منى سلمان

ضنين الوعد

[ALIGN=CENTER]ضنين الوعد !![/ALIGN] إبنتي )الريان( لحوحة في طلباتها لدرجة تستحق معها لقب (شربوكة بت الشرابيك)، فعندما ترغب في شئ وتضعه في رأسها، تظل تطاردني بإصرار ومثابرة حتى أقوم بتنفيذه، فليس لديها بدايل أو خيارات وسطى، ولا تكلف خاطرها لإيجاد عذر من بين السبعين عذرا كي تعذرني به من اجابة مطلبها، فـ دائما ما تضعني بين خيارين، الإستجابة لها أو مواجهة الزعل والحرد.
طلبت مني قبل أيام أن أقوم بتمشيط شعرها على طريقة البوب، فإعتذرت بأن:
عمل البوب بيآخد زمن طويل وأنا مشغولة وتعبانة يا ريان.
لكن دون فايدة فلا بديل للبوب غير البوب .. وظلت تلح علي حتى فقدت صبري وصحت فيها: ياريان .. بطلي العباطة.
أجابتني في إغاظة وهي تضحك:
مالو مش أنا طالعة عبيطة زيك!! .. ناس خالتو حكوا لينا .. قالوا إنتي مرة قعدتي تبكي تلاتة يوم عشان يشتروا ليك شبط؟!!
ضحكت وتذكرت المثل المصري (أكفي القدر على فمها تطلع البنت لأمها)، عندما استرجعت قصتي مع الاعتصام الذي أعلنته ايمانا بعدالة قضيتي واستحقاقي لـ (الشبط) ! تلك القصة التي تبرعت أخواتي بـ (شيل حسي بيها) أمام العيال .. ففي صغري كان طبعي كطبع (الريان) الآن، فعندما أرغب في الحصول على مطلب فلا يمكن لشئ أن يحول بيني بينه !!
كنت قد طلبت من (أبي) أن يشتري لي شبط (أبوسيور) الشبيه بـ (كلبشات المساجين)، وهو حذاء ينتهي بسير جلدي طويل يلف حول الساق، وقد كان موضة تلك الأيام، فاشتراه (أبي) لشقيقاتي الاكبر من دوني بحجة أنني صغيرة في السن ولا تناسبني تلك الموضة.
فصرت كلما همّ (أبي) بالخروج من البيت، أقف له بالمرصاد جوار الباب كي أذكره بإحضار (الشبط)، لكنه لم يكن يعرني أي إنتباه وظل يماطلني دون تحقيق طلبي .. فلم يترك لي (طناشه) سبيلا سوى أشهار سلاح الإضراب والعصيان المدني .. فكنت أقوم منذ الصباح الباكر في همة ونشاط وبعد شربي للشاي والذي منّو .. أتخذ موقعي على الأرض بالقرب من (كرعين أبوي) وهو يتلوا أوراده الصباحية .. وكنت أبدأ في (النوناي) على وتيرة واحدة أقطعها بين الفينة والأخرى لأسترد أنفاسي ثم أقول:
يابا .. يابا .. أنا دايرة شبط ..
فيحاول توزيعي :
طيب .. حا أجيبو ليك يا الفلّوحة ..
وبالطبع لم أكن لأصدقه فكنت أواصل النوناي في مثابرة وإجتهاد، حتى انهارت دفاعاته في اليوم الثالث وانطلق إلى السوق بعد أن قال لأمي:
بتك السفيهونة دي قلعت صمغة أضاني .. النمشي أجيب ليها الشبط .
بيني وبينكم .. ما زلت أعتبر موقفي حينها نوع من المثابرة والثبات على المبدأ وليس العباطة ..
المهم .. بعد أن كبرت انتقلت لنوع آخر من التركيز أو إن شئتم (العباطة) في طريقة تذوقي للأغاني، فمثلا قد تأثرني جملة موسيقية أو مقطع من أغنية معينة فأقوم بالاستماع إليها وترديدها طول اليوم.
أيام الدراسة، كنت في مرة أزور صديقة لي في شقتها بالإسكندرية، ولعلمها بشغفي العظيم بأغنية (ضنين الوعد) لكابلي، فقد قامت بإخراج شريط كابلي ثم وضعته في المسجل، وخرجت لإستقبال ضيفة قادمة من السودان جاءتها ببعض الوصايا .. بينما بقيت أنا في الغرفة وعلى طريقتي في التلذذ بحلاوة انسياب صوت الكابلي مع الموسيقى في بداية الأغنية:
يا ضنين الوعد .. أهديتك حبي .. من فؤاد يبعث الحب نديا
إن يكن حسنك مجهول المدى .. فخيال الشعر يرتاد الثريا
ظللت أكرر هذا المقطع مرات ومرات واعيده، فأصيبت الزائرة بالاستغراب في الخارج وسألت صديقتي:
غايتو عندكم جوه واحدة باين عليها مشوكشة شاكوش سمّاوي!!
فأجابتها صديقتي تنفي عني التهمة:
تبرأ يا يمة من الشاكوش.. دي مرضرضة في الكابلي سآكت بس.
ثم عرجت علي في الغرفة قبل أن تتوجه لاحضار واجب الضيافة من المطبخ .. فتحت باب الغرفة وأدخلت رأسها وقالت:
خفي شوية من العباطة دي .. شلتي حسنا مع الضيفان !!.
وما زلت أمارس ذلك النوع من العباطة، خاصة عندما ينقطع تيار الكهرباء ليلا، فإضطر للخروج مع العيال للتمدد في الحوش وليس أمامنا من شغلة بعد إعادتي على أسماعهم جميع الاحاجي سوى عدّ النجوم والدندنة .. ففي ذات ليلة مظلمة اندمجت مع رائعة (وردي):
يا شوق مالك دعني أما كفاك عذابي
لقد شربت دموعي أما سئمت شرابي
وظللت اردد نفس المقطع بإستمخاخ حتى فاض بصغيري (أسامة) الكيل فزجرني:
خلاص أسكتي يا ماما .. كرّهتينا !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫6 تعليقات

