محمود الدنعو

الفشل الأخلاقي


هدأت عاصفة التوتر في العلاقات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما التي كانت أبرز محطاتها خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي في الثالث من شهر مارس الماضي الذي ألقاه رغما عن إرادة الرئيس أوباما والإدارة الأميركية، وهاجم فيه المفاوضات النووية مع إيران.

هدأت العاصفة على وقع الاتفاق المرحلي بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي توصلت إليه نهاية الأسبوع في مدينة لوزان السويسرية مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا إضافة إلى ألمانيا)، هدأت حتى بعد ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة على هذا الاتفاق الذي يجد معارضة من رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي وصفه بالاتفاق الـ (السيئ جدا)، لأنه يبقي بنية تحتية نووية كبيرة لطهران التي تريد (القضاء) على إسرائيل و(غزو الشرق الأوسط)، على حد تعبيره.

العاصفة التي كانت تثير غباراً كثيفاً هدأت، وتبين أن لا خلاف ولا توتر بين الحلفين الدائمين، وأن كل الأحلام التي كنا نمني بها النفس بأن يختلف الحليفان أو اللصان لصالح المسروق والمحتل، تبعثرت في هواء خواء تحليلنا وتقديرانا الخاطئ للموقف، حيث كنا نتعامل بالأماني وليس الواقع والتاريخ الذي يقول إن العلاقة بين البلدين أزلية واستراتيجية وحتى أوباما الذي هللنا له بأنه الوحيد الذي قال لا في وجه نتنياهو عندما تحداه بالذهاب إلى الكونغرس وإلقاء خطاب حول البرنامج النووي الإيراني ها هو يصرح بما يشبه اعتذار المكنسر المتودد إلى نتنياهو عندما يقول أن أي إضعاف لإسرائيل خلال عهده أو بسببه سيشكل “فشلاً جذرياً لرئاسته”. وقال أوباما في مقابلة مع (نيويورك تايمز) “ساعتبره فشلاً من جانبي، فشلاً جذرياً لرئاستي، إذا اصبحت إسرائيل أضعف خلال عهدي او نتيجة لعمل قمت به”.

إذن لا عاصفة ولا توتر ولا يحزنون، بل كانت محض أوهام وأمانٍ بعيدة المنال كنا نتشبث بها، فالرئيس الأمريكي يذهب في اعتذاره إلى أبعد من الفشل السياسي لرئاسته في حال تم إضعاف إسرائيل في عهده بل يصفه بالفشل الأخلاقي، وهي النقطة الفاصلة في هذا التوتر الافتراضي في العلاقات بين البلدين أو حتى بين الرئيسين كأشخاص لأن الأخلاق تأتي قبل السياسية، ودائما ما تصف لعبة السياسية بأنها غير أخلاقية والأخلاق دائما ما تعطي إشارة إلى العقيدة والآيديلوجيا، وأن الارتباط بين البلدين ليس ثمة ارتباط مصالح مشتركة شأنه شأن كل العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم التي معيارها الاحترام والمنافع المتبادلة وليس للأخلاق مجال هنا إلا إذا كان الارتباط أعمق وأزلي مرتبط بالعقيدة والآيدلوجيا، وبالتالي فهو لا يتزعزع أبدا.