عبد الباقي الظافر

نهاية الفيلم..!!

ظهر الأمس، وبطريقة درامية تشبه أساليب الرئيس الأسبق السادات.. طوى الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابه الرسمي.. تحول المشير السيسي إلى الحديث بالعامية المصرية، أنه يسعى لكسب ثقة إثيوبيا.. كانت تلك اللقطة تحوي قدرا كبيرا من (الفهلوة) السياسية.. فهلوة تجسد المثل الشعبي المعروف (ابنك كان كبر خاويه).. حينما تأكدت مصر أن إثيوبيا ماضية لبناء سدها العالي بغض النظر عن الموافقة المصرية؛ فكرت في تقديم تنازلات تحفظ ماء وجه القاهرة.
بداية، أين المشكلة في بناء سد النهضة.. سد النهضة هو ثامن سد في العالم من ناحية القدرة على التوليد الكهربائي، حيث من المتوقع أن ينتج نحو ستة آلاف ميغا واط.. أي نحو ستة أضعاف ما ينتجه سد مروي.. ويبلغ ارتفاع السد –تقريبا- مئة وأربعين مترا.. ويخزن أربعة وسبعين مليار متر مكعب من المياه.. السد الإثيوبي لا يبعد عن السودان سوى خمسة عشر ميلاً.
في تقديري، إن مصر لا تتضرر من السد الإثيوبي بشكل كبير.. بداية السد أغراضه؛ توليد الكهرباء لا الزراعة.. وهذا يعني أنه -بخلاف سنوات ملء البحيرة الضخمة- لا ضرر مائي على مصر.. إذا حدث سيناريو سيئ وأنهار الجدار الخرصاني للسد، فالأثر السالب سيقع على السهول السودانية التي ستغمر بمياه كثيفة تهلك الزرع والضرع والإنسان.
العقدة المصرية أن سد النهضة أصبح ملفا داخليا لتصفية حسابات سياسية.. تم استخدام السد ضد إدارة الرئيس المنتخب محمد مرسي، واتهم بتعريض أمن مصر المائي للخطر.. في الناحية الأخرى، كان قيام السد مؤشرا لضعف هيمنة مصر على دول الجنوب النيلي.. إثيوبيا تحركت مع دول حوض النيل للضغط على مصر لتقديم تنازلات.. نجحت إثيوبيا في مسعاها عبر دبلوماسية الضغط مع لف يد الخصم للوراء.. السودان بدأ يفصل ملفه المائي عن مصر باعتبار أن المصالح المائية لا تتطابق تماماً ما بين الخرطوم والقاهرة.
الخرطوم رحبت سرا بقيام سد النهضة بحسابات آنية.. إثيوبيا الآن تخطط لتوليد ثمانية ألف ميغا واط من الكهرباء المائية.. هذه الطاقة تزيد بكثير عن حاجة إثيوبيا.. وبما أن الكهرباء منتج لا يمكن تخزينه والواقع الجغرافي عامل حاسم في تسويقه.. لهذه التقديرات السودان يستفيد من فائض الكهرباء الإثيوبي.. العامل الآخر أن السد الإثيوبي سيقلل من الإطماء الذي يرهق السدود السودانية.. الإطماء كان السبب الرئيسي الذي دفع مصر لسحب تحفظاتها تجاه سد مروي الذي شيد قبل سنوات في شمال السودان.
في تقديري؛ أن مصر الآن تحاول الإيحاء أنها خرجت منتصرة في هذا الملف عبر إحاطة اتفاق المبادئ الذي وقعه -في الخرطوم- الرؤساء الثلاث بقدر من الغموض والسرية.. سيقضى المشير السيسي ثلاث ليالي في العاصمة الإثيوبية، ثم يعود إلى القاهرة، وعلى وجهه ذات الابتسامة التي علت وجه السادات بعد زيارته الشهيرة إلى تل أبيب.
بصراحة.. الكاسب الأول من قمة الخرطوم ليس سوى الخرطوم –نفسها.. الدبلوماسية السودانية استطاعت بذكاء استغلال التقاطعات في المصالح المائية لتظفر بمظهر القادر على صنع المصالحات بين الخصوم.