حوارات ولقاءات

أليكس دي وال.. الخبير الأمريكي يتحدث عن أبوجا: أعددت فقط اتفاق الترتيبات الأمنية ووافق عليه عبد الواحد بنسبة 100%

[ALIGN=CENTER]623200930609AM5[/ALIGN] لم يكن اليكس دي وال طالب الماجستير في جامعة اكسفورد يدري بأن إختياره لمناطق دارفور البعيدة مكاناً للبحث العلمي لدراسته عن اللاجئين في منتصف الثمانينات ستجعل منه أشهر الخبراء الاجانب في خبايا وأسرار أزمة دارفور التي ملأت الدنيا وشغلت الناس.
وهو الآن ليس خبيراً اجنبياً مهتماً فقط بشأن دارفور ولكنه عنصر فعال ومشارك في عدد من مسارات الحل لتسوية الأزمة.. يتهم تارة بموالاة الحركات المسلحة وتارة بكتابة ما ترغب به الحكومة ورغم ذلك يظل اليكس يكتب عن دارفور ويؤلف الكتب وهو يغوص في صحراء دارفور وقراها البعيدة يجالس المواطنين ويستمع للشيوخ والإدارات الأهلية.
«الرأي العام» التقت دي وال وهو يمارس عمله كمستشار للإتحاد الافريقي يرافق لجنة حكماء افريقيا برئاسة ثامبو امبيكي وهي تبحث عن امكانية حل الأزمة من جديد عبر بوابة افريقيا..
وجاءت إجابات الرجل حول الاسئلة التي تركزت على اتفاقية ابوجا ومفاوضات الدوحة الى جانب تداعيات ازمة المحكمة الجنائية وما تقوم به المنظمات داخل معسكرات دارفور. جاءت بذات آراء وتحليلات ورؤية الخبير لمجريات الاحداث وفق قدر الرجل ومعرفته الدقيقة بالمنطقة..
——
* بداية متى وكيف بدأ إهتمام إليكس بدارفور..؟
– في أوائل الثمانينات كنت طالباً في جامعة اكسفورد وفي تلك الايام بين عامي 2891و3891م كانت جامعة الخرطوم مركزاً للفكر في شئون اللاجئين ورائدة في المجال الاكاديمي للمهتمين بالدراسات الانسانية، وكطالب يدرس في جامعة مثل اكسفورد ويعد دراسة حول شئون اللاجئين، كان المكان المناسب هو السودان ولقد جاء طلاب كثيرون من جامعة اكسفورد للسودان لدراسة شئون اللاجئين في وقت كان السودان يستقبل لاجئين من عدة مناطق ذهب بعضهم الى شرق السودان – كسلا والقضارف، بالنسبة لي فضلت الذهاب إلى دارفور وكنت مهتماً بدراسة أحوال اللاجئين القادمين من تشاد، وعندما وصلت إلى دارفور في العام 5891م، كانت المنطقة تعاني من الجفاف والمجاعة، فقررت ان أغير موضوع دراستي لبحث الجفاف وتداعياته بالمنطقة.
* لديك علاقة طيبة بعرب دارفور خاصة المحاميد.. كيف بدأت..؟
– كانت نيالا أولى المناطق بدارفور التي وصلتها عبر المواصلات العامة وكان مضيفي آنذاك رجلاً مسناً هو شيخ هلال محمد عبد الله ناظر المحاميد تعرفت عليه وعلى قبيلته بالقرب من منطقة كتم بجنوب دارفور، بعدها سافرت كثيراً في انحاء دارفور بين عامي 5891م و 1991م وكانت المنطقة آمنة..
* بالتأكيد طرأت تغييرات كثيرة الآن على المنطقة، أهم ما بقى في ذاكرتك من تلك الفترة..؟
– أولاً كان الجميع يعيش في سلام دون مشاكل. ثانياً كانت العلاقات بين القبائل جيدة واينما ذهبت سواء في قرى الزغاوة او الفور او المساليت او العرب لم ألحظ فرقاً رغم الجفاف والمجاعة كان سكان دارفور يعتمدون على انفسهم اكثر من المساعدات الخارجية..
