تحقيقات وتقارير

ما وراء إعفاء السمؤال: الكثير من الروايات والقليل من الحقائق ما بين القدامى والقادمين والمطالب المالية تتناسل.. فجائع الحيشان الثلاثة


[JUSTIFY]فجأة تهبط رسالة نصية عاجلة، قرار بإعفاء السمؤال خلف الله، مدير عام هيئة الإذاعة والتلفزيون من منصبه، (سونا) تتولى نشر الخبر المكتوب في ثلاثة أسطر فقط، تتسع خارطة الدهشة في عيون الكثيرين، الخبر ينتقل عبر الوسائط الإلكترونية، في غضون أقل من نصف ساعة كانت المدينة كدأبها تغالب حيرتها بالاستفهامات، هل هي إقالة أم استقالة.؟ ثمة فرق بالطبع، فترة تعيينه كانت قصيرة وهو لم يطفئ شمعته الأولى بعد.! رشح من المعلومات تئن به الأسافير، يبدو الأمر مثيراً للدهشة، يبدو غامضاً بدلالة التوقيت والإخراج النهائي، أكثر من رواية مبذولة، أكثر من تبرير يحاول الصمود في وجه ما هو معلوم بالضرورة، يستعصم الرجل بالصمت تماما ويكف عن الكلام المباح، حتى قبل القرار بأيام، فقط تجحظ عيونه بأثقال من الهموم والقلق البائن، تسمع ضجيجا خافتا عن الحقوق والدوري الممتاز، لابد أنه يدير معركته الأخيرة بعيداً عن الأضواء، ولابد أن المعركة في حيز أكبر يتعدى (الحيشان الثلاثة) لأن إدارة التلفزيون القومي وحدها كافية لإغراقه في المشاكل، فما بالك بالإذاعة والتلفزيون وما يليهما..

قبل صاحب (أروقة) المهمة الانتحارية من الأول دون شروط كافية، وهو يتمثل حالة مصارع الثيران الروسي الذي قال لزوجته قبل بداية العراك الدامي: (اليوم إما أن اشتري لك منزلاً جديداً، أو ألبسك ثوب الحداد).. من الأول كان السمؤال يطمح في بلوغ مرماه، وكان يعلم تماماً أن حقولا من الألغام تطوق تلك المباني بكثافة، رتل من المتاعب المتوارثة، أي (لغَّام) يفقد تركيزه سيكلفه الخطأ حياته، لن يدهشك الأمر إذا علمت أن التلفزيون عبارة عن جزر معزولة، كل مجموعة تابعة لشخص، أو يمكن أن تسميها (شلة فلان).. كل واحدة تتوسل خطاباً في نقدها للآخر، يصلح أن يكون هو نفسه خطاباً في نقدها، غادر محمد حاتم سليمان لكن روحه كانت حاضرة هنالك على الدوام، المثير في الأمر أنه في اليوم الأول لتعيين حاتم مستشارا صحفياً للرئيس ومتحدثاً باسم الرئاسة، غادر السمؤال منصبه.! فهل ثمة علاقة ما بين الحادثتين.؟ لا أحد يملك إجابة قاطعة، لكن هنالك حلقة مفقودة، خصوصاً إذا ما تقاطعت الظلال مع فرحة عارمة بمغادرة حاتم لمباني التلفزيون وقتها، وفرحة بدخول السمؤال كالفارس المنتصر، مع خيبة أمل أخرى في مكان ما، فلربما كان حاتم رجل التنظيم القوي يعد خليفته للمنصب، لتأتي الرياح بما لا تشتهي سفنه، هنالك في وزارة الثقافة يجلس عبد الماجد هارون، يصعب أن يبتسم على مقربة دون أن تطاله الشكوك، إحدى الروايات الأقرب للحقيقة بخصوص إعفاء السمؤال تحدثت عن مطالبة مالية كبيرة دفع بها الرجل وتمسك بها حتى النهاية، قرابة الأحد عشر مليار جنيه، تم الالتزام بها نظرياً دون الإيفاء بحقوق العالمين، وكذا الحال مع استحقاقات الدوري الممتاز، قيل إن الوزير السابق دفع بميزانية طموحة لتطوير الهيئة فرفضتها المالية بذريعة عدم وجود تمويل كافٍ، ما اضطر السمؤال إلى تقديم استقالته، لكن ثمة من يعتقد أن السمؤال أيضاً فوجئ بالقرار المباغت، وهنالك رواية أخرى بأن السمؤال لم ينسجم مع التلفزيون كما هو المأمول، وقد ساءت العلاقة بينه ونوابه في الجهازين، كما هو الحال دائما بين القدامى والقادمين، عطفاً على ذلك فإن الأوضاع في الإذاعة مضطربة بالأساس، مراكز القوى تتكاثر هنالك بين الحضور التنظيمي الطاغي وأهل الإبداع المغلوبين على أمرهم، في التلفزيون لا يختلف الحال كثيراً، بالطبع لا يمكن أن تتجاهل دخان ما يحدث في الضفة الزرقاء، هنالك أعيد ترتيب الأشياء بعيد أن انتقلت أسهم (النيل الأزرق) إلى مالك جديد، وانفتح الباب على وجوه أخرى، تزامن إعفاء السمؤال أيضاً مع مغادرة حسن فضل المولى والشفيع عبد العزيز للبيت القديم، ما يرجح – وعلى نحو كبير- الدفع بالجنرال مديراً للتلفزيون، سيما أنه لم يتم تعيين مدير جديد خلفاً للسمؤال وإنما كلف نائبه إلى حين، علاوة على ذلك فالشفيع رغم أن رجل خلاق ومبدع إلا أنه ليس ابن التنظيم المدلل، هو شخص موهوب بالفطرة وولاءه للجمال أعمق وهذه ليست ميزة لمن يحركون خيوط اللعب، في ذات ليلة إعفاء السمؤال سرت شائعة عن تعيين العبيد مروح وزيراً للدولة بالإعلام وياسر يوسف مدير للإذاعة والتلفزيون، كما سرت شائعة أخرى عن صراعات ذات طابع تنظيمي تنازع لاحتواء الأجهزة الإعلامية قبيل بداية الحملة الانتخابية، ورغم كل ذلك تبقى الحقيقة غائبة بالنسبة للكثيرين، ما لم يخرج الرجل المفتون بالشعر والمديح عن صمته ويفجر الحقائق، وهذا من المستبعد أن يحدث لأن السمؤال شخص طموح ولا يرغب في إحراق أشرعته، كما أن الرئاسة أخرجت قرار الإعفاء بذلك الاقتضاب وبدون أسباب أو مسببات لتزيل عنه الحرج وتحفظ للسمؤال حقه في عدم البوح، ولذلك اكتفى بما هو مبذول بين السطور الثلاثة للعامة، أما خاصته فلابد أنهم يعرفون كل شيء.

عزمي عبد الرازق
صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]