  1. الاستاذة مني متعك الله بالصحة والعافية
    هذه طفولة مرت تقريباً علي جميع البشر وتختلف الطرق في ان تحصل علي ما تريد في طفولتك
    اما وانتي في الجامعة وتدندني بغنية عبقري الفن الاستاذ الشاعر الفنان المسيقار الملحن الكابلي ضنين الوعد فهذا يدل علي الثقافة المبكرة لديك فالكابلي لا يتذوقه الا شخص متشبع بالثقافة من امثالك يحب ان يستمع للكلمات والالحان التي تهدي الاعصاب في سكون الليل

  2. والله ده مش شاكوش سماوى ده شكلو شاكوش كيماوى فى ارس نووى صاروخو ارض جو

  3. وللكابلى برضو رائعة سكر سكر سكر ومقالاتك دوما برضو سكر سكر ،، فتحيه وتقدير لك .. وان كنتى اليوم ( ادمعتينا) شوقا وذكرى لصغارنا وماكان منهم من شغاوه ومشاكسات مااحلاها وبرضو بطعم السكر .. ودمتى

  4. حقيقة ان الابن دائما او الابنة تاخذ الجينات الوراثية وذلك واضح …… بين السطور الانسان ايضا ياخذ عاداته وتقاليده من الاسرة ولذلك ياتى الابنة او الابن حامل صفات الوالد او الوالدة وهذه المزية التى حبانا بها الله لنقل صفاتنا الوجدانيه او الشكلية من جيل لاخر وهى مزية لها ايجابياتها ولها سلبياتها ولنعطبرها ايجابية فى تلك الصفات الجيدة من حفظ الكلمات الجميلة التى تثرى الوجدان لان حمل الاشياء الجميلة هى التى تهذب النفس وتتطورها وتجعل لها مكانا طيبا فى الانسان الكلمة الحلوة لا مانع ان تردد لانها تزكى النفس بمعانى سامية لها الاثر النفسى الخاص لكل انسان الاحساس مسالة خاصة وجميله هى هبة الله وعلينا ان تنركها بالفطرة لا ان نحاول نداريها لكى نقتل الجميل فى ذاتنا ما دام انها لا تضر باحد