* وبعد عودتك في ظل الحرب كيف تصف ما رأيته قبل اكثر من عشرين عاماً..؟
– في الآونة الاخيرة تجولت مرة اخرى في كل جزء من دارفور ووجدت ان تلك العناصر مازالت موجودة، فرغم الدمار والقتل والحريق بدأ المواطنون ببطء العيش مع بعضهم البعض مرة أخرى ورغم المساعدات الدولية للنازحين إلا أن سكان المناطق الريفية في القرى البعيدة بدأوا يعتمدون على أنفسهم.
* ولكن هذا لا ينفي ان هناك تغييرات كثيرة طرأت على المنطقة بسبب الحرب..؟
– نعم هناك تغييرات في المنطقة لكن الروح بين الناس لم تتغير.
* سيد اليكس.. هل صحيح أنك من وضع مسودة اتفاقية أبوجا..؟
– في الحقيقة طلب مني سالم احمد سالم مبعوث الاتحاد الافريقي في المفاوضات آنذاك أن أعمل مستشاراً للاتحاد الافريقي وعملت في اشياء مختلفة من خلال عملية الوساطة وركزت على القضية الامنية تحدثت عن تحركات السلاح وجنرالات الحكومة السودانية وكيفية حل مشكلة وقف اطلاق النار ونزع السلاح من الافراد والمليشيات وحركات التمرد، هذا هو الجانب الرئيسي الذي عملت فيه.
* هذا يعني أنك شاركت في وضع المسودة بصورة جزئية..؟
– انا اضع صياغة المسودة، هناك كثيرون شاركوا في الصياغة مثلاً لم اشارك في تقسيم الثروة.. وكنت مسروراً لكوني جزءاً من الاتفاقية التي اشتركت في الجانب الامني فيها..
* ولكنك أيدتها كلها بقوة وسعيت لإقناع الحركات بالتوقيع عليها خاصة عبد الواحد محمد نور..؟
– كنت اعتقد ان الاتفاقية لم تكن متينة ولم تكن ايضا مثالية ولقد أيدتها فعلاً وبقوة كما ذكرت والسبب الرئيسي لهذا التأييد هو أن الوساطة اذا فشلت في حل مشكلة دارفور في أبوجا آنذاك فانها لن تجد حلاً للمشكلة طيلة السنوات الخمس القادمة والاتفاق لم يكن حلاً جيدا ولكن كان الأفضل التوقيع عليه وان تعمل الحكومة والحركات على حل بقية مشاكلهم بالطرق السياسية بدلاً من الاستمرار في القتال..
* ولكنك لم تستطع إقناع عبد الواحد بها..؟ وكنت قريباً منه..؟
– كنت مع عبد الواحد في ذات اليوم الذي رفض فيه التوقيع، وقلت له ان هذا ليس سلاماً عادلاً ولكنه أفضل من الاستمرار في القتل.. كان هذا رأيي، ولقد وافق هو فعلياً على بند الترتيبات الامنية بنسبة «001%» ولقد مكثت في أبوجا عشرة ايام محاولاً أقناعه، فانا اعتقد أن الخلافات بينه والحكومة كانت صغيرة جداً قضية او قضيتان مثال التعويضات فقد كان عبد الواحد يريد اموالاً اكثر لصندوق التعويضات ، كانت هناك خلافات بين الحكومة وعبد الواحد لكنها في تلك المرحلة لا تستحق استمرار قتل المواطنين.
* وفق تجربتك السابقة مع الاتحاد الافريقي في ابوجا.. هل تتوقع نجاح الوساطة في مفاوضات الدوحة وان تأتي باتفاق افضل من ابوجا..؟
– الآن الوضع تغير على المستوى القومي لان السودان يواجه انتخابات في العام القادم واستفتاء تقرير مصير للجنوب العام 1102م، وايضاً تغير الوضع لان في حالة ابوجا كانت هناك ثلاث حركات والآن هناك حركات كثيرة الى جانب كثير من عرب دارفور يريدون المشاركة في المفاوضات، والمجتمع المدني في دارفور ايضا يرغب في المشاركة، وهم يقولون انهم لا يثقون في الحكومة أو الحركات لكل، هذا فإن الوضع الآن أكثر تعقيداً.. ولكن من الضروري جداً أن يجلس كل أهل دارفور حول الطاولة ليقرروا كيفية حل المشكلة كلهم بلا إستثناء كل القبائل والحركات المسلحة والنازحين والشباب والمجتمع المدني فإستثناء اي طرف يولد مشكلة.
