بوادر أزمة بين الترويكا والخرطوم
ومن نافذة البيت الأبيض .. ترتسم ملامح نيفاشا جديدة
حالة من الشد والجذب شهدتها العلاقة بين مجموعة الترويكا منذ مفاوضات نيفاشا بين الخرطوم والمتمردين الجنوبيين بقيادة د. جون قرنق فى 2002م حيث ترى الخرطوم ان الترويكا تنحاز بصورة فاضحة الى الحركة الشعبية من خلال تحريك مجموعات ضغط قالت انها ساهمت بصورة كبيرة فى صنع القرار لدى دول الترويكا وانتهت المفاوضات بتوقيع اتفاق سلام بين الطرفين وهو الاتفاق ذاته الذى يراه البعض غير منصف للسودان لانه ادى لاحقا الى انفصال جنوبه عن شماله.. ويخشى البعض من تبني الترويكا للموقف المساند لمبدأ الرافضين للانتخابات التى جرت في السابع عشرمن هذا الشهر ما يوحى بانها تريد من خلاله ممارسة الضغط على الحكومة والدفع بها نحو نيفاشا جديدة فى مناطق جبال النوبة ودارفور خاصة وان قادة تلك الحركات يوظفون مجموعات الضغط القديمة ذاتها لتحقيق اجنداتهم.
يقول السودانيون ان السودان سيدخل مرحلة سياسية جديدة عقب الانتخابات التى جرت وسط انقسام القوى السياسية ما بين مؤيد ورافض لها فى وقت يرى البعض الآخر ان الحزب الحاكم (المؤتمر الوطنى) ربط عملية استنئاف الحوار الوطنى الذى اعلن عنه الرئيس عمر البشير بها وهى خطوة اعتبرتها المعارضة ردة من قبل الوطني عن الحوار الوطنى الذى وجد ارتياحا كبيرا من قبل السودانيبن.
بيد ان موقف القوى السياسية المقاطعة للانتخابات عبرت عنه من خلال تبنيها لحملة (ارحل) فى وقت صعدت فيه الحركات المسلحة من هجماتها العسكرية في بعض المناطق في جنوب كردفان قالت انها ترمى من خلالها الى تعطيل العملية ويبدو ان فشل خيارات المعارضة فى تعطيل الانتخابات دفعها للجوء الى استخدام كرت المجتمع الدولى ويدرك هؤلاء ان قرارات الدول الكبرى تصنعها مجموعات الضغط من خلال تشكيل الرأى العام فى بلدانهم.
عبر النافذة
يبدو ان ذلك هو ما دفع حركة العدل والمساواة لان تلج الى البيت الامريكى من خلال النافذة ذاتها حيث وقعت الحركة مع شركات عرفت بانها المقاول فى الحروب فحصلت الشركة البريطانية تحمل اسم (ستون) للاتصالات المحدودة “والشركة الامريكية (كورنرستون) على العطاء الذى تم اعلانه فى دائرة ضيقة وفق ما جاء فى الصحف الفرنسية حيث تقوم هذه الشركات بدور منسق العلاقات العامة وتمهد الطريق الى مركز صناعة القرار الامريكى بالرسالة ذاتها (اتركهم فنحن قادرون على تحقيق ما ترمون اليه )، ولكن هناك من يقلل من الخطوة ويشير ان الحركة ارتبط اسمها بالعمليات فى بعض الدول مرورا بليبيا وجنوب السودان وكان مقاتلو الحركة شاركوا بجانب حكومات تلك الدول لقمع المعارضة المناهضة لهم مما وصفه البعض بالمرتزقة. في المنحى ذاته
ابرم الطاهر الشيخ الفكي رئيس المجلس التشريعي بالحركة صفقة فى وقت سابق مع ممثلي الشركتين”” انطون سنجاهج “مدير الشركة البريطانية”سكاى مستون”، ” جوفيرى ج كونيل “رئيس شركة” الامريكية كونرستون ” انطونى لين، وهو كان ضابطا سابقا في الجيش البريطاني وحالياً يقوم بهذه المهمات لكثير من الدول والحركات المتمردة حول العالم من اجل حفنة من الدولارات، وفي الماضي قام بإنشاء موقع (Jemsudan.org) للهدف ذاته، ويعتبر انطون لين المؤسس الفعلي لشركة” سكاى مستون “للعلاقات العامة وهى شركة لديها الخبرة فى مجال الدعاية والاعلام الخاصة بدول افريقية وتعاقد معها طول السنوات الماضية العديد من المسؤولين الافارقة، وايضا يتوجه اليها المسؤولون لطلب الاستشارة فى مجال العلاقات العامة والتعاون بين الدول وتشير التقارير ان انطون لين “استفاد من علاقاته باللوبي الغربي الذى يساهم فى صنع القرار.
شكل هذا اللوبى من ضباط سابقين في القوات البريطانية والامريكية عملوا فى المناطق التى شهدت نزعات، ومكنتهم خبرتهم الواسعة في العمل بالبلدان الافريقية ان يكون له دور فى ذلك.
الجوكر الفرنسى
الاتجاه ذاته ذهبت اليه الجبهة الثورية منذ وقت مبكر واستعانت بالاحزاب ومنظمات الضغط فى امريكا واروبا التى ساهمت فى صنع القرارات السياسية فى بلدانها.
وفى فرنسا، افلحت تلك المنظمات فى السنوات الماضية ان تساهم فى صناعة رأي عام معاد للسودان اما الآن فتغيرت الاشياء بعض الشىء.
