د. جاسم المطوع : (3) أفكار تحول حزنك إلى سعادة
كلما رأيته أو جلست معه يتحدث عن المآسي التي مرت عليه والمواقف الحزينة التي عاشها، ولم أسمعه يوما يتحدث بإيجابية أو بنفس سعيدة، فقلت له: هل تعلم أن ما تفعله بنفسك هو «انتحار شيطاني»، فقال بعدما قطع حديثه الحزين: وماذا تقصد؟ قلت: إن من وسائل تثبيط الإنسان ويأسه وإحباطه أن يذكره شيطانه بآلامه وأحزانه حتى يعيش كئيبا ولا يتذوق طعم السعادة.
قال: وما علاقة الشيطان بالحزن؟ قلت: لقد أخبرنا الله تعالى بأن من أهداف الشيطان أن يجعل المؤمن حزينا (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، فالشيطان يسعى إلى حزنك ويجعلك تتذكر المواقف الأليمة في حياتك والذكريات الحزينة، فإذا استجبت له صرت تستحضر الخيالات اليائسة والمثبطة والظنون السيئة حتى يأكل بعضك بعضا، مثل الحالة التي تعيش أنت فيها الآن، فوجهك شاحب وجسدك هزيل كأنك تعذب نفسك بنفسك.
قال: وماذا أفعل؟ قلت: اعلم أن في كل مصيبة فرجا، وفي كل مشكلة فرصة، وفي كل محنة منحة، وإن مع العسر يسرا، فاجعل عينيك ترى جوانب الخير في الابتلاء حتى تكون سعيدا، والآية التي ذكرتها تفيد بأن المؤمن لا يضره الشيطان بشيء (ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله)، فالمؤمن نفسه مشرقة وخواطره إيجابية وروحه مطمئنة وتراه مبتسما حتى في أصعب اللحظات، كما قال الشاعر في أحكم بيت قالته العرب:
ولربما ابتسم الكريم من الأذي وفؤاده من حره يتأوه
فأنت تستطيع أن تصف نفسك وصفا سلبيا مثل «مزمار الحي لا يطرب»، فتكون محبطا يائسا من مجتمعك ومن حولك، وتستطيع أن ترى نفسك (كالشامة) متميزا في مجتمعك وبلدك، وهذا الفرق بين النظرتين الإيجابية والسلبية.
قال: إن ما تقوله صعبا، قلت: هو ليس صعبا لو توكلت على الله تعالى، ولهذا قال الله في نهاية الآية (وعلى الله فليتوكل المتوكلون)، أما اذا استسلمت لشيطانك فإنه سيجعلك حزينا دائما، وسأذكر لك ثلاثة مواقف في تحويل الحزن الى سعادة، الأول مع أحمد بن حنبل رحمه الله (المولود 241هـ، 780م وهو فقيه ومحدث وعالم)، فإنه تعامل بإيجابية مع من أراد أن يجعله يحمل في قلبه على صاحبه، حيث قال (عبدالله الوراق كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب، فقال: اكتبوا عنه فإنه رجل صالح (يقصد اكتبوا عنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقلنا: إنه يطعن عليك، قال: أي شيء حيلتي؟ شيخ صالح قد بلي بي)، فانظر كيف حول الموقف السلبي الى موقف إيجابي، من خلال سماحة نفسه وأخلاقه الراقية.
والموقف الثاني مع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما انشغل عن الإجابة عن أسئلة الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه بصناديد قريش وكبار القوم فأنزل الله تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى)، وبعد هذا العتاب على الموقف صار النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كلما رآه يهلل بحضوره، وتروي بعض الروايات أنه كان صلى الله عليه وسلم يوسع له في المجلس ويفرش له رداءه ليجلس عليه ويقول له: «أهلا بمن عاتبني فيه ربي»، فتعامل النبي مع عتاب الله بأن أكرم الصحابي من بعد الموقف، وهذا المنهج نفسه طبقه كذلك الحسن البصري رحمه الله (المولود في المدينة عام 21 هـ – 642 م، إمام وعالم تابعي جليل) في تحويل الموقف الحزين الى موقف إيجابي، فقد أخبره رجل أن فلان قد اغتابه، فبعث الحسن الى الذي اغتابه بطبق من الحلوى، وقال: بلغني أنك أهديتني حسناتك فكافأتك بهذه الهدية.
فهذه ثلاثة نماذج في التعامل مع الموقف الذي يفترض أن يسبب حزنا لصاحبه، لكن أصحاب المواقف حولوا الموقف نفسه ليكون مصدر سعادة لهم، والآن أرسل طبق الحلوى إلى من يؤذيك.
جزاك اللة خيرا وفيت وكفيت
جزاك الله خير