* في اعتقادك وسط هذه التعقيدات التي تحدثت عنها، كيف ترى الحل..؟
– المهم الآن ان دارفور وهي جزء من السودان لا يمكن نقل مشكلتها خارج السودان وندعى اننا حللنا الأزمة دون حل مشكلة السودان الكبرى. فالدارفوريون مواطنون سودانيون ومن حقهم المشاركة في الديمقراطية القومية وفي قرار ان يكون السودان موحداً او لا يكون.. ما يزعجني انه اذا استمر نزاع دارفور لعام او عامين او ثلاثة فان اهل دارفور لن يكون في مقدورهم التصرف كمواطنين سودانيين، فمشكلة السودان الأهم هي الديمقراطية ومسألة تقرير المصير يجب ان يكون للدارفوريين رأي حول هذه المسألة ايضاً فمشكلة دارفور على تعقيداتها يمكن حلها بالمفاوضات والاتفاق، ويجب ان تنتمى دارفور للجميع وان تكون جزءاً مساوياً من جمهورية السودان ويتمتع مواطنوها بنفس الحقوق..
* هل صحيح ان اليكس دوال.. اصبح مؤيداً لموقف الحكومة الآن..؟
– سبب إتهام الكثيرين لي بانحيازي للحكومة هو رأي العامة البسيط اما أنك تؤيد الحكومة او تؤيد الحركات وانا في بعض القضايا أؤيد الحكومة وفي بعضها أؤيد المتمردين، ولكني اعتقد انه يقع على عاتق الحكومة المسئولية الأكبر لما حدث في دارفور. فهي أرتكبت اخطاء جسيمة في كل المراحل تقريباً. ففي عامي 2002و 3002م كان من السهل جداً حل المشكلة بقليل من الجهد والاستجابة لمطالب المعارضين آنذاك وكانت بسيطة جداً تتمثل في معاملة أفضل وانجازات في التنمية الاساسية ولكن الحكومة كانت تقول دائماً ان الثمن لذلك باهظ جداً ولن تدفعه.. وبعد ان تعقدت المشكلة اكثر وزادت الضغوط الدولية ارتفع سقف المطالب والحكومة تردد بأنها لن تدفع وفي مفاوضات ابوجا لو كانت الحكومة أكثر حرصاً على مسألة التعويضات ومنحت مناصب أكثر للحركات كان يمكن حل المشكلة لكنها لم تفعل ايضاً..
* ولكن هناك حديثاً عن أن بعض قيادات الحركات المسلحة نفسها خرجت عن الخط واصبحت جزءاً من الأزمة بعد انشقاقاتها الاخيرة والعداء المعلن بينها..؟
– قيادات الحركات في دارفور بائسة جداً ولم تظهر قيادة سياسية وخذلت مواطنيها وهذه احد اسباب احباط الدارفوريين الآن..
* في رأيك إلى أى مدى أثرت مذكرة اعتقال الرئيس البشير من قبل محكمة الجنايات الدولية على أزمة دارفور؟
– اعتقد أن قرار المحكمة كان خطأ جسيماً، أعلم ان الإدعاء كان محبطاً لان حكومة السودان رفضت التعاون كلية في التحريات، ولكن مما شاهدته اعتقد ان الإدعاء لم يجر تحريات دقيقة، وقرار اعتقال البشير كان خطأ كبيراً والمحكمة بهذا الفعل تسببت بكل أنواع الضرر للعملية السياسية السودانية وفرص السلام، فلا يمكن اعتقال الرئيس الا إذا نفذ ذلك السودان وحسب القوانين الدولية فإن اي رئيس دولة يتمتع بحصانة لم ينقضها مجلس الامن «حتى الآن» ولذلك فإن الرئيس يمكنه السفر بأمان لأقطار أخرى وعموماً السودان لن ينفذ مذكرة الاعتقال وليس هناك أي غرض عملي لهذه المذكرة، فالتحريات لم تتم بمهنية وأعتقد أنها كانت مضرة جداً.. كما أنه ليست هناك أدلة على إبادة جماعية..
