب البضاعة دي من سوق ليبيا ، وفي ناس بجيب ليهم زول، واخترت الشغلة دي عشان هي شغلة شريفة، والحمد لله ساتراني، وانا مبسوط فيها وبالليل شغال في شغلة تانية، مرات بنلقى مضايقات كتيرة، بس نحن عارفين إنو شغلتنا متعبة).حديث مقتضب واجابات سريعة وفيها كثير من الوضوح وكمفردات عالية الاناقة، تبين كيف أنهم يسابقون الزمن للعيش، وهي تدلل على أنهم أيضاً لهم عالمهم الشريف الجميل، والبعض منهم يدمن العمل ويحبه، وهو يسعى فقط بحثاً عن اللقمة الشريفة.
يلتحف شالا ويحمل مجموعة من (الشالات) في يديه، ويضمها على صدره يتنقل بدقة أكثر فهو على ما يبدو يختار من يعرض عليهم بضاعته بعناية، انتظرنا أيضاً حتى سار رتل السيارات وسألناه بسرعة وأجاب هو بذات السرعة فقال: (أنا والله ما لقيت شغلانية أحسن من دي، وعندي مسؤوليات كتيرة لازم اقوم بيها، متزوج والحمد لله، وهسي ساعي بفتش عن عمل، عندي بكالريوس علوم إدارية، وقريت كورس لغة انجليزية، وكنت شغال في شركة.
– أضاءت الإشارة حمراء فانطلق ثم عاد لحظة أن صارت خضراء
فواصل حديثه: أنا وقفت وين.. كنت شغال في شركة والشركة قفلت ولازم طبعاً الزول يتصرف ويوفر مصروفات لأسرتو، ولحدي ما ألقى شغل انا حا اشتغل.. الحمد لله كتير الواحد بلقى ليهو 80- 90 جنيه في اليوم ويرجع يديها للأولاد مصاريف المهم اللقمة الحلال والعيش النضيف وربك كريم يازول).
لنا الله ربما هو الحياء أو إحساسنا الصغير أمام عظمة كفاح مثل هولاء الرجال، لكنا نظرنا كثيراً من زاوية قريبة لهولاء الذين يحملون مسؤلياتهم بين ايديهم وأحلامهم بين اصابعهم ويتنقلون بين سياراتنا، ربما هي ارادة الله في ان نلفت إنتباه السادة سائقي السيارات أنّ الشاب الذي ينتظرك وهو يحمل بضاعته عند شارة المرور، رجل بكامل مسؤلياته وأمانته، ويستحق منك التقدير.أيمن كمون
صحيفة التغيير
ت.أ