منى سلمان

حكمة والله وحكاية

[ALIGN=CENTER]حكمة والله وحكاية ![/ALIGN] في واحدة من حارات الثورة بأم درمان، سكنت خالتي (السيدة) المرة الكبارية الوجيهة، مع ابنتها الوحيدة (إيمان) .. كانت تعيش قانعة مستقرة مرتاحة البال داخل بيتها، بعد وفاة زوجها حاج (مصطفى) .. حالها وابنتها الشابة الجميلة كحال جميع سكّان الثورات في إتكاءتهم على يقين أن (الرزق عند الله ما في يد زول)، وعشمهم في أن التساهيل والبركة كفيلة بتسيير أمور حياتهم البسيطة، فكلما واجهتهم المشاكل عالجوها بطريقة (أبو داؤود) التي اختصرها في القول:
مشاكلي بسيطة بالريدة بتحل .. وعندي حبيبة أشقى وأسعدا
إلا أن خالتي (سيدة) ودونا عن باقي جيرانها في الحي، كانت تعاني من مشكلة إضافية غير قابلة للحل بـ الريدة، فقد كانت تشكو مرّ الشكية من الازعاج الذي تسببه لها قطعة أرض خالية ومهجورة تجاور منزلها، لأن سكان الحي جعلوا من تلك القطعة مكبّا للنفايات نهارا، وجعل منها زوار الليل ملاذا آمنا يلجؤن إليه كلما طاردهم أهل بيت زاروه ليلا فاستيقظ أهله على وقع (تليبتهم) غير الميمونة.
شكت خالتي (سيدة) لاحدى قريباتها التي جاءت تزورها، ووضعت يدها على الجرح دون أن تقصد عندما سألتها:
النبي يا السيدة اختي القطعة الفاضية الجنبكم دي حقت منو؟!
فقد انفجرت (ماسورة) شكاويها:
– القطعة دي والله اتنجضنا معاها نجاض بـ الوساخة الجايبة لينا الضبان، والحرامية السوها ليهم مغارة (علي بابا) الليل كلو ينططو البيوت ويجو يتلبدوا فيها .. وكلو كوم، ودقديق السماسرة لي بابي النهار ما طال .. كوم براهم، كل زول فيهم يجي يسألني بي جيهة:
– (ما عارفة لينا سيد القطعة دي منو يا حاجة؟).
التقطعت (السيدة) انفاسها المتهدجة من (قومة النفس) التي انتابتها ثم واصلت:
الله يعلم، أنا وحاج (مصطفى) الله يرحموا، من بنينا البيت ده وسكناهو قبال اتنين وعشرين سنة .. وكتين حلتنا دي كانت خلا، ما حصل شفنا زول جا قال القطعة دي حقتي وللا نزّل فيها صفيحة رملة، وشدة ما تعبتا منّها، مشيت لـ ناس الاراضي أقص (اترا) عشان اريح أضاني .. أبو ما يوروني، وقالوا لي ما ممكن يمرقوا الملف حقها إلا لسيدا .. هو سيدّا وينو؟ ان شاء الله يسدوهو في كنيف البلدية!!
بينما كانت خالتي (السيدة) تصب لعناتها على صاحب القطعة المجهول، كان (طارق) يطرق الباب على أسرته في أحد أحياء أم درمان العريقة، ليفاجأهم بعودته من اغتراب امتد لسنوات لم يعد فيها للبلاد حتى لاكمال نصف دينه، ولم يكن له من عذر لهذا الغياب سوى أن (القدم ليهو رافع).
مرت أيام على عودة (طارق) استمتع فيها بحنان اهله وقضاء ما فاته من واجبات، قبل أن يجلس ويقلب في دفاتر حساباته القديمة .. سأل اخوته عن خبر قطعة الارض التي كان قد اشتراها في احدى الحارات الجديدة قبل سفره، ولكنهم أجابوه:
قطعتك دي إلا تستعوض الله فيها .. مافي زول مشى عليها ولا عارفنها وين لأنو الثورات اتبنت كلها وشكلها اتغير .. بقت بالنص وبالشنقيطي وشي ما بتقدر تعرف معاهو حقك وين.
لم تفت تلك المعلومات من عزم (طارق) على (تأتير) قطعته لمعرفة مكانها، فحمل أوراقه وخرطه وركب عربته وانطلق في رحلة البحث عن القطعة .. قبيل غروب الشمس اوصله السؤال عن ارقام المربعات والبيوت لبيت خالتي (السيدة)، طرق على الباب ففتحته (إيمان) ورحبت به بابتسامتها البهية .. تلجلج قليلا قبل أن يسألها:
بالله ممكن توريني نمرة بيتكم، عشان عايز أعرف القطعة الجنبكم دي نمرتا كم؟!!
عادت (إيمان) لتسأل أمها عن نمرة البيت، فما كان منها إلا أن انطلقت للخارج ترغي وتزبد:
خليناها القطعة الفاضية كمان جايين يسألوا من رقم بيتنا؟ دايرين بيهو شنو ؟
ولكن بعد قليل من الـ (خد وهات) مع (طارق)، اتضح لها أنه يبحث عن قطعة ارض اشتراها قبل بضعة وعشرين سنة .. ادخلته وأكرمت وفادته ثم احضرت له (ورقة الكهرباء) ليأخذ منها تفاصيل رقم البيت، وكم كانت سعادته وسعادتها عندما تطابقت الارقام.
مرّت أيام اجازة (طارق) سريعا دون أن يشعر لانشغال قلبه بـ (إيمان) مما دفعه للتقدم بطلب يدها ثم الاسراع باتمام الزواج قبل أن يأخذها ويغادر عائدا لغربته ..
بعد أن انفض سامر الافراح من حول خالتي (السيدة) وسفر وحيدتها .. حملت (البنبر) ذات عصرية وجلست امام بابها لتؤنس وحدتها بحركة الناس في الطريق .. تلفتت تتأمل وحدتها وخلو البيت عليها ثم التفتت تنظر لقطعة الارض الخالية وهزت رأسها وضربت كفا بكف وقالت:
شوفوا يا أخواني سيد القطعة جا بعد السنين دي كلها، وفات خلاها فاضية وكمان فضّى علي بيتي وحيرني في بتي الويحيدة !!