ويقول الصحفى الفرنسى الذى غطى اجتماعات الجبهة الثورية بباريس، بان هناك بروزا لدور الحزب الشيوعى الفرنسى وتعاطف مع الثورية وان ذلك التعاطف ينبع من انتماء اعضاء الثورية للحزب فى بلدانهم، واشار ان الفرنسيين لم يكونوا متحمسين الى برامج الجبهة الثورية وفق تطورات الاوضاع فى البلدان المجاورة والتى اجبرت باريس ان تنظر نحو الخرطوم، اما الحزب الشيوعى فيعتبر ان اعضاء الجبهة الثورية من انصاره فبذل جهدا للحصول لهم على فيزا دخولهم لفرنسا
ولعب جوكر الحزب الرشيد سعيد وهو من اصول سودانية يطلق عليه رفاقه لقب (الجوكر) دورا كبيرا مكن عرمان واعضاء الجبهة من دخول الى فرنسا مشيرا انه عندما جاء النقاش فى مسألة الدعم اللوجستى قال الفرنسيون علينا ان نطرح الامر للبرلمان وعلى حسب رواية الصحفى الفرنسى ان البرلمان رفض دعمهم باعتبارهم جزءا من معاناة الاهالى بحكم مشاركتهم فى القتال الدائر فى السودان.
الخرطوم ترفض
اعتبرت الخرطوم من خلال البيان الصادر عن وزارة الخارجية ان بيان الترويكا فى شأن الانتخابات حدث خطير يدل على عدم حيادية الترويكا وانحيازها للمعارضة وحملة السلاح وعدته تشجيعا لاستمرار العنف فى البلاد، وقال د. احمد بلال عثمان الناطق باسمى الحكومة ان العملية الانتخابية سارت فى هدوء ولم يكن فيها عنف، واتهم بلال الترويكا بمقاطعة الانتخابات وانحازت للمعارضة المسلحة وتابع: حديث الترويكا يؤكد انها تضع ثقلها فى المعارضة المسلحة, وكانت وزارة الخارجية استدعت سفراء بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاروبى بالخرطوم وسلم وكيل وزارة الخارجية بالانابة سفراء الدولة الثلاث بيانا شديد اللهجة احتجاجا على بيان الترويكا واتهم البيان الترويكا بانها اغفلت عمدا الادانة الصريحة لمحاولات حركات التمرد لممارستها العنف وزعزعتها للامن والاستقرار خلال العملية الانتخابية وذلك عبر القصف المباشر لمدينة كادقلى واستهداف الهجوم للمدنيين ومنعهم من الاداء باصواتهم فى صناديق الاقتراع فى جنوب كردفان.
الترويكا تقول وحسب تعميم صادر، الأربعاء، عن بعثة الاتحاد الأوروبي بالخرطوم، فإن السفير يوليشني أوضح خلال اجتماع مع مسؤولي الخارجية أن البيان الصادر من فريدريكا موغريني الممثلة العليا للعلاقات الخارجية والشؤون الأمنية للاتحاد الأوروبي حول الانتخابات صدر بالنيابة عن الدول الأعضاء الثماني والعشرين حيث عبروا عن موقفهم الموحد والمشترك حول الانتخابات السودانية، والحاجة إلى استئناف الحوار الوطني واحترام حقوق الإنسان.
وقالت دول الترويكا “الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج” في بيان الإثنين الماضي، إن نتائج الانتخابات السودانية، التي تجري حاليا عمليات فرز الأصوات فيها “لا يمكن أن تشكل تعبيراً صادقا عن إرادة الشعب السوداني”.
وكانت كل من دول الاتحاد الأوروبي والترويكا، قد أصدرت بيانات قبل ساعات من بدء عملية الإقتراع، الإثنين قبل الماضي، عبرت فيه عن أسفها لفشل الحكومة السودانية “في خلق أجواء مواتية لعقد انتخابات حرة ونزيهة”.
وأضاف السفير توماس أن التزام الاتحاد الأوروبي لشعب السودان لا يتزعزع، وأنه واثق من أن بيان الاتحاد الأوروبي لن يؤثر بشكل كبير في العلاقات مع السودان، وأبدى السفير استعداده والتزامه الشخصي لمواصلة روح الحوار البناء.
وعدّت وزارة الخارجية السودانية تصريحات مجموعة “الترويكا” تدخلا سافرا في شؤون البلاد واتهمتها بتعمد تجاهل القصف الذي نفذته قوات التمرد على جنوب كردفان أثناء الانتخابات.
وسلم وكيل الخارجية بالإنابة عبد الله الأزرق السفراء الغربيين، كل على حده، رد وزارة الخارجية الرافض للتصريحات الخاصة بالانتخابات، مشددا على إن العملية “تعد شأنا سودانيا خالصا يقرر فيه السودانيون وليس لأي جهة أخرى حق التدخل أو إبداء الرأي.
نيفاشا جديدة
بالمقابل يخشى البعض من موقف الترويكا الرافض لنتائج الانتخابات لانه قد يعقد من فرص التسوية السياسية، التى من المحتمل ان تستأنف عقب الانتخابات عن طريق الحوار الوطنى، يشيرون الى ان رفض مجموعة الترويكا يحفز الحركات المتمردة لان تتمسك بمطالب وصفوها بالتعجيزية لانه في حالة عدم توصل السودانيين الى وفاق سياسى عن طريق التسوية السياسية الشاملة فان الامر قد يدفع الفرقاء السودانيين الى المجمع الدولى هذا ما ترمى اليه الترويكا التى تخطط بحسب المراقبين الى تكرار نموذج اتفاقية نيفاشا خاصة وان الترويكا هى التى صممت تلك الاتفاقية.
الخرطوم: ابوعبيدة عوض
صحيفة السياسي