منى سلمان

تولة الحلوة !!

[JUSTIFY]
تولة الحلوة !!

حدثتني اخت حبيبة لي، تعرض ابنها الصغير (الشالق) في اقل من شهريين لـ فلقتين داميتين في الرأس استدعت نقله للمستشفى لخياطة الجرح .. حدثتني بحزن وغيظ عن مصادفتهم في المرة الثانية لنفس الطبيب الذي خاط له الجرح في المرة الاولى، فقد لامها الرجل بقسوة عندما تذكرهم، رغم اعتذارها بشلاقة الطفل الشديدة وعدم مقدرتها على محاصرة حركته الدائمة .. قال لها:
عندما يصاب الطفل في مرة يمكن ان نقول عليها شلاقة عيال أما عندما يعود مرة اخرى بفس الطريقة فهذا اهمال امهات لا اكتر !!
عندما يتعرض الأطفال بسبب الشلاقة الزايدة لخطر الإصابات مثل كسورالإيدي والأرجل والفليق والجروح البسيط منها والبليغ ، نسارع بكيل اللوم للأم ونتهمها بالتقصير في مراعاتهم متناسين حكمة أهلنا الكبار الذين كانوا على دراية تامة بأن رعاية الأم مهما قاربت حد الكمال، فإنها لا تستطيع أن تجاري فعايل الصغار، وأمثالنا تقول (الصغير ما بتحارث) و(الجاهل عدو نفسو) ويقولون أيضا (باب الجرح فاتح) .. وبالتالي تؤكد الحكمة أن الحرص عندما يزيد عن حده، لا يكون سوى قيد يكبل الصغار من الإستمتاع بالإنطلاق وممارسة (غبا الجهل) بمزاج، ولكنه لا يستطيع أن يمنع القدر من أن يطلق سهامه تحت سمع وبصر الأم، لأن (الحذر لا يمنع القدر) و(المكتولة ما بتسمع الصايحة).
فقد وافقت صديقتي على حزنها وغيظها من الطبيب، فأنا اعلم بأنها لم تقصر ابدا في رعاية صغيرها ولكنها المقادير .. حتى من تجربتي الشخصية – كنت دائما ما أعتبرمتطرفة في شفقتي ومحاصرتي لعيالي بالعناية الخانقة، ورغما عن ذلك فقد تعرض إثنين من عيالي لخطر الموت تحت نظري .. ففي المرة الأولى تسلل أحدهم للحوش وهو يحمل طبلة حديدية ثم تسلق لمفتاح كهرباء غير محكم الربط على الحائط (مخلخل)، حيث حدثته نفسه بأن يقوم بطبل الطبلة داخل المفتاح كي يثبته، ولكن العناية الإلهية أنقذته عندما (ضرب الفيوز) وإنفصل التيار بمجرد إدخاله للطبلة داخل علبة المفتاح ولسعه التيار .. أما صغيري الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات وقتها، فقد كان جالسا على بعد خطوات مني يلعب على الأرض، بينما إتخذ إخوته من حبل الغسيل المربوط على باب الشارع مرجيحة .. وفجأة لم أدري سوى بإنهيار الباب (أبو ثلاثة ضلف) وجبل من صبة الأسمنت على رأس الصغير .. فقد تخلخل الباب من مكانه نتيجة المرجحة، وسقط من فوق رأس الصغير الذي كان يجلس تحته لينجو من موت محقق وتفتح له صفحة عمر جديد … مرتين نجا اطفالي من موت محقق بعناية الله سبحانه وتعالى فقط وليس بحرصي عليهم رغم انني اعتبر كـ الكديسة في عيالها ..
كان (قلب الأم) هو الرمز الأصيل لمعاني المحنة والشفقة التي تصل لحد التضحية بالنفس في سبيل الأبناء وما مبالغة السر دوليب في رائعة عثمان حسين:
يا أغلى من روحي عليا .. وأعز من نور عينيا
إلا تصديقا لحالة محبة الأم لصغارها .. أما حكاية الحبيب الأغلى من الروح وأعز من نور العين فـ (ده كلام مكنات) بياكلوا بيهو عقول الحبيبات المسكينات ساي، فلا أحد أغلى ولا أحلى من (تولة الحلوة) .. و(تولة) في لهجة أهلنا تعادل في معناها (بت أم رقبتي)، كل تلك المعاني تؤكد أن الروح مقدمة على من سواها .. إلا روح الأم فإنها مبذولة فداءا لأطفالها عند أي محك للمخايرة.
تابعت حلقة تلفزيونية قبل فترة .. عن التضحية بالنفس في سبيل الآخرين .. إستضيفت فيها سيدة مصابة بشلل تام لا يتحرك منها شئ غير الرأس .. وتعود قصة إصابة السيدة بالشلل لرحلة خلوية كانت قد قامت بها مع زوجها وأطفالها وبعض الأصدقاء .. عندما قام الأب بركن العربة على منحدر بالقرب من مكان جلوسهم، ثم إنشغلوا كل بما أوكل إليه من مهام وتركوا الصغار يجلسون على الأرض بالقرب من العربة .. وفجأة تحركت العربة وتدحرجت من مكانها صوب الأطفال، فما كان من الأم إلا أن ألقت بجسدها أمام العربة لتوقف حركتها، ولكنها إنزلقت تحت العربة لتدهسها وتقصم ظهرها .. حيث نجحت في إعاقة تقدم العربة ونجا صغارها من الموت بسبب الثمن الغالي الذي دفعته .. سألتها (أوبرا):
هل أنت نادمة على ما فعلت .. ولو عاد الزمان هل كنتي سوف تتصرفين بنفس الطريقة ؟؟
أجابتها السيدة في ثقة:
لم ولن أندم على ذلك .. ولو عاد الزمان لما تصرفت بغير ذلك التصرف.
شفتو كيف إنو العيال هم من يستحقون وصف (الأغلى من روحي عليا) ؟؟
ربنا يحفظ فلذات اكبادنا من كل سوء
[/JUSTIFY]

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

تعليق واحد

  1. رائعة روعة الام يا بنت سلمان … مواضيعك دائما معبرة بعيدا عن الاسفاف والتنميق الذي تمتلي به صحافة هذه الايام … ودمتم.