حاشية:
الحكوة مهداة لسماسرة سوق أم درمان وأولهم الأخ (محمد الساتة).

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫7 تعليقات

  1. 😉 سلام يابت سلمان
    ياها زاتا عريس تكوسو وعريس اكوسك
    يعنى بت خالتى السيده قامت من نوما لقت كوما
    يا ريتو حال كل البنات كان خلو الجرى وجنس البسونو دا
    واولهم اختى الحبيه اللى مازالت بتبحث عن عريس من يوم اتخرجت ولغاية النهار دا

  2. والله قصة حلوة وهذا هو النصيب ورب ضارة نافعة تلك هى الحياة وتلك هى الاقدار ما يريده الله فهو باقى سبحان الله فى هذا الامر بس كان لازم يهنم بالقطعة وعلى الاقل يسورها ويبنى فيها شىء لزوجة المستقبل والله هو كمان محظوظ:cool: 😎 😎

  3. 😉 والله يابت سلمان حكايه البنات افتشو للعرسان وبت خالتى السيدة اجيى افتشها
    ياها زاتا تجرى جرى الهايسات وغير قسمتك ما بتحوش

  4. حكاياتك وشماراتك دائماً طاعمة وساخنة ومشبعة، ومعروضة بروعة في صينية لغوية جميلة مزخرفة بنقوش خالاتنا وحبوباتنا.
    فقط في المرات القادمة- تحتاج أن تسكبي وترشي عليها بـ “شوية سياسة” لكي تكون (مبهرة) أكثر بالبهار والإبهار.

  5. يديك العافية يامنى @@دايما بتنسينا هم الغربة وكتاباتك ليها معنى وكل زول بيفها انت راقية فى اداءك@@وخالتك دى الله يصبرا قطعت الارض الزهجانة منها جابت ليها عريس لبتها@@كل شى باوانو@ربنا يحفظك منى@

  6. مش حكمه بس ، دى قسمه والله وحكايه وعريس محظوظ بشكل لقى عروسه وبيت جاهز وكمان اسبير ( كان ضايع واتلقى واتحفظ ) والعروسه صبرت ونالت وسافرت والظريف ان الحاجه ( امد الله فى عمرها ) زمنه دا كله تشيل وتسب وتلعن فى القطعه المجاوره وسيده الضايع وفى الاخر وبعد التعب داك كله تجى تديه بنتها ووحيدتها راضية مرضيه وتسفره وتزيد على اعبائها ( حراسة وتسيد ) القطعه المجاوره ( ماحق بتها ) من الكانوا مزعجنها بالسؤال عن سيده ،، وبارك الله للعروسين وامد الله فى عمر الحاجه ولك التحيه ودمتى …