انتخابات موازية..حسابات المناهضة والمناصرة…
يبدو أن قوى المعارضة لا تود الوقوف (مكتوفة الأيدي) أمام الانتخابات القادمة، ويبدو أيضاً أن في خاطرها ابتعاث رسائل إلى الحزب الحاكم بأن لديها الكثير مما تحويه في (جرابها السياسي)، بعد أن أعلنت أمس الأول عزمها إجراء انتخابات موازية للاستحقاق الانتخابي الذي ينطلق الشهر القادم. وأعلنت حملتها المنظمة للمقاطعة بتنظيم تلك الانتخابات الموازية التي اختارت أن يكون مركزها دور أحزابها ببطاقة تصويت تحمل عبارة (أنا مقاطع)، بالإضافة إلى تنظيم مخاطبات جماهيرية في الأسواق بالإضافة إلى فتح (30) مركزاً انتخابياً في دور الأحزاب يتبعها فتح عشرات المراكز في كل أنحاء البلاد.
الانتخابات الموازية التي تنوي المعارضة إطلاقها (الأربعاء) القادم تعتبر سابقة غير مسبوقة في السياسة السودانية، فلم يسبق أن عمد حزب أو مجموعة سياسية على مثل هكذا إجراء في سبيل وقف انتخابات، حتى تلك التي تم إجراؤها في عهد الإنقاذ خلال أعوام مضت في نهاية تسعينيات القرن الماضي وفي عام 2010، ولكن المؤتمر الوطني ذاته سعى باكراً إلى تحجيم أية آثار مترتبة على تلك الحملة التي تنوي المعارضة قيادتها في الفترة القادمة، ووصفها بحسب الأمين السياسي للمؤتمر الوطني “حامد ممتاز”، بأن من يدعو إلى تلك المقاطعة مجرد (أصحاب أصوات وليست جماهير) في إشارة منه إلى تقليل الآثار المترتبة على حملة المقاطعة. واعتبر أي تحرك تقوم به المعارضة من هذا الجانب مناهضة للانتخابات مخالفاً للقانون والأعراف وتضر بالاستقرار السياسي، ولم ينسَ أن ينصحها بأن تستكمل بناءها الدستوري.
الاتحادي (الأصل): الانتخابات غير قائمة
إذن سوف تتراص قوى المعارضة المعلومة كالحزب الشيوعي وحزب البعث وغيرها من التي أعلنت موقفها باكراً من الانتخابات القادمة أو من الحوار الوطني، لتنظيم انتخابات موازية ليس الهدف منها سباقاً على كراسٍ برلمانية أو رئاسية وإنما إعلان صوت رافض للانتخابات القائمة. وهذا الموقف يأتي في سياق صدامات المعارضة الكثيرة مع الحزب الحاكم خلال الفترة السابقة، ولكن ثمة مواقف متباينة أو غير مفهومة من هذا الموقف خاصة أو من إجمالي المواقف الأخرى التي تفرق الحزب الحاكم عن معارضيه مثل المؤتمر الشعبي، كما أن الصراع الدائر الآن داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) يجعل من الصعب التكهن بمواقف موحدة داخل حزب الحركة الوطنية. ورغم ذلك فإن القيادي الاتحادي “علي نايل” أبلغ (المجهر) أمس أنهم يدعمون أي شكل من أشكال ما وصفه بتعرية الإنقاذ ضد ما أسماه بالجريمة الانتخابية التي ينوون إجراءها. وأضاف نحن نساند أي تحرك من شأنه أن يجعل (ناس المؤتمر الوطني يشعرون بالاستحياء مما هم ماضون فيه)، معتبراً أن قيام الانتخابات في هذا التوقيت بمثابة استفزاز للشعب السوداني، منتقداً في ذات الوقت فعالية المعارضة في إسقاط الحكومة القائمة قائلاً: (لو كانت عندنا معارضة شغالة صاح كانت الحكومة سقطت من زمان). وتكهن “نايل” بعدم قيام الانتخابات، مبيناً أنه التقى بنافذين من المؤتمر الوطني قال إنهم أكدوا له عدم قيام الانتخابات في ميقاتها، وأن “الترابي”و”البشير” اتفقا في لقائهما الأخير، على الاستمرار في الحوار وعدم قيام الانتخابات.
وأكد القيادي بالاتحادي (الأصل) أن كل قواعد الحزب رافضة للانتخابات، ولكنه أضاف في ذات الوقت أن ليس ثمة تنسيق بينهم وبين قيادات المعارضة الأخرى في الاشتراك في الانتخابات الموازية التي تنوى المعارضة تنظيمها في غضون الأيام القادمة، إلا أنه أردف كاشفاً أن لديهم اتصالات للتنسيق مع المعارضة. وتابع: لدينا مجموعات تسعى إلى إجراء اتصالات بالقوى المعارضة ولكننا لا نشارك في الانتخابات الموازية.