* وهل تتوقع انفراجاً في الأزمة في ظل التدخل الجاري الآن من قبل الادارة الامريكية الجديدة عبر مبعوثها للسودان سكوت غرايشن..؟
– هناك شخصيات في الإدارة الامريكية الجديدة تسعى لإتخاذ خطوات متشددة ضد السودان مثل سوزان رايس مندوبة امريكا في الأمم المتحدة وآخرين يتحدثون عن حظر طيران بالمنطقة.. اضافة إلى أن الرئيس الامريكي باراك أوباما يواجه قضايا دولية كثيرة مثل كوريا الشمالية وإيران وفلسطين ولا يريد مشاكل اضافية، الى جانب ان فلسفته تختلف عن سابقه جورج بوش فهو يريد بناء تحالفات لتشجيع الناس على حل مشاكلهم بانفسهم واعتقد أن مدخل مبعوثه الخاص الآن إيجابي وبناء ويشمل الجميع، ولكن على الحكومة السودانية ان تتوصل الى حلول عاجلة لأزمة دارفور بسرعة شديدة فاذا لم يجد الجنرال غرايشن نتائج خلال الشهور القليلة القادمة فان سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان ستتغير ويمكن ان تكون أكثر تشدداً وعلى الحكومة ألا تأخذ السياسة الامريكية الحالية امراً مسلماً به وان تكون شديدة الحذر.
* كيف ترى ما تقوم به المنظمات الاجنبية في دارفور على خلفية صراعها مع الحكومة..؟
– اعتقد أنها تقوم حسب ما رأيت بعمل جيد جداً فهي تطعم المواطنين العاديين مع انني لا أراها لحل المشكلة الأكبر.. ولقد أصيب كثير من العاملين الاجانب في هذه المنظمات بهزة عنيفة مما شاهدوه وهم لم يروا اية محاولة جادة لحل المشكلة وهم لم يعادوا الحكومة من غير سبب فكانوا مستعدين للحديث علناً عن الانتهاكات وتمدير المعلومات.. فهم شاهدوا تجارب أهل دارفور الذين عانوا على أيدي الحكومة السودانية..
* على ضوء ذلك في رأيك ماهو المطلوب الآن..؟
– أول خطوة لحل المشكلة على الحكومة ان تعترف بأن أهل دارفور مواطنون سودانيون وتعمل على رفاهيتهم وحمايتهم وينبغي عليها إلا تعتبرهم اجانب او مواطنين درجة ثانية فاذا استجابت الحكومة بطريقة اكثر كرماً لمواطني دارفور العاديين يمكن حل كثير من الإشكاليات، فالمواطن في دارفور يشعر ان الحكومة نسيته تماماً لذلك من المهم جداً ان تقوم الحكومة بتوفير مساعدات مادية وموارد حتى تشعر دارفور فعلاً أنها جزء من السودان..
* استاذ اليكس عدت إلى دارفور مرة أخرى مع الاتحاد الافريقي لبحث سبل حل الأزمة في ظل وجود مبادرات اخرى جديدة ومفاوضات قائمة.. هل تتوقع دوراً جديداً ناجحاً للاتحاد الافريقي في ظل هذه الاوضاع..؟
– رد بدبلوماسية.. أعتقد أن هذا السؤال يمكن ان يوجه للسيد ثامبو امبيكي رئيس لجنة حكماء افريقيا..
* طيب سؤال أخير، انت كنت قريباً لفترات من قيادات الحركات المسلحة، هل تتوقع ان يشارك عبد الواحد محمد نور في مفاوضات الدوحة في جولتها القادمة التي ترتب لها الوساطة الآن بعد شهرين..؟
– لا أعلم ولا أحد يعلم فليس هناك احد يفهم ماذا يريد عبد الواحد الآن..

صحيفة الراي العام