عالمية

مليارات الخليج تمطر على نظام السيسي والأردن يرد على “الخذلان”

انطباعات أردنية جذرية وسريعة تشكلت على هامش المشاركة في النسخة الأخيرة من المؤتمر الإقتصادي المخصص لدعم النظام المصري الجديد هي السبب – فيما يبدو- وراء قفزتين استراتيجيتين للبوصلة السياسية الأردنية سجلت الأولى لصالح اللاعب الإيراني في المنطقة وقيدت الثانية لحساب روسيا بحسم الجدل حول «التقنية النووية» التي يريد الأردن التعاطي معها.
كثيرون في العاصمة الأردنية وفي جوارها «احتاروا» مؤخرا في قراءة وتفسير أسباب الاندفاع والانفتاح الأردني السريع على إيران ودوائر التردد والتساؤل اكتملت مع التسريع في الإعلان يوم الثلاثاء عن حسم ثم توقيع مذكرة المشروع النووي الأردني السلمي مع روسيا هذه المرة وبكلفة عشرة مليارات دولار، كما أعلن والد المشروع النووي الأردني الدكتور خالد طوقان.
طوقان كان قد أبلغ «القدس العربي» قبل نحو ستة أسابيع فقط بأن بلاده لم تقرر بعد بصورة قطعية نوع التقنية النووية الذي ستعتمد عليه ملمحا لإخفاق الاتصالات مع الأمريكيين والأوروبيين والكوريين في هذا الاتجاه.
اليوم حسمت المسألة وأعلن طوقان في مؤتمر صحافي عن توقيع المذكرة المعنية بالمشروع النووي مع «شريك روسي»..حصل ذلك في الوقت الذي أحال فيه البرلمان ملف المشروع المختلف عليه إلى لجنة الطاقة للتدقيق والتحقيق وفي إطار تجاهل التحرش الذي مارسه عضو البرلمان المخصرم محمود الخرابشة بالمشروع وطوقان وبالتالي تحرك الملف ووقعت الاتفاقية الأولية مع التقنية الروسية رغم الجدل البرلماني وعلى أساس تجاهله بكل الأحوال.
التسارع في هذا الإطار له معانيه ودلالاته في السياق والتحدث عن مشروع نووي أردني بمواصفات «روسية» تحول استراتيجي كبير في الحالة السياسية الأردنية يؤشر إلى ان عمان «منزعجة» أو غاضبة أو تتصرف بانفعال في الحد الأدنى، أو بدأت تعتمد على التنويع في خياراتها الاستراتيجية دون تحديد ما إذا كانت البوصلة الأردنية هنا متسرعة أم متدرجة ومدروسة ويمكنها أن تثير النقاش حول طبيعة تحالفات الأردن الجديدة.
في كل الأحوال لا يمكن اعتبار التعامل مع التقنية الروسية في المشروع النووي الأردني إلا نقطة تحول لا تتعلق بالجانب السياسي فقط ولكن بالدفاع عن المصالح الاستراتيجية العليا خصوصا في مواجهة استحقاق كلفة فاتورة الطاقة والعمل على تحصين المستقبل الأردني عندما يتعلق الأمر بأمن الطاقة وإنتاج الكهرباء حيث لا زالت فاتورة الكهرباء تحديدا تشكل التحدي الأبرز أمام عمان كما فهمت «القدس العربي» من وزير المالية الدكتور أمية طوقان.
طوقان وقبل أسابيع فقط وفي لقاء حضرته «القدس العربي» اتهم إسرائيل بالتسبب بتعطيل العمل على مشروع النووي الأردني وبعد التأكيد على الطابع العلمي للمشروع يمكن القول أن عمان تذهب بخيارها نحو البوصلة الروسية وتقرر المضي قدما في مشروعها النووي بعد توقيع اتفاقية الغاز ومياه ناقل البحرين مع إسرائيل.
قفزة عمان نحو الحضن الروسي تستقر بناء على سياق الأحداث إلى جانب خطوات الانفتاح الكبيرة على طهران لتشكل ملامح اتجاه استراتيجي مستجد في الأردن قوامه التعامل مع تداعيات «الخذلان» العربي وتحديدا السعودي وتجاهل حاجات الأردن الملحة اقتصاديا من قبل الحلفاء العرب والخليجيين وقبلهم من قبل الإدارة الأمريكية.
يحصل ذلك لسبب بالتأكيد في تقييمات العديد من الساسة الأردنيين وله علاقة مباشرة أو غير مباشرة كما يفيد مصدر مطلع بالعين الأردنية وهي تشاهد «المليارات» العربية والخليجية تمطر على نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وخلال نصف ساعة فقط في مؤتمر شرم الشيخ الأخير ودون أدنى التفاتة للحاجات الاقتصادية والمالية للأردن.
عمان شعرت ولا زالت تشعر بأن النظام السعودي الجديد غير معني بدعمها ماليا واستقرار بوصلتها في حضن الخط الدولي لمكافحة الإرهاب لم يفلح في تحقيق عوائد ومكاسب اقتصادية على الأرجح.
أما المصالح الأردنية عند المرجع الأمريكي فأصبحت عرضة للفاقد المعتاد والمألوف في الحسابات، ما بين الجمهوريين والديمقراطيين، فيما يرفض نظام دمشق التفاعل مع الموقف الأردني ولا تحصل عمان على أي مكافاة، وهي تشارك بحماس منذ أشهر في حفلة تعميد القيادة المصرية والتقارب مع الإمارات وإعلاء شأن مؤسسة الأزهر والتخاصم مع الإخوان المسلمين.
هذا الوضع وفقا للأوساط السياسية الأردنية أصبح مقلقا للغاية مؤخرا ونتج عنه التمركز مجددا حول مقولة «الأمن القومي الأردني» مما قاد البوصلة حسبما أبلغ وزير الخارجية ناصر جودة اللجنة المختصة في مجلس الأعيان باتجاه تنويع الخيارات ورفع «الفيتو» الموضوع ذاتيا على التواصل مع إيران.
الدلال المالي الكريم أو المتكارم الذي حظي به نظام السيسي في مصر قابله «إنكار وتجاهل» للحاجات الأساسية للأردن من قبل النادي العربي الثري.
لذلك تطلب الأمر ثلاث خطوات استراتيجية تحت بند «التنويع» قوامها تأمين الغاز والمياه باتفاقيات استرايتجية ضخمة مثيرة للجدل مع إسرائيل وفتح الذراعين أمام المتربص الإيراني الطامح منذ عقود باختراق من أي نوع في الأردن وأخيرا حسم الجدل حول التقنية النووية مع موسكو.

القدس العربي