تحقيقات وتقارير

حالة انسحاب: بعيداً عن أزمة الخرطوم ويوناميد.. لأبوجا أسباب أخرى تدفع بها لاستدعاء قواتها.. كيف تحشد نيجيريا قدراتها للحد من خطورة بوكو حرام

ثمة فارق ضئيل بين مدلول عبارتي (سحب) و(انسحاب) القوات في الاصطلاح العسكري ولكن في الحالتين ستكون الخرطوم التي ضاقت ذرعا بقوات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المعروفة باسم (اليوناميد) ستكون سعيدة لو قررت الحكومة النيجيرية اليوم قبل الغد سحب أو انسحاب قواتها المشاركة في البعثة وهي المكون الأكبر لهذه البعثة، ولكن الأسباب وراء عملية سحب أو انسحاب القوات النيجيرية تختلف عن تلك التي دعت الخرطوم من أجلها الأمم المتحدة لانهاء تفويض هذه البعثة التي ترى الخرطوم أنها تجاوزت حدود تفويضها وباتت تتدخل في الشأن السوداني الداخلي وهي التي جيء بها من مختلف البلدان من أجل حماية المدنيين في دارفور ولكنها فشلت حتى في حماية مقارها وعناصرها، حيث لأبوجا أسبابها الأخرى لسحب قواتها ليس في دارفور وحسب وانما في مالي وجنوب السودان والكنغو وليبيريا من أجل مواجهة أزمتها الداخلية في الحد من خطورة جماعة بوكو حرام وسط تصاعد الانتقادات للحكومة بفشلها في التعامل مع هذه الحركة.

إذاً، وبعد تصاعد عمليات القتل والاختطاف التي تقوم بها الحركة قبيل الانتخابات النيجيرية في فبراير المقبل بدأت الحكومة تفكر بجدية في إعادة قواتها المنشرة خارج البلاد في مهمات حفظ السلام الدولية والتي تقدر بنحو 3 آلاف جندى مما يجعل نيجيريا ثامن أكبر مساهم بالقوات في مهام حفظ السلام الدولية وثالث أكبر مساهم في قوات الاتحاد الأفريقي لذات الغرض والتي ينتشر جزء كبير منها في دارفور، ويقول ميكي أومري الناطق باسم الحكومة لصحيفة كريستيان سينيس مونتر الأمريكية ان هناك حاجة الى لاعادة هذه القوات لتعزيز الإمكانيات العملياتية للجيش النيجيري في حربه ضد إرهاب حركة بوكو حرام.

وتجد الحكومة النيجيرية نفسها في مواجهة انتقادات واسعة لفشلها حتى الآن في حربها ضد الحركة التي تواصل بث الرعب في شمال نيجيريا البلد الأفريقي الأهم من الناحية الاقتصادية ومن حيث عدد السكان ويشتكي المدنيون في المناطق التي تنشط فيها الحركة من القوات الحكومية تتجاهل مهامها الرئيسة في حمايتهم بل أحيانا تفر من المنطقة بدلا عن السيطرة على هذه المليشيات

القوات الرسمية النيجيرية على الورق تبلغ 400 ألف عنصر ولكن القوات الفاعلة حاليا حوالى 160 ألفا فقط.

الناطق باسم الحكومة وفي حديث لصحيفة (ذِس دي) النيجيرية يؤكد أن سحب القوات المشاركة في مهام حفظ سلام دولية مجرد موضوع للنقاش داخل أروقة الحكومة وفي إطار الجهود الإقليمية لتشكيل قوى متعددة الجنسيات لمواجهة بوكو حرام خصوصا بعد الهجوم على مدينة باغا الحدودية مع تشاد والتي تعتبر القاعدة العسكرية للقوات المشتركة المكونة من تشاد والكاميرون والنيجر بجانب نيجيريا لمراقبة وتمشيط الحدود بين هذه الدول المتجاورة والمكتوية بنيران إرهاب هذه الحركة التي قتلت في مدينة باغا وحدها حوالي ألفي شخص.

إذاً، تنامى خطر الحركة والانتقادات بالتقصير قد تعجل بسحب القوات النيجيرية من الخارج ولكن السؤال: حتى بعد إضافة هؤلاء الجنود العائدين من الخارج هل تستطيع الحكومة النيجيرية القضاء على هذه الحركة التي تصاعد نشاطها مؤخرا ليتزامن مع الانتخابات التي تجرى في فبراير المقبل؟، كما أن عملية سحب القوات ليست الأولى ففي العام 2013 سحبت نيجيريا حوالي 1200 عنصر من مالي لذات الأسباب، ولا تزال شوكة الحركة قوية.

ويرى الخبراء أنه لابد من تشكيل القوة الأفريقية المشتركة التي سيكون قوامها جنود الدول التي تنشط فيها الحركة الآن، والاستفادة من المعلومات الاستخبارية التي تقدمها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في إطار الحملة الدولية لتحديد مواقع وتحركات عناصر الحركة..

وحول موقف الدول الأفريقية من تشكيل هذه القوة المشتركة، يقول الخبير في الشؤون الأفريقية، محمد جوب، لـ”العربي الجديد”، إنه “لم يتم بعد تحديد التفاصيل المتعلقة بالقوة العسكرية الأفريقية المشتركة، بل إن القضية ما زالت في مرحلة الفكرة وستُعرض على قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة 31 يناير الحالي في أديس أبابا”. وبالنسبة لحجم هذه القوة، يتوقع جوب “أن تكون كبيرة إذا أراد الأفارقة فعلاً مواجهة بوكو حرام”، لافتاً إلى أن “المؤشرات الأولى توحي بذلك، فالدول الأربع المتضررة من الجماعة، أي نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، تعهدت كل منها بتوفير سبعمئة جندي”. كما يتوقع جوب “أن تطلب الدول الأفريقية من مجلس الأمن الدولي تمويل القوة كما كان الحال في دارفور”.

أما عن توقيت إطلاق هذه القوة، فالمعنيون أنفسهم يقولون إن تشكيلها سيستغرق على الأقل ستة أشهر، حسب جوب. ولا يقف الأمر عند حدود تشكيلة جيوش هذه القوة المشتركة، بل الأهم هو معرفة استراتيجيات “بوكو حرام”، خصوصاً في ظل ما تعانيه الجيوش الأفريقية من ضعف في التسليح والتدريب وضعف الكفاءة القتالية، فضلاً عن نقص قدرتها الاستخباراتية إذا ما تعلق الأمر بمحاربة المد الإرهابي. فالخوف الأفريقي ليس من “بوكو حرام” فقط بل من تشابك خيوط الإرهاب من ليبيا إلى نيجيريا مروراً بمالي والصومال وكينيا. ويعطي الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، سيد أعمر ولد شيخنا، بُعداً اقتصادياً للتحرك الأفريقي الجديد ضد “بوكو حرام” خصوصاً بعد سيطرتها على مدينة باغا الاستراتيجية، مشيراً إلى أن “أهمية المدينة في قيمتها الاقتصادية والزراعية وفي حركة المبادلات التجارية بين الدول المطلة على بحيرة تشاد، وهي نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون، كما أنها تفتح لها الباب للتوجّه نحو مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو.

اليوم التالي