“يوم واحد لا يكفي” فالنتاين المنطقة الصناعية.. خفقات القلوب كدقات الشواكيش
جالساً على طبليته يعيد الصبي بكري ترتيب بضاعته بينما يخرج صوته صاخباً بضجيج المحبة والحنين، وهو يخاطب جارته التي تشاركه نيران المنطقة الحارة وترتوي من ذات سبيل هوائها البارد نيران الكانون في بداية إشتعالها عجين الزلابية اكتمل تخميره (هابي فالنتاين داي) تحملق الخمسينية في وجه الصبي وتطالبه بمزيد من الشرح.
يخبرها (الليلة عيد الحب يا فردة) عندها اختلطت ضحكة السيدة بصوت الشاكوش وصاحبه يحاول من خلاله أن يعدل اعوجاج عجل الحديد في إحدى السيارات، لكن الضحكة لم تنجح في إزاحة السؤال الاستنكاري في قلب المنطقة الصناعية الخرطوم هو الحب برضو عملو ليهو يوم خاص؟ تحرك معلقتها بحرفية في كوب الشاي أمامها وتحسم الجدل ده طرفنا منه.
دفتر قلوب
بعيداً عن غض الطرف من الاحتفال بيوم للمحبة، فالحب عاصمته المركزية المنطقة الصناعية هنا مواسم الحب لا تنتهي بل تبدأ كل يوم من جديد. الدنيا أم صلاح تبدا هناك مع شاي الصباح في هذا المكان تتم عملية حصر الحضور والغياب فقط من خلال دفتر القلب الذي يسع الجميع ولا يضيق باحد عملية الحصر تنتهي سريعاً ليبدا مشرع المحبة الفسيح. هنا العيد لا يحتاج ليوم ولا موسم للاحتفاء به هنا المحبة هي وسيط التواصل الدائم. يقول أهل المنطقة إن المحبة في معناها النهائي هي تواصل وعلاقات، وإن ما يربط بينهم هو (الحديد) ضد الصدأ.
ثمة غائب عن جلسة الشاي الصباحي ربما للأمر علاقة بالمواصلات، ولكن حين لا يحضر تجمع الفطور، فثمة سبب قاهر يجب معرفته غياب لظروف وفاة كتابة شهادة وفاة قريب هي بداية للكتابة في دفتر التضامن سرعان ما يقوم مسؤول التحصيل الإنساني بتحريك دفتر الواجب التجميع يعقبه الرحيل إلى نقطة الحزن وفد المحبة يمضي إلى المصاب حاملاً خيره والنص وإيه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن. لكن دفتر الواجب هناك فيه صفحتان صفحة للفرح وأخرى للحزن وبينهم صندوق الختة الذي تناله حسب الظروف.
جدل لا ينتهي
من قال إن عيد محبة من يعيدون ترتيب العربات ويعيدونه إلى الطريق ينتهي بانتهاء وجبة الفطور؟ فعند منتصف النهار يقضي أهل المنطقة واجبهم الديني ثم يبتدرون نقاشات الحياة وتدور عليهم صحون البليلة بمباشرة ابتساماتها يبدأ جدل الكرة، ومن ثم تحدد خطة المساء أهل الكرة عليهم بعربة فلان التي سيعودون بها والقاطنون في أقصى الخرطوم عليها الصعود على ظهر زوبة التي لن تضيق بأحد.. تحملهم في رحلة إياب المساء وتعود بهم في صباحات الفجر الآتي يحتقبون عبارتهم الطريق إلى المنطقة أجمل من المنطقة، وهم يعلمون أن أجمل الأماكن هي الأماكن التي تفوح بإنسانيتها غير المنتهية، وإن أجمل حب هو ذلك الذي يغذي نفسه باستمرارية هو ذلك الذي ينتهي ليبدأ من جديد.
ضحكات وقفشات
كانت على درجة كبيرة من الوعي، وهي تستفهم عن يوم محدد للمحبة، فصاحبة كانون الشاي في قلب المنطقة الصناعية تعيش الحب طوال اليوم تتبادله مع قفشات المعلمين ومع حركة الصبيان التي لا تتوقف تعيشه في الضحكات النابعة من القلب تحسه في الالتزام بواجب الجميع مع الكل، فهي لا تحتاج للاستماع إلى عبارة في يوم معين، ومؤكد لا تعنيها ألوان الشباب الصارخة بحمارها في الرابع عشر من فبراير تكفيها وتكفيهم خضرة القلوب والضراع الممدود بخيره طوال أيام الحياة.
اليوم التالي