عدد كبير من المراقبين لا يفتأون في وصف موقف المؤتمر الشعبي بقيادة د.”حسن الترابي” بالموقف حيال كثير من المواقف السياسية تجاه الحزب الحاكم من جهة، وتجاه المعارضة من جهة أخرى. ففي الوقت الذي يرفض فيه الشعبي خوض الانتخابات القادمة ما لم يتم توافق حولها بين القوى السياسية، وتأكيده أن مشاركة الحزب في الانتخابات رهينة بنتائج الحوار الوطني، (وأن أي انتخابات لا يتم التوافق حولها تعتبر انتخابات حزب واحد ولن نشارك فيها).
وطالب الشعبي بضرورة إحداث توافق حول مناخ الانتخابات الذي قال إنه يتطلب توفير الحريات وقومية المؤسسات، وأهمية الاتفاق حول قانون الانتخابات، ولكنه في ذات الوقت يصر ذات الحزب على التمسك بالحوار الوطني الذي يرى أن فيه مخرجاً من كل الأزمات السودانية،. وقد يبدو ظاهرياً رفض الشعبي متسقاً تماماً مع دعوة قوى المعارضة لإجراء انتخابات موازية تعطل الانتخابات القادمة التي ستجري في غضون الشهر القادم، ولكن الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي د.”كمال عمر” قال في حديثه لـ(المجهر) أمس: (صحيح لدينا موقفنا من مقاطعة الانتخابات ولكننا في ذات الوقت لدينا خطة لبناء الحزب قبل قرار الانتخابات، وهذا هو الخط الذي يمضي فيه الحزب في الوقت الحالي)، كاشفاً عن مضيهم في إجراء اجتماعات تحضيرية وانعقدت اجتماعات للشورى وفرغوا من قيام الجمعية العمومية لطلاب الحزب في ولايات البلاد. وأردف: بالتالي نحن مرتبطون بخط الحوار وبالخط السياسي، لافتاً إلى أن الحوار يعتبر هو القيمة الأبقى من الانتخابات. أردف: حتى إذا تم إسقاط الحكومة الحالية فإنه لا غنى عن الحوار، لأنه الوسيلة الأنجع لحل مشاكل البلاد. وكشف “عمر” عن أنهم في المؤتمر الشعبي يظلون الحزب السياسي الوحيد الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع الحكومة ومع المعارضة في ذات الوقت، واصفاً ذلك بأنه يعتبر (تميزاً مختلفاً لهم دوناً عن سائر الأحزاب). وأكد “عمر” أنهم لم يقنعوا حتى الآن من الحوار رغم مضي الحزب الحاكم في إجراء الانتخابات.
وعن قرار المؤتمر الشعبي بالمشاركة في الانتخابات الموازية التي سوف تقدم عليها المعارضة أكد د.”عمر”، أن نجاح تلك الانتخابات الموازية يتعلق بمدى القبول الذي تتمتع به قوى المعارضة في الشارع، معتبراً أن الشعب السوداني لا يحتاج لمن يوضح له موقفه وأنه سبق وأن اتخذ موقفه مسبقاً. وأردف: المعارضة إذا تكلمت سنين وشهوراً فإن ذلك لن يغير من موقف الناس شيئاً، لافتاً إلى أن توقيع المعارضة لميثاق نداء السودان أضر بها كثيراً في قبول الشعب السوداني لها. وأضاف: اعتقد أن المعارضة تحتاج إلى الشعب السوداني لكي يعلمها بقضاياه الأساسية. وتساءل “عمر”: لماذا لم يخرج الشعب السوداني مثلما خرج الشعب التونسي والمصري؟ وتكفل بالإجابة قائلاً: (أعتقد أن المعارضة غير قادرة على فعل ذلك)، معتبراً المؤتمر الشعبي أقرب الأحزاب السودانية إلى وجدان الشعب السوداني.
أخيراً..
موقف ربما بدأ يتشكل داخل أروقة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بانتهاج قياداته الرافضة المشاركة في الانتخابات ليصبح أقرب إلى المعارضة، على عكس الموقف الآخر المناقض له تماماً الذي يقوده مولانا “محمد عثمان الميرغني” ونجله “الحسن”. وقد يظهر ذلك ولو دعماً معنوياً لتحركات المعارضة المناهضة للانتخابات، وهو موقف يتعارض تماماً مع المؤتمر الشعبي الذي لا يفتأ في التنكيل بخطوات المعارضة في ضعضعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة المعارضة رغم رفضه الواضح لها. وبين هذين الموقفين المتناقضين ترنو المعارضة وقبلها الحكومة لتلك المواقف، بما يمكن أن يعضد موقف كليهما من انتخابات رئاسية وبرلمانية قادمة….وانتخابات موازية ترجو من ورائها المعارضة حشد مناصرين مقاطعين للأولى.
المجهر السياسي