أرجوك.. لا تخلعي الحجاب..!!
أحد الأصدقاء مدَّني بواقعة أحسبها طرفة.. الحكاية تقول إن قطاع الطرق في دارفور وجدوا خارج القرية رجلا ثريا ومعروفا بين الناس.. الخارجون عن القانون نهبوا شريف القرية وأخذوا أمواله.. إمعانا في الذلة جردوه من كل ملابسه.. لشيء في نفس الرجال تركوا للرجل طاقية حمراء كانت تستر صلعة صغيرة في منتصف رأسه.. تسلل الرجل المعروف إلى قريته مع حلول الظلام قاصدا منزل ابن عمه.. صاحب الدار بعد أن ستر قريبه المستغيث، سأله ولكن لماذا لم ينهبوا الطاقية الحمراء.. رد الرجل لو فعلوا ذلك لوصل الدم الركب.
منذ أشهر معدودات بدأت حكومة الإنقاذ تقدم تنازلات ضخمة في علاقتها بالخارج.. التنازلات بدأت بالتبرؤ من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.. ثم لاحقا تم النظر لهذا التنظيم باعتباره خطرا يهدد أمن الإقليم.. في ذلك الوقت كان قادة الإخوان ما بين قابع في السجون أو مطارد بين البلاد رغم أنهم أصابوا السلطة بشكل ديمقراطي.. تم تبرير الهجوم على التنظيم العالمي باعتبار أن الحركة الإسلامية بالسودان ليس عضوا فيه.. وهنا يبرز خطل المنطق لأن الدفاع عن الأفكار والمبادئ لا يستلزم رابطة عقدية أو اتحادا أيدولوجيا.. ذلك الموقف السوداني كان مؤشرا لانقلاب كامل في مفهوم العلاقات الخارجية يقوم على المصلحة الآنية المباشرة.
تطور الموقف السوداني الجديد من النظر لما حدث في مصر عقب الإطاحة بالرئيس محمد مُرسي باعتباره شأنا داخليا إلى موقف متفهم وربما مرحب بالانقلاب.. الحكومة السودانية انتقدت بوضوح تعامل حكومة مُرسي مع ملف سد النهضة.. بني الاستنتاج على اللقاء التشاوري الذي عقده الرئيس المصري المنتخب مع عدد من رموز النخبة المصرية للتفاكر حول موقف بلادهم من سد النهضة.. لخطأ متعمد تم تلفزة اللقاء وبثه على الهواء حتى يبدو الرئيس مُرسي مضطربا.. المهم أنه في ذلك اللقاء تحدث موتورون عن ضرورة توجيه ضربة جوية ضد إثيوبيا.. الرئيس مُرسي التزم الصمت.. لكن الآن قيادات في الحكومة السودانية تحاول أن تنال من حكمة الرئيس مُرسي عبر هذا الموقف المجتزأ.
هذا الموقف الجديد في التعامل مع الخارج لم يقابله أي تغيير في المفاهيم على مستوى الداخل.. ممارسة الإنقاذ السياسية المتعنتة ظلت على ضلالها القديم.. بل تم استمرار الانفراج الآني في العلاقات الخارجية في التنصل من الحوار مع القوى المعارضة بوضع شروط جديدة مثل التي عبر عنها مساعد الرئيس، جلال الدقير، الذي قال بالأمس إن الحكومة لن تعود للحوار خارج الوطن.. بل ما زالت الإنقاذ تعدنا بشريعة نظيفة وأمن ورخاء، ولكن كل ذلك بعد الانتخابات القادمة.
الخطاب الدبلوماسي الذي يحاول أن يقدم نسخة للخارج وأخرى مغايرة للداخل لم تستوعبه النخب المصرية التي تساند الرئيس الجديد المشير السيسي.. أمينة النجار كتبت بالأمس أن النظام في السودان نظام إخواني لا يستطيع أن يفك ارتباطه بحركة الإخوان المسلمين في مصر.. ذات وجهة النظر ليست غائبة على حكام الخليج العربي الذين استغلوا الاندفاع الإنقاذي مرحليا في حربهم ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.
بصراحة.. مطلوب من دبلوماسية الإنقاذ أن تغادر هذه المحطة فليس المطلوب من الإنقاذ أن تتخلى عن الحجاب حتى تصبح عضوا فاعلا في المجتمع الإقليمي.