المنشية تبتسم.. طيور المؤتمر الشعبي تبدأ رحلة العودة للخرطوم… الصافي نور الدين يدخل محراب الإسلاميين برجله اليمنى فتـتعالى دعوات لم الشمل من جديد
ظهر أمس السبت وفي صالة كبار الزوار كان الشيخ السنوسي يداعب لحيته البيضاء ويحدق في معصمه، الساعة تتجاوز الواحدة ظهراً ولم تهبط الطائرة المنتظرة ، وهي – على ما يبدو – تقل شخصية على قدر من الأهمية، بدا القلق يساور وفد المؤتمر الشعبي المرابط هنالك، الطائرة الكينية والتي تحمل في جوفها إمام مسجد القصر ومدير الأمن الشعبي الأسبق لم تهبط بعد، انفض سامر الإخوان بعيد مضاء الزمن المضروب للعودة، في المنشية هنالك كانت أسرة الترابي تهيئ المنزل لأخطر رجالات المؤتمر الشعبي، تهبط الطائرة مساءً وهي تقل المهندس الصافي نور الدين ابن (منواشي)، تحتضنه الخرطوم بعد غيبة طويلة، يبتسم الإسلاميون ويلتئم شملهم من جديد، تنطلق ذات الأمنيات القديمة، في القاهرة هنالك يشعل المحبوب عبد السلام المنابر بعيد أن حصل على الدكتوراه وهو يحدث عن التجديد ما بعد محمد عبده، يستهلم المحبوب رؤى الشيخ ويتنكب جادة الطريق، بينما يستلهم الصافي دعوات تتوق لصفاء الحركة بعد خلاف وقوده الناس والحجارة.
فرحة عارمة تطوق شارع المطار، كان من المقرر أن تدلف السيارة إلى المنشية لتحية الترابي وأسرته، ولكنها تنطلق إلى الثورات، حديث هامس بين الشيوخ، سُكب فيه كلام كثير، جله انصب حول راهن حركة الإسلام وتحديات المستقبل، بالطبع ودون شك عودة الصافي ليست عودة على ظهر موجة عاتية من الحنين فحسب، لكنها مؤشر لبداية جديدة، تتجاوز محطة الحوار الوطني المتعثر، إلى لقاء أرحب ينطلق من وراء فكرة التصميم على الحوار نفسه، سيما أن هذه العودة تجيء بعد استجابة لتوجيه خاص من قيادة التنظيم الإسلامي بضرورة عودة قيادات الخارج، ثمة من يردد أن الصافي ليس رجلاً عادياً حتى تكون عودته بلا معنى، لابد أنه كان ينتظر الوقت المناسب، فهو قد شغل أخطر المواقع، آخرها أميناً عاماً للمؤتمر الشعبي بولاية الخرطوم بخلاف مشاركته في صناعة الإنقاذ، مياه كثيرة مرت تحت الجسر، وقد أدرك شيخ الصافي الجسر الطويل ليعبره، قطعاً ليس هو جسر المنشية لكنه يؤدي إلى ذات المكان، بعدها تنطلق السيارة إلى الثورة هنالك حيث بيت أسرة شيخ الصافي، وهو بيت متواضع، لكنه جدرانه طالما كانت تضج بحكاوى الإسلاميين وأسرار المفاصلة، من هنا كانت تنطلق قوافل المجاهدين، وآخر ظهور للشهيد علي عبد الفتاح كان في بيت الصافي نور الدين، في سنوات الإنقاذ الباكرة كان منزله قبلة للإخوان، ما يتذكره البعض أنه كان يحمل بيسارته الخاصه الجرحى ومصابي العمليات، وعرف عنه سعة صدره واحتماله لأذى إخوانه، في الأيام الأولى وبعيد تنفيذ الانقلاب اختار البقاء في حي كوبر، وقتها كان يعمل مديرا لشركته منواشي، بعدها أوكل له الدكتور الترابي إدارة الأمن الشعبي الداخلي أو ما كان يعرف بمركز دراسات السكان والتنمية، لتشهد تلك الحقبة مفاصلة الإسلاميين، هنا لم يتردد الصافي في الانحياز للمرجعية الفكرية، تتنازعه جراح الألم، بدا هادئاً ومع ذلك لم يستسلم، دخل السوق ليعمل هنالك، فتعرض لخسارات فادحة جراء التزمات بنكية، ما اضطراه لبيع منزله، خرج فقيراً من الخرطوم، رغم أنه قبل الإنقاذ كما رشح عنه كان يمتلك ثمانية بيوت في العاصمة وثماني سيارات وشركة ناجحة، عاصفة المفاصلة قضت على تلك الأملاك، ولربما كان لذلك علاقة بانحيازه ضمن قطعات الحركة الإسلامية الحية للمؤتمر الشعبي، لذلك كان من الطبيعي أن تواجه هذه القطاعات بعد ذلك أسئلة واستحقاقات المفاصلة، وأن يواجه أفرادها اختبار الإرادة، انتهت المعركة بأيلولة الكيان لصالح الجناح الآخر، بعدها انتهى الصافي إلى الهجرة خارج البلاد، هو والدكتور علي الحاج وصلاح الزين وصديق محمد عثمان، ولربما أوعز لهم الترابي بذلك، من هنالك بدأت رحلة الرجل الجديدة، غرق في العمل التنظيمي لكنه لم ينس نصيبه في الدعوة، وصنع في نيروبي طريقاً لهداية الكثيرين. صلاح الزين استقر به المقام في قناة الجزيرة ومنها إلى كينيا، والتي يعتبر هو من الجيل المؤسس لها، لترسى مراكبه في كينيا.. يهبط علي الحاج في ألمانيا، بينما يمضي صديق إلى بلاد تموت من البرد حيتانها هنالك في لندن.. الصافي وصلاح الزين اختارا الجوار المكاني، بعيد جوار وجداني عامر بالمودة، المهم وبعد عودة الصافي يتضح أن صفحة طويلة من صراعات الإسلاميين قد طويت، ما يرجح – وعلى نحو واضح – أن الدكتور الترابي صعد إلى مقوده الأول، والشواهد من وراء ذلك بخلاف مؤشرات التقارب الأخيرة، هو عودة الطيور الشعبية المهجرة، أو يمكن أن تقول طيور الإسلاميين، فحتى الرصيف صحا من غفوته وبدأ يشهر ذات الأشواق والألحان القديمة.
عزمي عبد الرازق: صحيفة اليوم التالي