رأي ومقالات

الطيب مصطفى : هلا أوقفنا إهدار المال العام؟

[JUSTIFY]صدقوني أنه لو عرض مقترح بإنشاء ست ملحقيات قانونية في ست سفارات سودانية بكلفة ثلاثين مليار جنيه (بالقديم) في العام..لو عرض ذلك على الكونجرس أو مجلس النواب الأمريكي أو على البرلمانات الأوربية لأسقط بأيسر مما تسقط ورقة من شجرة وارفة الظلال لكن في بلادنا التي عجزت عن توفير خدمات الكهرباء والمياه في منطقة عريقة مثل أبو دليق إلا قبل يومين أو ثلاثة والتي لا يزال بعض تلاميذ كثير من مدنها يفترشون الأرض ويئنون من وطأة الجوع الذي يضطر أسرهم إلى إخراجهم من المدارس لا يستغرق إجازة مقترحات اهدار تلك المليارات في مستنقع العدم دقائق معدودة!

إنشاء تلك الملحقيات يعبر عن عاهة مستديمة في نظامنا السياسي والإداري والتشريعي وفي خدمتنا المدنية التي تعاني من هزال محزن في أسلوب اتخاذ القرار.

عندما عينت مديراً لوكالة السودان للأنباء (سونا) عام 1991م وجدت قراراً قد اتخذ ورصدت له موازنة ضخمة لإنشاء مكتبين في كل من طهران وبغداد ومعلوم أن فتح مكتب في أي من العاصمتين كان يقتضي فتح مكتب في الأخرى نظراً لعلاقة الشحمة والنار التي كانت قائمة بين الدولتين في تلك الأيام.

لم يستغرق مني إعادة النظر في ذلك القرار أكثر من جلسة واحدة مع قيادة وزارة الثقافة والإعلام بمنطق بسيط هو أن الأولى بالمكتبين القاهرة وأديس أبابا التي كانت الحركة الشعبية تشن الحرب منها على السودان ولم يكن لسونا وقتها مكتب إلا في نيروبي التي كانت عاصمة للتآمر الدولي على السودان.. كان المنطق بسيطاً أنه الأولى بمكاتب سونا عواصم أخرى تؤثر على أمننا القومي وأجيز التعديل بالرغم من أنني ما كنت أعلم أهمية المكتبين مقارنة بمشكلات السودان الأخرى التي ربما كان بعضها أولى وأهم.

والله إني لمقتنع تماماً أن كثيراً من الملحقيات التي تضج بها بعض سفاراتنا تقوم على المجاملات بل إن بعض السفارات أنشئت بدون أدنى سبب منطقي وهناك دول عربية بترولية ثرية بها سفارات سودانية بينما لا يوجد لها سفراء في بلادنا رغم فقرنا المدقع كما أن كثيراً من الدول الأوروبية تكتفي بسفرائها في القاهرة لتمثيلها في بلادنا كذلك فإن بعض الملحقين يظلون في سفارات السودان لأكثر من عشرين عاماً مراعاة لحالتهم الصحية وليس لأن بقاءهم يخدم البلاد أكثر من غيرهم من الأصحاء وبعض الوزارات تنشئ ملحقيات لخدمة موظفيها ليس لأن الحاجة تشتد إليهم.

بالله عليكم هل نحتاج إلى كل هؤلاء الملحقين الإداريين أو الاعلاميين أو العسكريين أم أن المال (السايب) والانحياز إلى منسوبي الوزارة هو الذي يسود على الاعتبارات الوطنية في غياب الرقيب والحكم العدل الذي يقيم الوزن بالقسط بين الجميع ولا يخسر الميزان؟

ملحقون قانونيون في ست دول لكي يفعلوا ماذا وهل هناك عمل قانوني مستديم يحتم ذلك القرار ثم ألا يمكن أن يستعان بمحامين من تلك الدول على نظام (القطعة) كلما نشأت الحاجة إلى ذلك؟!

بدلاً من اهدار ثلاثين مليار جنيه أرجو أن يعاد النظر في الصرف على سفاراتنا بما يرشد ويوفر المال العام بعيداً عن ذلك البذخ في بلاد تشكو من تردي الأوضاع الاقتصادية خاصة من حيث شح الدولار والعملات الحرة.

صدقوني أن قلت إن كثيراً من القرارات تتخذ من منطلقات شخصية أو جهوية أو بطريقة (شيلني وأشيلك) كما أن القرار السياسي والإداري بل والمالي يقوم على قاعدة الجزر المعزولة..كل وزارة تعمل على إعلاء مكتسباتها وسلطاتها وكل قسم في وزارة يعمل على أن يتسيد ويعلو على الأقسام الأخرى وكل ولاية تحاول أن تعظم حظوظها من السلطة والثروة وهكذا دواليك بدون أن يكون هناك مرجعية ضابطة تقيم العدل بين الجميع سواء تمثل ذلك في الجهاز التنفيذي أو البرلمان من خلال لجانه المتخصصة ولست في معرض الحديث عن برلمان تحت قبضة حزب حاكم بلا معارضة تكبح جماح السلطة التنفيذية

لطالما (نبحنا) أن هناك وزارات أو مؤسسات لا تخضع للمراجعة بل وتتخصص في خرق القانون وتجنيب المال العام وتنشط في اقامة الشركات الحكومية بالرغم من أن ذلك محظور بالقانون وبالرغم من أن هناك لجنة عليا للتخلص من مرافق القطاع العام وخصخصتها بينما هناك وزارات مستضعفة لا حول لها ولا قوة هي التي يسرى عليها شعار ولاية المالية على المال العام، أما علاقة وزارة المالية بالوزارات والهيئات والأجهزة القوية المحمية فإنها كالعلاقة بين دولتين في قارتين مختلفتين لذلك لطالما قلنا إن شعار ولاية المالية على المال العام رغم أنه منقوص وغير مطبق على الجميع كان ينبغي أن يسري على جميع الوزارات بحيث تسود سلطة وزارة الصحة على المؤسسات العلاجية الحكومية لا أن تكون مستشفيات بعض الوزارات (القوية) أكثر امكانات وثراء من مستشفيات وزارة الصحة وأن يطبق الشعار على وزارة التعليم العالي مثلاً بحيث تكون ولايتها على جميع مؤسسات التعليم العالي والجامعات الحكومية بدلاً من أن تكون بعض الجامعات التابعة لبعض الوزارات ذات السطوة أقوى من حيث الامكانات من الجامعات الحكومية والحديث ذو شجون.

صحيفة الصيحة

[/JUSTIFY]