منوعات

الجيران.. روابط اجتماعية تغيرت بفعل الظروف

حالت الظروف الاقتصادية التي يمر بها كل منزل وكل قرية، دون التواصل والتوادد الاجتماعي الذي تميز به مجتمعنا السوداني منذ القدم، وأصبحنا نعيش في جزر معزولة، كلٌّ متقوقع على نفسه ويسعى لتوفير قوته وقوت أطفاله الصغار، وبالرغم من أن الجار هو أقرب الناس إلينا إلا أننا بتنا لا نراه إلا في الأفراح والأتراح، لماذا؟ وأين هو الآن؟ وهل فعلاً غيبته الظروف الاقتصادية اجتماعياً، في الوقت الذي كنا أمة معروفة بتكافلها وتعضدد بعضها البعض؟ حتى أن المثل يقول “رُب أخٍ لك لم تلده أمك”.

بالرغم من أنني لا أنكر ولا يستطيع أحد إنكار أهمية الجار، إلا أننا أحد الشعوب التي تفتقر لأسلوب وطريقة التعامل معه، هذا ما أكدته فوزية أحمد – ربة منزل – أثناء حديثها لـ (اليوم التالي). وأردفت: بحكم مرضي الذي ألزمني الفراش، وباتت حركتي قليلة، ولا أستطيع التواصل مع جاراتي، أكتفي بالسؤال عند زيارة إحداهنّ للاطمئنان على حالتي، أو حياكة بعض الملابس، فأنا أقضي جُل يومي في عملي، واستبعدت فوزية أن تكون الظروف الاقتصادية لها علاقة بالفتور والجفاء الذي أصاب العلاقات الإنسانية في مقتل.

جارك القريب

وأبدت فوزية حزنها على ذلك. وقالت: لا يستطيع الجار التخلي عن جاره مهما حدث، فالكل يحتاج إلى الآخر، وحتى المثل يقول (جارك القريب ولا ود أمك البعيد)، لدى دعاء أحمد – طالبة جامعية – وجهة نظر خاصة تجاه علاقة الجيران اليوم. وقالت هناك جملة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي ساهمت بشكل كبير على تشكيل تلك العلاقات من جديد. وأرجعت ذلك إلى سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الناس، التي لابد أن تجعل من لقمة العيش شغلاً شاغلاً عن سواها، فضلاً عن التقلبات السياسية التي قادت إلى تحالفات وانقسامات بين الناس، حتى على مستوى العادات والتقاليد التي تميز بها مجتمعنا دون سواه من المجتمعات الأخرى، الأمر الذي أدى إلى تخلف فعلي في العلاقات التي لحقت الجيران. وأصابت الثقافة السائدة لاسيما الهوية والانتماء والقبلية التي علا صوتها في الآونة الأخيرة، وأصبح كل جار مشغول بنفسه واحتياجاته فقط.

انهيار البنية الاجتماعية

أشار العم فضل الله محمد – مواطن – إلى أن الجار في سابق العهد كان بمثابة الأخ الذي لم تلده أمي، وكل ما تجمعنا صلة القربى التي أوصانا بها الله (والجار الجُنب)، وتابع: لكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي أثرت في مجتمعنا كثيراً هي أكبر دليل على انهيار البنية الاجتماعية، لأنه كما هو معروف أن علاقات القربى والجوار والصحبة تعد البنية القوية للمجتمع، وحدوث أي شرخ في تلك العلاقات يكون سبباً لانهيار المجتمع بأكمله، فمن الواجب الحرص على الجار حتى ولو كان بالسؤال، مع ضرورة الالتزام بالزيارة حتى لا يحل التنافر والفرقة محل التآخي والقربى .

كأسنان المشط

وفي السياق، قالت الباحثة الاجتماعية رقيه حيدر إن العلاقات الاجتماعية بحالة جيدة ومن شأنها أن ترفع المعنويات، وروح الشعور بالانتماء، وتُحسِّن من أنماط السلوك المتبادل بين الجيران من جهة وبين أفراد الأسرة ذاتها، إذ ينعكس الأمر على مسألة السلام الداخلي الذي يتمتع به الفرد، لافتة إلى أن حبُّ الخير وحسن الخلق والتعاون يساهمان في صناعة السلم الاجتماعي ويجعلان الفرد أكثر ثقة بنفسه وبمَنْ حوله أيضاً، ويمنحه دفعة قوية للتفاعل مع صعوبات الحياة بشكل أفضل. وأكدت عدم وجود أي تأثيرات اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية أو قبلية، وأردفت: “كلنا متساون كأسنان المشط” .

اليوم التالي