عثمان ميرغني

درس من رواندا!!


أمس التقيت بوفد صحفي أفريقي وصل السودان قبل أيام قلائل لتغطية فعاليات مؤتمر أجهزة المخابرات الأفريقية المنعقد في الخرطوم.. أحد أعضاء الوفد صحفي من دولة رواندا… الدولة التي شهدت أفظع مجذرة بشرية في التأريخ.. مليون قتيل خلال (90) يوماً- فقط- في صراع بين قبيلتي التوتسي والهوتو.. لم يسلم منه الصغير، ولا الشيخ الكبير، ولا المرأة..
الصحفي قال لي: إن هول الفجيعة أيقظ كل الشعور الوطني في بلده.. وأدرك الشعب أن الدماء لا تبني مستقبلاً لأي طرف.. فاتحد الشعور القومي؛ للخروج من النفق.. فكانت المعجزة.. خلال سبع سنوات- تقريباً- نهضت رواندا، وانتشلت- نفسها- من مستنقع الدماء لتنطلق إلى عنان السماء.
استقرت رواندا سياسياً.. تحت حكم تعددي، وقيادة مرضي عنها شعبياً.. وانطلقت بكل قوة لتصبح ثالث دولة أفريقية في سرعة النمو والنهضة..
الآن نحن نعيش واقع رواندا خلال أيام الحرب الأهلية العرقية فيها.. بالله تأملوا معي الأرقام المفجعة… التي من فرط تكرارها لم تعد تلفت نظر أحد في الخرطوم، أو بقية المدن البعيدة عن مناطق الحريق..
تصوروا.. (130) قتيلاً في معركة لمدة يومين- فقط- بين قبيلتي البرتي والزيادية في دارفور.. وقبل أن تجف الدماء.. صدامات أخرى أمس في أطراف عروس المدائن (نيالا).. ولا يمرّ شهر دون أن تحتشد وسائط الإعلام بأنباء الصراعات القبلية الدامية في دارفور، وولايات مجاورة لها.
المستحيل هو أن تستمر فيضانات الدماء هذه.. لماذا لا نكرر تجربة رواندا؛ لنخرج من نفق الحرب الأهلية إلى بر التسامح، والنهضة، التي عمادها الاستقرار.
نحن شعب مستنير.. ولنا تأريخ عريق وقور.. ظلننا أمة وسط لا نجترح سيئات أن نقتات من دماء بعضنا.. فما الذي يمنعنا من أن نطفئ الغبن القبلي، ونزرع البلاد بالأمل في مستقبل أخضر.
صدقوني الأمر أسهل كثيراً مما يظن الكثيرون.. الحل أقرب إلينا من أي خيار آخر.. لكننا نتعامى عنه تحت ضباب يومياتنا السياسية الضيقة.. معاركنا السياسية في لا معترك.
نحن في حاجة ماسة إلى عقل رشيد يفرض الحل الرشيد.. لا يمكن أن تستمر الأوضاع في دارفور بين القبائل على هذا الحال..
الحركات المسلحة تكاد تكون توقفت تماماً.. وكثير من زملائنا الذين زاروا دارفور- أخيراً- تحركوا في مسافات، ومساحات شاسعة بكل أمان.. لكن لا تزال نيران الغبن القبلي بين المكونات الأهلية على أشدها.. وما تنحره من دماء أكثر مما كانت تهدره المعارك مع الحركات المسلحة..
تحقيق السلام القبلي في دارفور مهمتنا كلنا.. فرض عين على كل سوداني..


تعليق واحد

  1. ومن اين لنا بالعقل الرشيد يا عثمان اذا كان حكامنا كل همهم الحفاظ على كراسيهم الوثيرة وعلى اشلاء الضحايا