مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : السودان بين غضب الله وغضب الترابي


لا يختلف اثنان على أنّ حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض لنظام الإنقاذ الحاكم في السودان، وعرّابه السابق، شخصية مثيرة للجدل. وليس من المبالغة أن يُقال إنّه لا يكاد يحتمله أهل السلطة الذين مرّوا على السودان، سواء في حكومات ديمقراطية أو شمولية.

ومن نافلة القول، أيضاً، أنّه نذر معظم سنوات عمره ليكون رجل الحكم الأول، لكنّ أمره كان ينتهي دوماً في الظل. والآن، وبعد أن أُرهق من أن يلحق بسفينة الإنقاذ التي تجري على اليَبَسِ لربع قرن، منذ أن أنزلته، في بداية المشوار، قرّر الخضوع لشرعتها. والقرار، هنا، على الرغم من أنّه قرارٌ شخصي، إلّا أنّه لا يزال يرى نفسه حارساً للغيرية المطلقة، ومتحدثاً باسم الشعب.

ليس غريباً على الترابي رفضه منطق التبرير القائم على المنهج الاستقرائي، والذي اعتبره منهجاً لا يصلح لاستخراج الأحكام، بقوله إنّ الأحداث الدامية التي تشهدها مصر واليمن وسورية وليبيا ما هي إلّا بسبب غضب من الله. هذه القفزة التعميمية التي تشكل آراءه، عقب أي تقارب له مع الحكومات الشمولية، تدحض اعتماده رئيس حزب معارض، لمبادئ الحرية والديمقراطية. وقد فعلها من قبل مع الرئيس الأسبق، جعفر نميري، عندما تحالف معه بقيادة جبهة الميثاق الإسلامي، وأصدرا قوانين الشريعة الإسلامية المتعارف عليها بقوانين سبتمبر في عام 1983.

طبقت كثير من تلك الأحكام في بلد كان يعاني أهله من المجاعة، كما نفذّت حكم الإعدام على المفكّر الإسلامي، محمود محمد طه، زعيم الحزب الجمهوري، بتهمة الردّة في 18 يناير/كانون ثاني 1985، عن 76 عاماً، والذي اتضح، فيما بعد، أنّه تم لدواعٍ سياسية. فقد وقف طه في وجه الرئيس النميري والترابي، معارضاً الكيفية التي كان يتم بها تطبيق أحكام الشريعة، حيث أعلن أنّ تلك القوانين شوّهت الشريعة والإسلام، لأنّ النميري استغلها، بمعاونة الترابي، لإرهاب الشعب وإذلال المعارضين السياسيين. وقال إنّ تطبيقها الذي ركّز على أحكام البتر والقطع من خلاف والإعدام استهدف الفقراء ظلماً، في وقتٍ كان السودان يعاني فيه من جائحة المجاعة التي ضربت أفريقيا في 1984- 1985.

ومع اختلاف السياقات السياسية التي يمكن أن تفضي إليها أي ثورة محتملة في السودان، يُعتبر هذا التبرير المُطلق على عواهنه لما يحدث في دول الربيع العربي، إنذاراً للسودانيين من أن يحذوا حذوها، حتى لا يقع عليهم غضب الله، ويلقوا مصيرهم. والحديث يمعن في تضليله، بافتراضه سلاماً وأماناً زائفين في السودان، وما تبديل الحال بثورةٍ، مثل ثورات الربيع العربي، إلّا إيذانٌ بتنزيل غضب الله على الشعب!

هكذا نجد صورة أخرى من صور غرابة الترابي الذي لا ييأس، فقد خرج من معتقله، بعد أن حُبس بتهمة تنسيق حزبه لمحاولة قلب السلطة، ووجد الحكومة تتحسس من كل كلمة هو قائلها. فقد صرّح، أوانها في مقابلة نقلتها وكالة رويترز، إنّ السودان سيتعرض لأزمة اقتصادية قد تؤدي إلى احتجاجات وزعزعة للاستقرار مع تفاقم مشكلة التضخم. تحدث الترابي عن أنّ أثر خسارة عائدات النفط سيؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية. ويجد المتابع لحديث الترابي أنّ هذا التحليل ليس بدعةً، جاء بها الترابي وحده، وليس ضرباً من التنجيم، بل شأن عام تفاكر فيه أهل الاقتصاد والسياسة، وغيرهم ممن كتبوا وحلّلوا وتوجسوا بأكثر مما جاء به، كما أنذرت به اتفاقية السلام الشامل “نيفاشا” عام 2005، والتي مهدت لانفصال جنوب السودان في عام 2011.

يدّخر الترابي كمّاً مهولاً من الغضب المكتوم، فقد انقلب عليه نظام النميري، بعدما كان متحالفاً معه، ثم انقلب هو على حكومة الصادق المهدي، المنتخبة ديمقراطياً من 1986وحتى يونيو/حزيران 1989. ولم يمهله العسكر الذين أوصلهم إلى الحكم طويلاً، فانتهى إلى معارض للسلطة، منذ المفاصلة الشهيرة وحل البرلمان عام 1999.
“لم ينسَ الترابي، المتحوّل من حانقٍ على نظامٍ رماه بعيداً إلى مستلطفٍ له، استثارة عواطف جمهور المستمعين إلى خطبته العصماء”

ربما كانت المفارقة الكبرى رجوع الترابي، الآن، الذي وصفه بالتوبة إلى الله، ودعوته الأحزاب للائتلاف، وإشارته إلى وحدة حزبه مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مبرّراً انقلاب يونيو/حزيران 1989 بأنّه جزء من تاريخ السودان الذي تواضع على الاضطرابات والانقلابات.

هي غصّة في حلق الترابي تلوّن مواقفه، يرجع، الآن، إلى النظام الذي أورده إلى السجن حبيساً، بينما ذهب البشير إلى القصر رئيساً، من باب التملّق والتزلّف إلى حدّ رفع الأكفّ بالدعاء لقائد الانقلاب بأن يدوم حكمه. ولم ينسَ الترابي، المتحوّل من حانقٍ على نظامٍ رماه بعيداً إلى مستلطفٍ له، استثارة عواطف جمهور المستمعين إلى خطبته العصماء، في وجود الرئيس البشير، بأنّ بقاءه على رأس السلطة من شأنه أن يجعله يطمئن على السودان، قبل أن يتوفاه الله.

المهم في أوبة الترابي غير المرحّب بها من النظام الذي يخشى سطوته وتأثيره على رجال الدولة من تلاميذه القدامى، هي أدواره التي تتكفل ضرورة المرحلة في هذا النظام بمسخها. ثم إصراره على الوصول إلى هدفٍ، يفرض عليه حمل صخرة سيزيف بطلاً للاجدوى، وتائقاً أبدياً لسلطة مشتهاة.


تعليق واحد

  1. ان عنوان المقال لايليق ايتها الكاتبة ان غضب الله شديد وان اخذه اذا اخذ القرى لاليم شديد وان عقاب الله للعباد وغضبه عليهم نتاج افعالهم فبتالى انت توضحين ان افعال السودانيين تستوجب غضب الله ارجوا ان تراجعى نفسك عن هذا العنوان وشكرا