تناقضات محاكمة كريم
يجد الكثير من المراقبين لتطورات الأوضاع السياسية في السنغال مشقة في فهم التناقض بين تصريح الرئيس ماكي سال، الذي يبدي خلاله زهدا غير معهود في أفريقيا في التشبث بالسلطة، عندما أعلن أنه بصدد طرح استفتاء على الشعب لتقليص مدة الولاية الرئاسية من سبع سنوات إلى خمس، وذلك من أجل تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2017 بدلا من العام 2019، ولكن التناقض يكمن في حدة الصراع السياسي الراهن تمهيدا للانتخابات المقبلة وتمثل قضية كريم واد نجل الرئيس السابق عبد الله واد ومرشح الحزب الديمقراطي السنغالي المعارض للرئاسة المقبل، تمثل التناقض بين التصريح الذي يأتي تنفيذا لوعد سال الانتخابي بتقليص مدة الولاية الرئاسية من أجل تعزيز الديمقراطية في هذا البلد الأفريقي الذي يملك إرثاً جيداً من الممارسة الديمقراطية في الحكم، وبين الفعل على أرض الواقع، حيث التضيق والملاحقات القضائية لكريم واد الذي أدانته المحكمة التي توصف على نطاق واسع بأنها سياسية وغير محايدة إدانته بتهم الثراء غير المشروع والفساد، وقضت بسجنه لمدة 6 سنوات نافذة، والغرامة بمبلغ يعادل 270 مليون دولار.
وتقلد كريم واد في عهد والده عبد الله واد منصب وزير البنية التحتية والتعاون الدولي والمواصلات الجوية، وكان يلقب بوزير السماء والأرض لتعدد اختصاصاته وتنوعها، وقامت السلطات بسجنه منذ أبريل من العام 2013 أي بعد سنة من هزيمة والده في الانتخابات السنغالية العام 2012 على الرئيس الحالي ماكي سال الذي رفع دعوى قضائية ضد كريم واد بتهم تعلق بكسب ثروة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وطالبه بتبرير مشروعية اقتنائه لمنزلين و8 سيارات فاخرة وعدد من شركات الطيران، وبعض الممتلكات في إمارة موناكو الفرنسية وفي سنغافورة.
ولكن ربط الكثيرون بين تلك التهم وتحريك الإجراءات القضائية ضد كريم والخصومة والتنافس السياسي المحموم، حتى قبل عامين على الأقل من الانتخابات الرئاسية التي يخشى سال أن يخسرها لصالح نجل الرئيس السابق، وأن المحكمة والحبس لكريم منذ أبريل 2013 والمحاكمة التي استمرت منذ يوينو 2014 ليست أكثر من كيد سياسي ضد واد الأب والابن معا، ولعل قرار المحكمة نفسه يدفع باتجاه الشكوك بأن النوايا السياسية في المحاكمة هي الحاسمة في القضية، وليس الإجراءات القانونية، فقد أصدرت المحكمة قرارها بسحن كريم وتغريمه بتهمة (الإثراء غير المشروع)، إلا أنها برأته من تهمة الفساد الرئيسية، وهذا ما يفتح الباب إلى أن الأمر لا يعدو أكثر من محاكمة سياسية طالما أنه بريئ من تهم الفساد الرئيسية بحسب المحكمة التي شكلها الرئيس الحالي لمحاكمة خصمه السياسي.